على رغم مضي حوالي 15 شهراً على اعلان المملكة البريطانية إفلاس بنك الاعتماد والتجارة الدولي وإغلاق مركزه الرئيسي في لندن، فان مودعي البنك، فرع الخرطوم، وعددهم يتراوح بين 5 و7 آلاف مودع ينتظرون استرداد ودائعهم التي تبلغ حوالي 17 مليون دولار. وبعد ان بدا ان المشكلة في طريقها الى الحل بعد اعلان البنك المركزي السوداني سداد ديونه للاعتماد البالغة 32 مليون دولار وإعلان لجنة تصفية البنك انها حصّلت اكثر من 97 في المئة من ديون البنك على العملاء، الا ان القضية تأزمت مرة اخرى بعد اعلان البنك المركزي السوداني ان سداد ديونه يرتبط باتصالات سيجريها مع رئاسة بنك الاعتماد في لندن، باعتبار انه استدان منه المبلغ، اي 32 مليون دولار اضافة الى 25 مليون دولار اخرى استدانها من رئاسة بنك الاعتماد في لندن وجزر كيمان. وجاء هذا الاجراء من البنك المركزي السوداني مفاجئاً للمودعين وللجنة التصفية، باعتبار ان البنك المركزي السوداني حاول في بداية ازمة الاعتماد ان يدخل موضوع فرعه بالخرطوم ضمن التصفية الدولية لبنك الاعتماد على افتراض انه سيطالب بسداد جزء بسيط من دينه البالغ 57 مليون دولار، ولكن البنك المركزي تراجع عن هذا الاتجاه فجأة، ربما لأن مصاريف المشاركة في التصفية الدولية كبيرة، وقد تصل الى 5 ملايين دولار، او ربما بسبب التوجيه الذي اصدره الرئيس السوداني عمر البشير بأن تكون تصفية البنك محلية حفاظاً على حقوق المودعين المحليين. ولهذا اعتبرت الخطوة الاخيرة من البنك المركزي السوداني بمثابة تراجع عن التصفية المحلية ومحاولة للاشتراك مجدداً في التصفية العالمية التي تشرف عليها المحاكم البريطانية. ويرى بعض المراقبين ان البنك المركزي السوداني ربما كان يسعى من وراء ذلك الى ادخال ديونه للإعتماد ضمن ديون السودان للبنوك التجارية الدولية البالغة اكثر من 5،2 مليار دولار ليتم تسويقها ضمن ترتيبات متأخرة من خلال نادي لندن للديون، بالاضافة الى ان البنك المركزي قد يحاول ربط الديون ايضاً بتحصيل ديون لعدد من البنوك التجارية السودانية تبلغ حوالي 15 مليون دولار دخلت في التصفية الدولية للاعتماد. وترى لجنة تصفية بنك الاعتماد التي يرأسها المراجع العام السابق لحسابات الحكومة السودانية حسين عبدالرحيم، انه من غير الممكن الربط بين ديون البنك المركزي السوداني لبنك الاعتماد لندنوالخرطوم، وان البنك المركزي اقترض جزءاً من القرض البالغ 57 مليون دولار، أي 32 مليون دولار من الاعتماد - الخرطوم وليس عبره من لندن، كما يقول البنك المركزي. وقالت مصادر اللجنة لپ"الوسط" انها ستطلب من المحكمة اصدار حكم بالزام البنك المركزي السوداني بالسداد. ويبدو الوضع المالي لبنك الاعتماد - الخرطوم، وفق التقرير الذي اعده مبعوث حاكم جزر كيمان، سليماً جداً، وهو يوضح ان جملة التزامات بنك الاعتماد منذ اغلاقه بلغت 251 مليون جنيه سوداني وجملة ارصدته 353 مليوناً، أي بفائض 84 مليون جنيه، تضاف اليها قيمة بيع اصول وممتلكات البنك وفروعه الثلاثة في السودان المقدرة بما لا يقل عن أربعين مليون جنيه ليصبح الفائض 124 مليون جنيه بالعملات المحلية، بينما يبلغ الفائض بالعملات الصعبة حوالي 2،18 مليون دولار، بعد خصم ودائع العملاء البالغة 6،16 مليون دولار وودائع البنك في فروعه في لندن وباريس وجنيف وجزر كيمان البالغة 6 ملايين دولار من جملة الأرصدة البالغة 8،40 مليون دولار. ومن بين ودائع العملاء فان هناك 9 ملايين دولار تخص عدداً من المنظمات الدولية والاقليمية في الخرطوم، منها المصرف العربي للتنمية في افريقيا والهيئة العربية للاستثمار والمركز العربي للتأمينات الاجتماعية واليونيسيف وعدد من المنظمات الطوعية، وقد رفعت بعض هذه المنظمات العربية مذكرة احتجاج الى وزير المالية السودانية عبر وزارة الخارجية تطالب فيها برد ودائعها كاملة استناداً الى قانون مزايا وحصانات منظمة العمل العربية لسنة 1974 الذي ينص على ان اموال هذه المنظمات يجب ان لا تخضع لأية مصادرة او استيلاء بموجب اي قانون محلي. وتقول هذه المنظمات ان انشطتها تجمدت لهذا السبب، ورفعت مذكرة الى المحكمة المختصة التي اصدرت قراراً بإعطاء المنظمات اموالها، ولكن لجنة التصفية قالت انها لن تتمكن في الوقت الحاضر من اعطائها اكثر من 15 او 20 في المئة فقط من ودائعها. ويقول المودعون انهم سيلجأون الى المحكمة المختصة ايضاً لاستصدار حكم بالزام البنك المركزي السوداني بسداد ديونه والتي يكفي نصفها للوفاء بحقوقهم البالغة 17 مليون دولار، باعتبار ان بقية الودائع بالعملة المحلية هي 183 مليون جنيه سوداني وموجودة في حساب مجمد في البنك المركزي السوداني الذي هو لحسن الحظ لا يستطيع بحكم مسؤوليته في طبع النقود ان يعلن افلاسه، وأعلنوا انهم لا يمانعون في استرداد ودائعهم على اقساط وبالمقابل المحلي، بعد ان تضرروا من تأخير السداد، وبينهم عدد من رجال الاعمال توقفت مصانعهم، كما ان السداد بالأقساط يقلل من مخاوف البنك المركزي من ان يؤدي ضخ مبلغ كبير كهذا بالعملة المحلية في الاسواق الى زيادة معدلات التضخم في السودان بشكل عام، وقد اعلن المودعون انهم قرروا التشدد في مطالبتهم بحسم موضوع الاعتماد بعد ان طال امده وقرروا عقد اجتماع عام لهذا الغرض. ويحاول البنك المركزي السوداني، كما يرى بعض المحللين، الحصول على ضمانات من المصفي المحلي والخارجي باعفائه من جزء من ديونه مقابل سداد الباقي فوراً، والتأكيد على ان اية تسوية يتم التوصل اليها ستكون نهائية ولن يتم خرقها، وقد قدمت عروض لشراء فرع بنك الاعتماد - الخرطوم من عدد من البنوك والمؤسسات الخليجية والمحلية ولكن لم تبت لجنة التصفية بعد في هذه العروض، غير ان البنك المركزي السوداني رفض شراء البنك وضمه له، وهو اجراء اذا تم، كفيل بحل مشاكل المودعين الى حين.