تناول الكثير من الكتّاب والكاتبات المسلسل التركي"نور"الذي حظي بالإعجاب من المشاهدين والمشاهدات في المملكة، والمسألة بالنسبة لي"موضة"في موجة الكتابة في هذا الموضوع بقدر ما هي الضرورة الملحة التي تدعو إلى ظهور القضية الهاربة من أطروحاتنا ومرثياتنا، وتسليط الضوء عليها ووضعها في مجهر الحوار للنقاش الهادف المؤدي إلى الحلول الواقية من مسالك العزلة الإنسانية بين الذكور والإناث في مجتمعنا. يرى البعض أن النساء في ركضهن خلف هذا المسلسل، فارغات وحالمات ومهووسات بالجمال الذي يتمتع به بطل المسلسل، بينما الأمر يبتعد عن هذا المنحنى، قياساً بحجم المعاناة التي تكابدها المرأة في تعاملها الواقعي من زوجها، وما تراه من تعامل على الشاشة فيه الكثير من الاحتمال لأن يكون واقعاً ملموساً بين الطرفين إذا ما أعطيت المشاعر الكامنة خلف الجفاف العاطفي مساحتها الفطرية الطبيعية. إن ثقافة العيب في مجتمعنا قتلت انسيابية المشاعر الوجدانية في أرواح الأزواج الذين حجبوا قلوبهم في بوتقة السلطة الذكورية المحاطة بسياح التبجيل والتعظيم وطبع صورة الرجل القائد المتسلط الذي لا يجوز تبسطه ولا يسمح لمشاعره بالتجلي خوفاً من التمرد عليه، وخشية من ظهور نقاط العاطفة التي قد تجعله مهزوزاً وضعيفاً من وجهة نظره، ما يسلبه الكثير من الامتيازات التي يتمتع بها كرجل، وهذه الهواجس هي الحواجز الحقيقية القابضة على جدار الحدود المصطنعة من عادات المجتمع ومن تراث القبيلة، ومن ترسبات نفسية، رسمها العقل الباطن حتى أصبح الرجل مقيداً تحت وطأتها القاسية في سلوكه وتعامله مع زوجته! إن مسألة الفصل والتفريق بين الذكور والإناث في المجتمع، وعدم التواصل الطبيعي بين الجنسين كجزأين مكملين لبعضهما البعض، أدى إلى النفور والخيبة في علاقات الزواج والارتباط، والإحباط في زيجات إجبارية اختيارية من طرف الأسرة، ليس للزوجين فيها أي رأي أو حق في الاختيار، أسهم وبشكل كبير في انحسار المشاعر وبرودها وانكماش الحرارة الفطرية في قوة العلاقة العاطفية بين الأزواج في مجتمعنا. النساء لسن غبيات ولا مغفلات ولا حمقاوات، كما يحلو لبعض الكتّاب إلصاق هذه الصفات بهن، ليضفي على مقاله الأهمية ويعطي لنفسه حق الحكم في مصادرة إنسانيتهن التي هي بيت القصيد في كل القضايا المتعلقة بالمرأة، وهذا ما سمعته من إجابات مجموعة من النساء، سألتهن عن سبب هوسهن بالمسلسل"نور"وقلن لي بالحرف الواحد، نحن نفتقد هذه المشاعر، وهذا التعامل من رجالنا، لذلك فنحن نجد في هذا المسلسل نافذة ربما نروي فيها بعض العطش لأمل مفقود في حياتنا سببه رجالنا الذين غابت عنهم إنسانيتنا وفطرتنا، ولا تكتمل رجولتهم إلا بالشطح والنطح، والأمر والوعيد والتهديد والشك والريبة، وربما الضرب والرفس والركل على أتفه الأسباب وأصغر الخلافات! لا تلوموا النساء فهن يشاهدن رغباتهن المكبوتة خلف قضبان الواقع الذي يعشنه، وخلف مقابض القسوة التي كست ملامحهن المتعبة، بالأمل والصبر، فوجدن متسعاً في مسلسل من أحلامهن الضائعة المكتسبة من الميراث الثقيل للتصحر الوجداني الذي أنهك الحياة الجميلة والممكنة، لو أن الرجل تخلى عن وجهه المكفهر بالصلادة والرعونة والبلادة في أشياء يراها من وجهة نظهره من أحقر الأمور بينما هي جوهر الحياة للمرأة. المرأة لا تحتاج طعاماً وشراباً وملبساً يراه الرجل غاية حقوقها، بل ويأخذ بعضهم الغرور فيَمُن عليها به متفضلاً ومنعماً وفارساً نثر عليها بأنعمه الكثيرة، متناسياً أنها بشر مكرم مثله، تحتاج للفضاء المعنوي مشاركة وتبادلاً، وتعشق التقدير والاحترام، غاية وفطرة. فإن كان هنالك من لوم فصبوه على قلوبكم المكبلة بالقسوة، وضمائركم المستخفة بالمشاعر الرقيقة التي تذيب الجليد وتصنع ما لا يصنعه العنف والتسلط! [email protected]