أعرف أن شرقاً أوسطياً جديداً يتكون الآن، وأعرف أن قواعد اللعبة قد تغيرت، لكني لا أتقن القواعد. هناك إعادة خلط تاريخية للأوراق، ويا خوفي أن تكون أوراق لعب، فأنا ضد القمار، وأعرف أن كل ما يحدث يجري بسرعة فائقة وأنا ببطء سلحفاة حركة وتفكيراً. لكني وعلى رغم ذلك أشعر أني أمسكت بطرف خيط في محاولة للفهم، طبعاً أخذني بعض الوقت وبعض الدهشة في آن، لاستيعاب ما يجري لأشياء ما كنت مستعدة لتخيلها، فكيف وهي واقع أمامي بحلوها ومرها، وإن كنت أميل للمرارة أكثر من الحلاوة، نظراً لتجارب تاريخي العربي المرير، أخاف لأنني عشت نار المدافع وسددت أذناي عن أزيز الطائرات. خضت تجربة الحرب الأهلية المدمرة في لبنان، والتي مات فيها الآلاف وما زال لبنان يعاني منها. ولأنني تألمت لدارفور وبكيت لغزة، وما زالت بغداد العراق وجع في خاصرتي، وإذ بي اليوم أفاجأ بتونس وليبيا واليمن. أفاجأ لأني خائفة من أي تغيير ولو كان تغيير جواربي، إن لم أضمن أنه إلى الأفضل، أحلف وأقسم أنني ضد الطغاة وضد الاستبداد، ولكني وللأسف الشديد ضد التخلف وتكرار الاستغلال، فقد عشت الأسوأ، وشاهدت خراباً لم يبقِ على أي نزر ولو يسير من البناء، بل كان نذراً من الخراب والدمار والوقوف على أبواب السفارات والهروب في المراكب والنوم على أرصفة الطرقات. إنما دعني أكذب على نفسي أو عليك وأدعي التفاؤل، غصباً عني سأتفاءل وأقول: هذا ماضٍ خاص بي فقط أنا المعقدة! فدع الجيل الجديد يعيش تجربته ويتحرر من مخاوفي القديمة. لكني أتساءل: هل تم تجاوز الانتماءات الضيقة كالقبلية والطائفية والمذهبية ليحلم كل منا بالوطن المبتغى؟ هل اعتمدنا خطوات جذرية وإيجابية للتوصل إلى أبسط أنواع الحوار والتفاهم والمفاهيم؟ وهل سيكون المستقبل وردياً كما يقولون، أم أن كل واحد ما زال يود أن يفصِّل له وطناً على مقاس عائلته وقبيلته ومذهبه؟ كيف يكون لنا وطن وأهم مكونات الوطن الأمن والاستقرار والانسجام في وحدة واحدة واعدة؟ من هذا المنطلق على السؤال أن يتغير إلى: من أنا؟ من نحن؟ وفي أي حال نحن؟ وإلى أين نسير؟ وإذا كنت مقتنعة الآن أكثر من أي وقت مضى أن التغيير آتٍ لا محال، فكيف التعامل معه؟ المواطنة هي ببساطة شديدة حب الوطن والغيرة عليه والانتماء إليه بكل من فيه وما فيه، ومن دون المواطنة وترسيخها في أعماقك، لا وطن لك، وبناء عليه يتوجب التعديل في السلوك واحترام حق المواطنة، وأشدّد هنا على الذكر أو الأنثى، فمحال أيضاً أن تتحقق العدالة الاجتماعية إن لم تعطَ المرأة حقها. فأي ربيع هذا وزهراته لا تسمد ولا تروى؟ وأقول قولي هذا مع كل تمنياتي أن يكون ربيعاً وردياً بزهراته، ليس لأن المرأة هي الأم والمربية فحسب بل لأن سلبها حقوقها أمر مهين وشأن معيب جداً ومن دونها لا ربيع ولا خريف ولا كل أيام السنة. [email protected]