بمشاركة 4 فرق .. "الثلاثاء" قرعة كأس السوبر السعودي    تمنع "نسك" دخول غير المصرح لهم    «الاستثمارات العامة» يطلق مجموعة نيو للفضاء «NSG»    المملكة وسورية ومصالح العرب    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على سعود بن عبدالعزيز    قائد النصر "كريستيانو رونالدو" هدافاً لدوري روشن السعودي ب 35 هدفاً    «الصقور الخضر» يعودون للتحليق في «آسيا»    التعادل الإيجابي يحسم مواجهة ضمك والرائد في دوري روشن    شوريون ل«التعليم»: أين إستراتيجيتكم ؟    قدوم 532,958 حاجاً عبر المنافذ الدولية    تقدير الجميع لكم يعكس حجم التأثير الذي أحدثتموه في المجتمع    تفقّد ميقات ذي الحليفة.. أمير المدينة: تهيئة الخدمات لتحسين تجربة الحجاج    صالات خاصة لاستقبال الحجاج عبر «طريق مكة»    حلول مبتكرة لمرضى الهوس والاكتئاب    القاضي الرحيم يتعافى من سرطان البنكرياس    الشمردل ينتزع ذهبية غرب آسيا للبلياردو    كوريا الشمالية تعلن فشل عملية إطلاق قمر اصطناعي لغرض التجسس    بولندا تبرم صفقة مع الولايات المتحدة لشراء صواريخ بعيدة المدى    شهادات الاقتصاد    نعم.. ضغوطات سعودية !    الديمقراطية إلى أين؟    ورحلت أمي الغالية    الاحتيال العقاري بين الوعي والترصد    موجز    ارتفاع استثمارات «المسار الرياضي»    كشف رب الأسرة    إسدال الستار على الدوريات الأوروبية الكبرى.. مانشستر سيتي يدخل التاريخ.. والريال يستعيد لقب الليغا    أخضر رفع الأثقال وصيف العالم    اليوم في ختام دوري يلو.. تتويج القادسية.. والخلود والعروبة في صراع الوصافة    الطائر الأخضر والمقعد الأزرق !    أمير المنطقة الشرقية يستقبل أعضاء مجلس إدارة نادي الاتفاق    الأمن العام: 50 ألفاً غرامة تأخر الإبلاغ عن مغادرة المستقدَمين في الوقت المحدد لانتهاء التأشيرة        طلب عسير    سرقة سيارة خلال بث تلفزيوني    الفريق البسامي يستعرض الخطط الأمنية للحج    القيادة تعزي حاكم عام بابوا غينيا الجديدة في ضحايا الانزلاق الترابي بإنغا    عبر دورات تدريبية ضمن مبادرة رافد الحرمين.. تأهيل العاملين في خدمة ضيوف الرحمن    الفيصل تُكرم الطلاب الفائزين في مسابقتَي «آيسف» و«آيتكس» وتشيد بمشاريع المعلمين والمعلمات    حفلات التخرج.. البذل والابتذال    بدء أعمال إنشاء مساحات مكتبية في "ميدان الدرعية"    ولادة 3 وعول في منطقة مشروع قمم السودة    مكتسبات «التعاون»    إخلاص وتميز    كيف تصف سلوك الآخرين بشكل صحيح؟    إدانة دولية لقصف الاحتلال خيام النازحين في رفح    باخرتان سعوديتان لإغاثة الشعبين الفلسطيني والسوداني    نصائح للمرضى خلال رحلة العمر.. إستشاري: خذوا أدوية السكري في مواعيدها وتجنّبوا الإجهاد    سكري الحمل    دراسة تكشف أسرار حياة الغربان    أمير تبوك يستقبل المواطنين في اللقاء الأسبوعي    مجمع إرادة بالرياض يحتفل بيوم التمريض العالمي.. غداً    «جامعة نايف» تفتتح فعاليات الندوة العلمية «إدارة وتأمين الأحداث الرياضية الكبرى»    سلمان الدوسري يهنئ جيل الرؤية على التفوق والتميز    فيصل بن بندر يؤدي صلاة الميت على سعود بن عبدالعزيز    نائب أمير مكة يطّلع على استعدادات وخطط وزارة الحج والعمرة    جوازات ميناء جدة الإسلامي تستقبل أولى رحلات ضيوف الرحمن القادمين من السودان    وصول طلائع الحجاج السودانيين إلى ميناء جدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انت تعمل اذاً انت في خطر . بين ثنايا كل مهنة ينام مرض !
نشر في الحياة يوم 23 - 03 - 1992

مع تطور الصناعات وتنوعها وتكاثر عدد العاملين فيها وفي غيرها من المهن الاساسية التي يعتمد عليها مجتمعنا الحاضر ازداد الاهتمام بالسلامة العامة للعاملين وأصبح في طليعة الاولويات التي تحرص عليها الدول وارباب العمل نظراً للمخاطر الكبيرة التي يتعرض لها العاملون والتي قد تؤثر سلبياً على حياتهم وعلى وضعية الاقتصاد في بلادهم. فاضافة الى الامراض المهنية والاذى الذي يتعرض له العنصر البشري، هناك خسارة فادحة في ايام العمل التي يفقدها الاقتصاد سنوياً والتي تقدر بالملايين.
وتتفاوت درجات الخطر في اية مهنة يقوم بها الانسان تقريباً، وبالطبع توجد مهن اكثر خطورة من غيرها، كالعمل في المناجم والانشاءات والتعمير او الغطس في اعماق البحار وكلها تهدد بفقدان الحياة او بفقدان اعضاء معينة من الجسم. وهنالك مهن اخرى كالصناعات الحديدية والصناعات الكيميائية التي تكون نسب الخطر فيها اقل، لكنها قد تتسبب بالامراض وبالعجز او الموت. لهذا وضعت قوانين صارمة للسلامة العامة في اماكن العمل، تفرض على المؤسسات والشركات تطبيق الوسائل الفعالة وتوفير الادوات المناسبة والملابس الواقية حتى لا يتعرض العاملون الى حوادث ومخاطر هم في غنى عنها.
ولقد تمت السيطرة على الكثير من المخاطر المهنية بفضل تطبيق قوانين الامن والسلامة داخل المصانع وورشات العمل والمؤسسات والشركات الاخرى، الا انه لا يمكن القضاء نهائياً على هذه الاخطار طالما اننا بحاجة دائمة ومستمرة لانتاج المواد والصناعات الجديدة، وطالما اننا نسير في ركب الحضارة الحديثة ونحرص على تقدم مجتمعاتنا. وهنالك الحوادث الناجمة عن سوء استخدام الآليات والتي لا يمكن تفاديها كليا بسبب عنصر الخطأ البشري، وانما يمكن تخفيفها قدر الامكان اذا ما حرص ارباب العمل على تطبيق اسس السلامة والزام العاملين بضرورة التقيد بها.
أنواع المخاطر المهنية
تنقسم المخاطر المهنية طبقاً للمواد التي تسببها. فهناك المواد الغازية والمواد السائلة والمواد الصلبة التي تدخل الجسم عن طريق الرئتين او بملامسة الجلد او عن طريق الفم، وهناك عوامل اخرى تؤدي الى اخطار مهنية يمكن تفاديها مثل الضجيج والاهتزازات والاشعاع، اضافة الى بعض المهن الاخرى التي يتعرض العاملون فيها لحوادث خارجة عن ارادتهم او ناتجة عن اهمالهم لتعليمات الامن والسلامة ويمكن توزيع هذه المواد والعوامل والمهن كالآتي:
المعادن
ويندرج تحتها المعادن الصلبة كالرصاص، والمعادن السائلة كالزئبق، والمعادن اللينة كالكادميوم، والمعادن الهشة كالكروميوم. اما اخطارها والصناعات او المهن التي تدخل فيها فانها كالآتي:
الرصاص: وهو من المعادن الصلبة التي تشكل خطراً مهنياً وتلوثاً بيئياً ضاراً، ويعتبر من اسوأ المواد السامة التي تستخدم في صناعة البطاريات والمنتوجات المطاطية وفي بعض انواع الدهان وفي لحم الاسلاك الكهربائية وتغطية السقوف. ويدخل الرصاص الجسم عن طريق تنشق ذرات الغبار او البخار الحاوي له، او عن طريق البلع. من اعراضه الاولية: التعب الجسدي او الارهاق والصداع وفقدان الشهية والامساك مع ظهور اوجاع خفيفة في البطن. اما في حالات التسمم القصوى، وهي حالات نادرة في وقتنا الحاضر، فان المريض يصاب بآلام حادة في معدته وتضعف عضلاته وتتعطل كليتاه عن العمل ويصيبه الاختلاج والتشنج والغيبوبة، وربما فارق الحياة. ونظراً لخطورة هذا المعدن على سلامة البيئة، قامت غالبية الشركات المصنعة لوقود السيارات بحذفه منها، وتقوم مؤسسات حماية البيئة في مختلف انحاء العالم بمراقبة نسبة تلوث الجو بالرصاص، وباستمرار. ولقد قامت الشركات المصنعة للدهان والطلاء بحذف مادة الرصاص من العديد من منتجاتها بعدما ثبت دورها في تسمم الاطفال الذين كانوا يأكلون قشور الدهان المتساقط من جدران منازلهم القديمة نظراً لمذاقه السكري الحلو. وفي بعض الاحيان كانت حالات التسمم هذه تؤدي لاصابة الاطفال بالتخلف العقلي. لذلك فاننا ننصح العاملين في هذا المجال ان يواظبوا على فحص دمهم لمعرفة نسبة الرصاص فيه مع ضرورة اتخاذ الحيطة والحذر وارتداء الملابس الواقية في اماكن عملهم. ولقد اثبتت الدراسات العلمية الحديثة والابحاث الطبية ان ارتفاع مستوى الرصاص في الدم يؤثر على حاسة السمع عند الكبار والصغار ويعيق الاتصال العصبي داخل الجهاز السمعي.
الزئبق
وهو من المعادن السائلة الخطرة ايضاً، ويمتاز بلونه الفضي ويستخدم في صناعة "موازين" الحرارة وفي الصناعات الكهربائية، كالمصابيح الفلورية المتألقة، والصناعات الدقيقة للأدوات والمعدات، وفي طب الاسنان حيث يتعرض العاملون في هذا المجال سواء أكانوا اطباء او ممرضات او فنيين، لخطر الزئبق الموجود في مادة الملغم Amalgam والتي تتطاير في الهواء في اثناء عملية حشو الاسنان بالملغم او خلال استبداله بنوع آخر. ولقد اثبتت الدراسات والابحاث العلمية ان المرضى الذين يزورون عيادات طب الاسنان لمعالجة اسنانهم وحشيها بالملغم والذين يمتلئ فمهم بهذه المادة نظراً لكثرة عدد الاسنان المعالجة، يتعرضون لارتفاع مستوى الزئبق في دمهم وفي بولهم وربما تجمع في بعض اطراف الجهاز العصبي ايضاً. ولقد لوحظ وجود معدن الزئبق داخل الغدد النخامية لبعض الاطباء الذين فارقوا الحياة وكانوا يعملون لسنين عديدة في هذا الاختصاص. كما لوحظ ان مادة الذهب لم تؤدِ الى التلوث بالزئبق بينما تأثرت مادة السيراميك به. واستفادت بعض الممرضات والفنيات من تناول حبوب خاصة تمتص الزئبق وأظهرت التحاليل الطبية وجود نسبة ضئيلة من هذا المعدن داخل اجسادهن مقارنة بزميلاتهن وزملائهن الذين لم يتناولوا تلك الحبوب. وتؤدي حالات التسمم بالزئبق الى الاصابة بارتعاشٍ في الاصابع والى سرعة الاثارة العصبية والشعور بالنعاس، وقد تتطور حالة التسمم هذه وتصل في مراحلها النهائية الى الجنون. ومن الاعراض الاخرى التهاب الحلق واللثة والتقيؤ والاسهال. وتمتد خطورة الزئبق لتشمل المركبات الصادرة عنه والمتواجدة في المخلفات الصناعية التي تمتصها الاسماك التي نأكلها، فتتسبب بفقدان البصر والتدهور العقلي وعدم المقدرة على التوازن الفكري، كما تؤدي الى العيوب الخلقية والموت. وينتقل الزئبق الى الجسم عن طريق الاستنشاق او الامتصاص الجلدي او عن طريق البلع.
الكادميوم: وهو من المعادن اللينة التي تستخدم في زيادة صلابة النحاس وكطلاء واق لتصفيح المعادن الاخرى. والكادميوم معدن خطير جداً يرتفع مستوى التلوث فيه تدريجياً داخل الجسم، عن طريق الاستنشاق او البلع، فيتسمم الجسم ببطء الى ان يصل للمستوى الذي تتعطل فيه الرئتان والكليتان عن العمل ويؤدي في النهاية الى الموت. لذلك كان لا بد من احتوائه داخل محيط العمل مع اتخاذ الاجراءات الواقية لحماية العاملين والقيام بمراقبة نسبة التلوث البيئي بإستمرار.
الكروميوم: وهو معدن صلب وهش يستخدم في صناعة العديد من انواع الفولاذ بما فيها الفولاذ الصامد الذي لا يصدأ والادوات الفائقة السرعة. وتستعمل مركباته في التصفيح الكرومي وفي انتاج الوان الطلاء والحبر، وفي دباغة الجلود والحفاظ على خشب الاشجار وفي التصوير ومواد الصباغة. اما خطورته فتكمن في ان اية ملامسة او احتكاك مهما كان بسيطاً، بسوائله المخففة، يسبب قرحاً جلدية، كما ان استنشاق القطرات الناعمة او الضباب الرقيق الذي يحوي املاح الكروميوم يؤدي الى ظهور قرح داخل الانف. ولقد ربطت الابحاث الطبية بين سرطان الرئة وصناعة املاح الكروميوم، وهنالك حالات واعراض شبيهة باعراض مرض الربو وهي ناتجة عن الحساسية لمادة الكروميوم التي تصيب بعض العاملين في المصانع والمعامل التي تستخدمه. وفي دراسات اخرى ثبت ان الكروميوم قد يؤدي الى الاصابة بسرطان المثانة ايضاً.
المذوبات
ويندرج تحت هذه المجموعة العديد من السوائل التي يتعرض لها العاملون في كافة انواع المهن والحرف تقريباً. ومن المعروف عن المذوبات انها تتبخر بسرعة كبيرة وان البخار يدخل الجسم عن طريق الاستنشاق او عن طريق الجلد، ونادراً عن طريق الجهاز الهضمي. وبمجرد دخولها الى الجسم تهاجم المذوبات الرئتين والقلب والكبد والجهاز العصبي. وتتواجد المذوبات في كافة انواع الحبر وطلاء الاظافر والاصماغ والمنظفات والسوائل التي تستخدم في التنظيف الجاف والعديد من المواد الاخرى. والغريب ان بعض المذوبات التي لها روائح طيبة جداً هي من اكثر الانواع خطورة، بينما تلك التي تصدر عنها الروائح الكريهة ربما يكون بعضها خالياً من الضرر تماماً. فمادة الاثيلين المثلثة الكلور Trichloroethylene لها رائحة لطيفة جداً ولكنها تؤدي الى فقدان الوعي والى الموت احياناً. والبنزين ايضاً من المذوبات الطيبة الرائحة التي تستخدم في صناعة الجلود الاصطناعية ومنظفات الاقمشة ومبيدات الحشرات ومزيلات الطلاء، والوقود، الا انه يتسبب في الدوار والغيبوبة وربما ادى الى الاصابة بابيضاض الدم Leukaemia في حالات التسمم المزمنة. ويتعرض العاملون في محطات تعبئة الوقود لخطر البنزين والديزل وللروائح الصادرة عنهما والتي قد تؤدي للاصابة بسرطان المثانة اذا ارتفعت نسبة التلوث فيها على المدى الطويل. كما يتعرض لها سائقو الشاحنات وعمال الموانئ والميكانيكيون. ونظراً لطبيعة المذوبات وقدرتها على الذوبان فبامكانها مهاجمة جلد الانسان واصابته بالالتهاب. لذا وجب الحرص منها والابتعاد عنها قدر الامكان والامتناع عن الاحتكاك بها.
اما مادة الايسوساينانيت Isocynanates ومركباتها، فكلها خطرة وتستخدم في صناعة مواد البولييوريثين Polyurethanes التي تستخدم بدورها لصناعة الرغوة والازباد، والمواد اللاصقة، وطلاء ورنيش اللك اللامع وغيره من انواع الطلاء. وتؤدي كثرة التعرض لهذه المواد في الهواء للالتهابات الجلدية وتخريش العيون وصعوبة التنفس والاصابة بالربو الشديد.
الغبار
ان الغبار من اكثر المواد الصناعية فتكاً بالانسان. بعضه قليل الضرر او غير مضر على الاطلاق، وبعضه الآخر مؤذ وقاتل، يتعرض له العاملون في مجال الانشاءات والتعمير ومصانع الاسمنت والاسبست والاسفلت والرخام والحجارة الصخرية والأخشاب وغيرها. وينقسم الغبار الى اربع فئات رئيسية: الاولى، تشمل الغبار الهامد المزعج الذي يدخل الجسم ويتجمع فيه دون التسبب بأعراض جدية كالاسمنت وجص باريس والنشاء. والثانية، تشمل الغبار السام الذي يسبب اعراضا خطيرة ويؤثر على اعضاء معينة في الجسم، كالجهاز العصبي والكلى، وتندرج تحت هذه الفئة مركبات الرصاص والكروميوم. والثالثة، تشمل الغبار الذي يسبب الحساسية وأمراض الربو والأكزيما، مثل غبار الخشب والنشارة والبذور الطفيلية للنباتات المنتجة للحبوب. اما الفئة الرابعة والاخيرة فتشمل الغبار الذي يوثر على اغشية الرئتين ويبطل مفعولها. ويتسبب هذا النوع من الغبار بالمئات من حالات العجز الخطيرة والموت سنويا. ويندرج تحت هذه الفئة غبار مناجم الفحم وغبار الاسبستوس او الحرير الصخري الذي يهدد الانسان بالاصابة بسرطان الرئة ومرض الاسبستية وسرطان المثانة.
ويتعرض العاملون في المشاريع الانشائية والمعمارية لخطر غبار الاسفلت فيصاب بعضهم بارهاق غير طبيعي وانخفاض في الشهية للطعام وحرقان في الاعين مع سعال متقطع. ولقد اكدت دراسة سويدية شملت مجموعة من العاملين في صناعة الورق، ممن فارقوا الحياة، ان طبيعة عملهم ادت الى اصابتهم بالسداد الرئوي PULMONARYEMOLI وازدياد نسبة الاصابة بالأورام اللمفية الخبيثة وسرطان المعدة والرئة والكبد. ويندرج مع هؤلاء العاملون في صناعة الاخشاب والنجارية. ولقد نشرت نتائج هذه الدراسة في المجلة الاميركية للطب الصناعي الصادرة في كانون الاول ديسمبر 1991. و في دراسة اخرى تبين ان بعض العاملين في الصناعات الفولاذية وصناعات السفن وعمال المناجم ومستخدمي مواد الاسبستوس والاسمنت وجص باريس المستعمل في البناء والنحت وتجبير العظام، اصيبوا بسرطان الرئة وسرطان المثانة.
ولا يرجع خطر التعرض للغبار الى نوعه فحسب، بل يعتمد على الكمية وعلى الفترة الزمنية التي يستغرقها الانسان في استنشاقه لهذا الغبار. فاستنشاق كمية كبيرة من الغبار في فترة قصيرة من الزمن، اشد خطرا من استنشاق كمية صغيرة خلال فترة طويلة من الزمن. وبالطبع يمكن للرئتين السليمتين ان تتحمل دخول كميات معينة من الغبار والدخان، ولكنها لا تستطيع تحمل كميات كبيرة وخطيرة منه لذا وجب تطهير مراكز العمل من الغبار وارتداء الملابس الواقية ومعدات التنفس المناسبة لحماية الجسم وخاصة الجهاز التنفسي.
ان الضجيح من الاخطار المهنية الموجودة في اغلب المهن والصناعات الميكانيكية، كصناعة السيارات والطائرات والسفن وصناعة المعدات والادوات الحربية، وفي بعض المهن التي تستخدم آليات يصدر عنها ضجيج مزعج جدا ومؤذ للأذن، كورشات الحدادة وعمليات الحفر بالاجهزة التلقائية ومشاريع الانشاء والتعمير. ومن حسن الحظ انه يمكننا السيطرة على الضجيج من خلال السيطرة على مصدره ومحاولة تخفيفه قدر الامكان او بالزام العاملين على وضع مواد عازلة للضجيج فوق آذانهم او داخلها لحمايتهم من الطرش. وفي دراسة نشرت في المجلة البريطانية للطب الصناعي في كانون الثاني يناير 1992، قيل ان عدد المصابين بالطرش نتيجة تعرضهم للضجيج في اماكن عملهم، بلغ مليون و700 الف ، وان ما يقارب العشرة ملايين اميركي يعانون من الطرش الناتج عن الضجيج، وحوالي عشرين مليون اميركي معرضون لمستوى ضجيج يفوق المستوى المسموح به صحياً.
الاهتزاز والارتجاج
ازداد الاهتمام بهذا النوع من الاخطار المهنية نظرا لتأثيرها على الدورة الدموية وتسببها بمرض الاصبع الابيض عند العاملين بالمنشار الكهربائي وادوات الحفر التلقائية. ويؤدي هذا المرض الى تسرب الارتجاج من رؤوس الاصابع بشكل مؤلم ومزعج. لذا ينصح العاملون باتخاذ احتياطات السلامة اللازمة والمحافظة على تدفئة اجسادهم واستخدام القفازات المبطنة. وفي دراسات وتجارب قمت بها ما بين عام 1974 وعام 1978 على مجموعة من سائقي الشاحنات وعلى الرياضيين والطلبة في جامعة لفبرة البريطانية، تبين ان مجرد تعريضهم لمدة ربع ساعة فقط لاهتزازات عادية مماثلة لتلك التي يتعرض لها الانسان داخل السيارة أو القطار أو الشاحنة، يؤدي الى تضييق اوعيتهم الدموية لفترة قصيرة من الزمن، ولقد ظهر ذلك جلياً في الصور المأخوذة بالاشعة تحت الحمراء والتي تبين الاختلاف في الامتداد الطبيعي للأوعية الدموية فو ق الاكتاف والصدر قبل وبعد التعرض للاهتزاز. كما تسبب الارتجاج في ازعاجهم واصابتهم بأعراض شبيهة بتلك التي يتعرض لها مرضى القلب عادة. ومما لا شك فيه ان الشركات المصنعة للسيارات والقطارات والطائرات تعمل جاهدة لتخفيف نسبة الاهتزاز الصادرة عنها حفاظاً على سلامة مستخدميها سواء أكانوا من العاملين او المسافرين.
الاشعاع
ان الاشعاع من المخاطر المهنية التي يتعرض لها العاملون في الحقل الطبي، وداخل المفاعلات النووية ومصانع الاسلحة والمواد المشعة الاخرى. وقد يؤدي الاشعاع للاصابة بالحروق، وتشقق الجلد، وفقدان الشعر، والاصابة بأمراض السرطان وامراض العيون والالتهابات الجلدية والتشوهات الخلقية والوراثية. وأفضل وسائل الوقاية تكمن في التزام العاملين بارتداء الملابس العازلة لحماية الجسم ووضع النظارات المناسبة لحماية العيون، والقيام بالفحوصات المخبرية دورياً للتأكد من نسبة تشبع الجسم بالاشعاع، واستخدام المؤشرات التي تقيس نسبة الاشعاع داخل مكان العمل، او الابتعاد كلياً عن مصادر الاشعاع.
والحرارة الشديدة هي خطر آخر يتعرض لها العاملون في صناعة وصهر الفولاذ والمعادن الاخرى وفي الافران وفي اثناء استخدام اجهزة اللحام. وعلى الرغم من قلة خطورتها مقارنة بالعوامل الاخرى، الا انها قد تؤدي احياناً لحوادث خطيرة تهدد حياة العاملين فيها. وفي دراسة حديثة نشرتها المجلة البريطانية للطب الصناعي في كانون الثاني يناير 1992، تبين ان تعريض الانسان لدرجة حرارة تتراوح بين 30 و54 درجة مئوية، يؤدي الى انخفاض عدد الاحياء المنوية عند الرجال ويؤثر على نوعية المني. كما تبين انه بعد فترة اجازة طويلة، بعيدا عن مصدر الحرارة، يعود مني الرجال الى طبيعته.
اما المخاطر المهنية الاخرى فقد تنجم عن العمل داخل الاماكن الآتية:
أ - المكاتب والادارات: ويتعرض العاملون فيها لحوادث عديدة ومخاطر صحية تنتج في معظمها عن اهمال في تنفيذ تعليمات السلامة واتخاذ الاحتياطات الوقائية التي تمنع حدوثها. فمثلاً، تتعرض السكرتيرات ومبرمجو الحاسوب للصدمات الكهربائية وللاشعاع الصادر عن اجهزة الحاسوب والذي يسبب اوجاعاً في العيون وصداعاً شديداً في الرأس، ويؤثر على سلامة البشرة ونعومتها، وقد يؤثر ايضاً على سلامة الجنين عند النساء الحوامل وعلى صدورهن نظراً للفترات الزمنية الطويلة التي يقضيها العاملون بمواجهة تلك الاجهزة. كما يتعرض هؤلاء وغيرهم من العاملين في المكاتب للتعثر وايذاء انفسهم بسبب سوء تمديد الاسلاك الكهربائية وتبعثرها. اضف الى ذلك الآلام والاوجاع الحادة التي تصيب ظهورهم بسبب سوء اختيار انواع المقاعد والكراسي وعدم ملاءمتها لطبيعة العمل.
ويتعرض الكثير من المدراء والمسؤولين ورجال الاعمال واصحاب المراكز القيادية الذين تتطلب وظائفهم الجلوس لفترات طويلة داخل مكاتبهم، الى الاجهاد الفكري والكآبة والانقباض وصعوبة التنفس والاوجاع في الظهر والصدر والارجل واليدين. وقد تأتي هذه الاعراض منفردة ام مجتمعة، وسببها الرئيسي هو قلة الحركة وضعف النشاط الجسدي وازدياد الاجهاد العقلي. ولقد اثبتت الدراسات الطبية والعلمية ان هذه الفئة من العاملين هي الاكثر تعرضاً لأمراض القلب والامراض النفسية الاخرى. فالطموح الجامح والمسؤولية الكبيرة والتفاني من اجل تحقيق النجاح والتفوق تنعكس صحياً على اصحابها ولا يسلم منها الا القليل. ولكن باتباع تعليمات السلامة والمحافظة على نشاط الجسد من خلال التمارين الرياضية الخفيفة، والحرص على توزيع المسؤوليات وعدم اهمال النظام الغذائي، واختيار الاثاث المناسب للمكاتب، يمكن تفادي الغالبية العظمى من تلك الحوادث والاعراض.
ب - المستشفيات والعيادات والمختبرات الطبية: ويتعرض العاملون في هذه المراكز، سواء أكانوا اطباء او ممرضات او فنيين، للاصابة بامراض مختلفة نتيجة احتكاكهم بالمرض والتقاطهم للعدوى. واخطر تلك الامراض على الاطلاق هو مرض متلازمة العوز المناعي البشري المكتسب المعروف بالايدز، ومرض الالتهاب الكبدي المعروف بالهيباتايتس Hepatitis.
وتنتقل هذه الامراض عن طريق انتقال الدم من المريض الى الطبيب او الممرضة او الفني في اثناء عملية سحب الدم للقيام بالفحوصات المخبرية الضرورية، او عن طريق تلوث جروح العاملين بدم المريض وافرازاتهم، ويتعرض اطباء الاسنان والجراحون ايضاً لهذه المخاطر اثناء قيامهم بعملياتهم الجراحية داخل الفم وباقي اعضاء الجسم. الا ان الحوادث الناجمة عن هذه المهن ضئيلة جداً ويمكن تفاديها كلياً لو اتبع العاملون فيها اسس السلامة وارتدوا الملابس والقفازات والنظارات الواقية قبل واثناء قيامهم بأعمالهم، وحافظوا على نظافة وطهارة ايديهم وأجسادهم قبل وبعد قيامهم بتلك المهام.
كما يتعرض العاملون في اقسام الاشعة لخطر اشعة اكس، ولذلك نراهم يقفون وراء حواجز عازلة لتلك الاشعة اثناء قيامهم بعمليات التصوير، كما انهم يرتدون ملابس خاصة تعزل تلك الاشعاعات عنهم، ويطلب منهم حمل بطاقات خاصة لقياس مستوى الاشعاع فوق اجسادهم باستمرار للتأكد من عدم تجاوز نسبة الاشعاع حدود الخطر وللتأكد من عدم تسرب الاشعاع خارج نطاق العمل.
ج - الصناعات البترولية والغازية: ويتعرض العاملون فيها لحوادث مختلفة بسبب الآليات المستخدمة في التنقيب والتصنيع وبسبب المواد الكيميائية والغازية والمذوبات الناتجة عنها. كما ان هناك خطر الحرائق والتلوث البيئي والجسدي وهبوب الغبار الممزوج بالمواد الملوثة. كل هذه امور تتعلق بالسلامة ويمكن تفاديها من خلال تطبيق القواعد الامنية والصحية التي تفرضها تلك المؤسسات على موظفيها. ولقد قامت اغلبية الشركات بتشكيل قسم خاص يهتم بالصحة المهنية لمتابعة امور الفنيين والعاملين والمحافظة على سلامتهم وعلاجهم في حال وقوع اية حوادث طارئة. وتعتبر شركة ارامكو من الشركات الرائدة في هذا المجال. وتشمل الصناعات البترولية والغازية كافة العاملين، من مهندسين واداريين وفنيين وسائقين وكيميائيين وعلماء ومنقبين، ومستخدمي محطات البنزين وكل من يتعرض لاخطار الديزل والمحروقات الاخرى، التي ثبت وجود علاقة بينها وبين سرطان المثانة والالتهابات الرئوية.
د - القوات المسلحة والشرطة ورجال الاطفاء:
وهم الدرع الواقي لأمن البلاد وسلامتها ولكنهم، وللاسف، معرضون اثناء قيامهم بمهامهم وواجباتهم وخلال قيامهم بتدريباتهم القاسية والخطيرة، لاحداث مؤلمة قد تؤدي الى وفاتهم واستشهادهم. فطبيعة المهن التي يقومون بها تتطلب مواجهة الاعداء والمجرمين ومكافحة النيران. وهذه امور صعبة للغاية تتطلب حنكة ودراية وخبرة كبيرة لضمان نجاحها. ومهما كانت الاحتياطات واجراءات السلامة التي يتخذها العاملون في هذا المجال، فانها لا تكفي لحمايتهم تماماً من الاصابة بالجروح او الحروق او الامراض. ومع تطور الصناعات الحربية وظهور الاسلحة الكيماوية الفتاكة والاسلحة البيولوجية والاسلحة النووية والاسلحة الاشعاعية الاخرى، ومع تطور اساليب الاجرام وتوفر الاسلحة للمجرمين والارهابيين، ازدادت المخاطر المهنية بالنسبة للعاملين في هذا المجال وازدادت ضرورة تطبيق تعليمات السلامة واستخدام وسائل الوقاية الفعالة، وارتداء الملابس والاقنعة والخوذات الملائمة لدرء خطر الاعداء والمجرمين ولحماية الجسم من الاصابة بالجروح والحروق الخطيرة، مع توفير العلاج باستمرار وتطويره ليشعر العاملون واسرهم بالطمأنينة والامان. ويتعرض رجال الاطفاء اثناء مكافحتهم للحرائق للمواد الحارقة كالفورملديهايد وكلور الهيدروجين والسيانيد السام وحامض الكبريت وفلور الهيدروجين والاكرولين، والحرارة والضجيج والى متطلبات جسدية هائلة والاضطرار لارتداء الملابس الثقيلة والمزعجة.
يتبين لنا مما تقدم ان الاخطار المهنية والامراض التي يمكن ان تنجم عنها اكبر بكثير من مجرد السرد والتعداد. وهي امر واقع وحقيقة تتطلب وقفة جدية تشرح معالمها وتبين لكل من يعنيهم الامر ان الوقاية وتوفير وسائل الحماية واتخاذ كافة الاحتياطات الضرورية واللازمة وتطبيق اسس السلامة في مواقع العمل، كفيلة بردع الخطر وبعث روح الطمأنينة في قلوب اصحاب المهن والعاملين بكافة فئاتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.