مشاكل العصر الحديث فرضت على الانسان ضغوطاً نفسية عديدة واعباء جسيمة ومتطلبات متزايدة لم يسبق ان تعرض لمثلها الاجداد في الماضي. ومع تعاظم المسؤوليات المهنية والالتزامات العائلية والاجتماعية واندفاع الانسان وراء طموحاته وشغفه لتحقيقها، تزداد المعاناة النفسية ويصاب الانسان بالضائقة او الكرب او الاجهاد. وتتراوح درجة هذه الضائقة النفسية والاجهاد بين شخص وآخر تبعاً لقوة شخصيته وقدرته على مواجهة المصاعب ومحاولة حلها دون استنزاف لكافة طاقاته وبعيداً عن كل ما من شأنه ان يعرضه للمرض او الانهيار. التحقيق الآتي يعرض لهذه المشكلة ويقترح حلاً لها. عندما يتعرض الانسان للخطر او لحالات عاطفية مثيرة، يدرك الدماغ هذه المخاطر، فيقوم بتحضير الجسم لمواجهتها عن طريق إفراز الهورمونات في مجرى الدم، مما يتسبب بردود فعل فيزيولوجية مختلفة، كازدياد نبضات القلب وازدياد سرعة التنفس وارتفاع ضغط الدم وزيادة قابلية الدم على التجلط للوقاية من اي نزيف قد ينتج عن الاصابة بالجروح، كما تندفع الاحماض الشحمية والسكر في مجرى الدم لتزويد الجسم بالطاقة التي يحتاجها لمقاومة الاخطار، وتفرز الستيرويدات القشرية والادرينالين في الغدد الكظرية لتخفيف حالات الالتهاب. وهذه الاجراءات ممتازة للحد من الاخطار التي يتعرض لها الجسد اذا كان باستطاعته العودة الى حالته الطبيعية والاسترخاء بعد زوال اسبابها. اما اذا استمرت الضغوط النفسية دون انقطاع واستمرت حالة الاستنفار الجسدي، فإن المضاعفات تصبح خطيرة حيث يتسبب تجلط الدم بضيق الاوعية الدموية وعرقلة وصول الدم الى الاعضاء، وتتحول الاحماض الشحمية الى كوليسترول ويرتفع مستوى السكر في الدم ويتأثر جهاز المناعة بارتفاع مستوى الستيرويدات القشرية. كما تؤدي سرعة التنفس الى تغيير الحالة المزاجية والفعلية للانسان، اذ ان هنالك ارتباطاً وثيقاً بين عملية التنفس وهذه الحالة العقلية والمزاجية، حيث يؤدي التنفس السريع الى دفع الدماغ على الاسراع في أدائه مما يفقده الاتزان في حكمه على الامور. اما اذا كان التنفس بطيئاً وعميقاً، فان الدماغ يتراخى ويأخذ وقته في تمييز الامور والحكم عليها بشكل أفضل مما يساعد على الاسترخاء الجسدي ومعالجة المشاكل التي تواجهه بحكمة وتعقل. لهذا فإنه من الضروري ان يتعلم الانسان كيفية التنفس الصحيح وان يعتاد على استخدام بطنه وصدره في تحقيق ذلك لضمان وصول كميات مقبولة ومتوازنه من الاوكسجين الى كافة اعضاء الجسم وعلى الاخص المناطق الواقعة في اسفل الرئتين والتي تحتاج الى 80 في المئة من الاوكسجين، وعدا ذلك فإن الانسان يعيش في حالة شبه اختناق مما يزيد من ضائقته وكربه. ويعتمد جسم الانسان على الجهاز العصبي المستقل "Autonomic Nervous System" في استجابته للخطر. وينقسم هذا الجهاز الى قسمين. "الجانب الودي" ومهمته الاستجابة لكافة حاجات الجسم المباشرة، و"الجانب اللاودي" الذي يعمل على تهدئة الانفعالات الجسدية بعد كل رد فعل. فعند التعرض للخطر او التحدي يبدأ الجانب الودي من جهاز الاعصاب بالعمل فتزداد دقات القلب، وتبدأ الغدد الكظرية بانتاج هورمون الادرينالين، وتنفتح غدد العرق، وتقف حويصلات الشعر، ويتأهب الجسم لمواجهة الخطر او التحدي وذلك بمحاربته او الهروب منه. وهذا ما يعرف علمياً باسم "Fight or Flight"، بغض النظر عما اذا كان هذا الخطر حقيقياً او وهمياً. وبازدياد هذه الحالات العصبية، يضطر الجهاز العصبي لحبس الضغوط والانفعالات داخل اعضاء الجسم وعضلاته، مما يزيد من حالة التوتر، فتتقلص الاعضاء ويتعرقل وصول الدم اليها وتظهر حالات الكرب والضائقة عند الناس. فإذا كان الجانب الودي من جهاز الاعصاب المستقل هو المهيمن، فهذا يعني ان الانسان سيكون عصبياً ومتوتراً وطافحاً بالضائقة، واذا لم يعالج ويفرّج عن كربه فإنه سيصاب بالأمراض. اما اذا كان الجانب اللاودي هو المسيطر، فمعنى ذلك اننا سنتعرض للكآبة والتراخي وعدم الاكتراث. لهذا فإن التوازن بين الجانبين عملية ضرورية جداً لحياة الانسان. المعالجة هنالك وسائل عديدة لمقاومة الاجهاد، اغلبها طبيعي يغنينا عن استخدام الادوية المهدئة ويقينا من مضاعفاتها الجانبية. فقد اثبتت رياضة اليوغا وممارسة الاسترخاء والتأمل، واستخدام النباتات والاعشاب الطبيعية وزيوتها المعطرة فعاليتها ونجاحها. وحديثاً تمكنت مجموعة من العلماء في قسم الفيزياء والالكترونيات الطبية في مستشفى سانت بارثولوميو في لندن تحت اشراف الدكتور ارنستو كورينمان وبالتعاون مع الدكتور برنارد واطسون من اختراع جهاز الكتروني سهل الاستخدام يعمل مع برنامج خاص للكمبيوتر ويمتاز بقدرة كبيرة على التخفيف من خطر الاجهاد والضائقة النفسية وذلك عن طريق نقل الاحاسيس والتغيرات البسيطة للمشاعر الداخلية من اصابع اليد الى الكمبيوتر بحيث تتفاعل مع البرنامج المعروض على الشاشة. وتظهر هذه التفاعلات على شكل رسوم بيانية واضحة تبين مدى الاسترخاء او الاضطراب الذي يعاني منه الانسان، او تظهر على شكل رسوم متحركة تبدأ بسمكة تسبح في قاع البحر ثم تتطور تدريجياً مع درجة الاسترخاء التي يصلها الانسان فتتحول الى حورية بحر تتابع السباحة مع تطور حالة الاسترخاء وتخرج الى سطح الارض بعد ان تتحول الى امرأة ثم الى ملاك بأجنحة وتطير في الفضاء حتى تصل الى النجوم وتصبح واحدة منها. وبالطبع لا يستطيع الشخص الوصول الى هذه المرحلة الا عندما يتلقى برنامج الكمبيوتر اشارات من اصابع اليد تعبر عن نجاحه في الوصول الى حالة الاسترخاء التام. ويلاحظ الشخص ايضا انه كلما اضطربت احاسيسه ومشاعره اثناء قيامه بهذا التمرين، كلما تأثرت حالة الاسترخاء المعبر عنها في الكمبيوتر، وهذا ما يجعل الصور المتحركة تتراجع الى اوضاعها السابقة، فالنجمة تتحول الى ملاك والملاك يتحول الى امرأة، والمرأة تتحول الى حورية بحر، وحورية البحر تتحول الى سمكة او تنعكس العملية تدريجياً مع نجاح الشخص في تحقيق الاسترخاء التام. ومن المدهش ان هذه التفاعلات الجسدية تظهر على شاشة الكمبيوتر كتعبير دقيق عن المشاعر التي تدور داخل اجسامنا والتي تتحكم بها عقولنا. ويلاحظ ايضا ان عملية التنفس تلعب دوراً كبيراً في التأثير على عملية الاسترخاء وفي التحكم بالمشاعر المنقولة عبر الاقطاب الالكترونية المربوطة حول اصابع اليد. ولهذا شمل البرنامج ايضا تمارين خاصة بالتنفس وتمارين اخرى هي عبارة عن اسئلة يطرحها الكمبيوتر ويطلب اجابات عليها. وتبين سرعة الاستجابة ودقتها على هذه التساؤلات والطلبات مدى تفاعل الجسم معها وتأثره بها. ويقوم الدكتور ارنستو كورينمان وفريق العلماء العاملين معه حاليا بتطوير برامج جديدة للكمبيوتر هدفها التغلب على الاجهاد العصبي والنفسي ومخصصة لرجال الاعمال والاطباء والاخصائيين والمراهقين والاطفال والمدارس. ويمتاز جهاز "Relax Plus" الذي تنتجه شركة "Ultramind" بسهولة استخدامه مع اي كمبيوتر متطابق مع اجهزة "آي.بي.ام" ولا يحتاج من يستخدمه الى خبرة سابقة بتشغيل الكمبيوتر، اذ انه يتفاعل معه عن بعد وبطريقة لاسلكية، حيث يجلس الشخص على بعد اقصاه اربعة امتار من الجهاز ويربط قطبين الكترونيين حول اصبعين في احدى يديه تابعين لجهاز احساس "Sensor" ثم يتحكم بتشغيل البرنامج المعروض على شاشة الكمبيوتر بجهاز آخر للتحكم عن بعد يضعه بالقرب من يده الاخرى. وتنتقل الاحاسيس عبر الاقطاب المربوطة حول الاصبعين لاسلكياً في جهاز الارسال الى جهاز الاستقبال المربوط بالكمبيوتر. وتبدأ عملية التفاعل مع برنامج الكمبيوتر حسب رغبة الشخص واستعداده، ومن دون الحاجة الى استخدام لوحة المفاتيح. ويحتوي البرنامج على مقدمة تزود المستخدم بالمعلومات والارشادات اللازمة عن الجهاز وكيفية تشغيله وعن المواضيع والتمارين المشمولة بالبرنامج وكيفية معالجتها والتعامل معها لتحقيق افضل النتائج. وبالامكان تغيير حساسية الجهاز بحيث يستغرق تمرين الاسترخاء ما بين خمس دقائق وعشرين دقيقة. ولا يقتصر استخدامه على الكبار فقط اذ يمكن استخدامه من قبل الاطفال ايضا. كما انه لا يقتصر على شخص واحد فقط، بل يمكن استخدامه مع شخص آخر او مع مجموعة من الناس. وذلك بأن يربط الشخص احد الاقطاب حول اصبع من يده ويربط القطب الآخر حول اصبع يد شخص آخر بينما تمسك يده الاخرى باليد الثانية للشخص الآخر. وبالامكان زيادة عدد الاشخاص وربط اياديهم ببعضهم البعض بشكل حلقة يكون اولها احد الاشخاص الحاملين لأحد الاقطاب وآخرها شخص يحمل القطب الثاني لجهاز الارسال. ومن فوائد هذا الاسلوب ايضا انه يساعد الانسان على الوصول الى قمة قدراته العقلية الكامنة والكفيلة بالتغلب على الضغوط النفسية من خلال مقاومتها لمشاعر القلق والتوتر والاجهاد والكآبة. كما انه يعلم الانسان فن الاسترخاء الحقيقي وكيفية السيطرة على عواطفه وترتيب افكاره. ومع استمرار ممارسة هذا الاسلوب تتطور قدرات الانسان على التركيز وتنمو بحيث يصبح بامكانه الاسترخاء من دون الحاجة الى استخدام الكمبيوتر ومن دون الحاجة للجوء الى الادوية او الاعشاب او غيرها. واذا اضفنا الى ذلك التكلفة الزهيدة لهذا الجهاز بكل ما فيه من برامج وملحقات الكترونية، لأدركنا ان هذا الاسلوب الفريد هو الخيار العلمي والعملي الصحيح والانسب لكل من يرغب في مقاومة الاجهاد او الضائقة النفسية. ولن يقتصر هذا الاختراع على البرامج التي ستطرح حالياً في الاسواق، اذ يعتزم العلماء تحضير برامج جديدة وشيقة لتوسيع دائرة التجارب والتمارين والمغامرات الذهنية التي يمكن ان يتمتع بها مستخدموه في المستقبل. أعراض الاجهاد العصبي والنفسي: 1- الاعراض المزاجية: القلق، توقع الاسوأ، الهيجان والاثارة، عدم الاكتراث، الكآبة، الاستيقاظ المبكر، فقدان متعة ممارسة الهوايات. 2- أعراض الخوف: الخوف من الظلام، الخوف من الوحدة، الخوف من الازدحام، الخوف من الغرباء، الخوف من الحيوانات الضخمة، الخوف من الجماهير. 3- الاعراض العقلية: صعوبة التركيز، وضعف الذاكرة. 4- الاعراض الحسية: طنين الاذن، غشاوة النظر، الشعور بالارهاق، التخيل، موجات الحرارة او البرودة. 5- الاعراض التنفسية: الضغط فوق الصدر، ضيق التنفس، الشعور بالاختناق، التثاؤب. 6- الاعراض التناسلية: كثرة التبول، الجمود، القذف المبكر للمني، العقم، الاضطرار للتبول، ازدياد نزف الدم اثناء الدورة الشهرية للمرأة. 7- الاعراض الفيزيولوجية السلوكية: رجفة اليدين، بلعان الريق، التعرق، شحوبة الوجه، رجفان في الوجه الحاجب والرموش، اقتضاب الوجه، تخدد الحاجب، التكرّع. 8- أعراض التوتر: عدم المقدرة على الاسترخاء، سرعة البكاء، عدم الاستقرار، الارهاق، الارتعاد. 9- أعراض القلق: صعوبة النوم، الكوابيس الليلية، النوم المتقطع، الاحلام، الخوف من هبوط الظلام، عدم الاكتفاء بالنوم والشعور بالارهاق عند الاستيقاظ. 10- الاعراض العضلية: الاوجاع والآلام في العضلات، رجفان العضلات، تصلب العضلات، شحذ الاسنان. 11- أعراض القلب: سرعة الخفقان، اوجاع في الصدر، الشعور بالاغماء، اضطراب نبضات القلب، رفات الاوعية وخفقانها. 12- اعراض الجهاز الهضمي: صعوبة البلع، الامساك او الاسهال، الغازات، الشعور بالانتفاخ، فقدان الوزن، عسر الهضم حرقة الفؤاد، التدرع. 13- الاعراض المستقلة: جفاف الفم، الرجفان، وقوف الشعر، التعرق، احمرار الوجه، الدوخان.