للمرة الثانية على التوالي النقد الدولي يرفع توقعاته لآفاق الاقتصاد السعودي ليصبح الثاني عالمياً لعام 2025    الصحة العالمية توافق على لقاح ضد الكوليرا لمواجهة النقص العالمي    طقس اليوم: فرصة لهطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    البنك الدولي: المملكة مركزاً لنشر الإصلاحات الاقتصادية    إعفاء "الأهليات" من الحدّ الأدنى للحافلات    إخلاء طبي لمواطنة من كوسوفا    ماني: إهدار ركلة الجزاء لم يزعجني.. وهذا سر الفوز    الحزم يتعاقد مع المدرب صالح المحمدي    حمدالله: تجاوزت موقف المُشجع.. وصفقات الهلال الأفضل    بن دليم الرحيل المُر    الأمطار تكسو عسير والباحة "حلة خضراء"    بوابة الدرعية تستقبل يوم التراث بفعاليات متنوعة    نجران.. المحطة العاشرة لجولة أطباق المملكة    الجدعان: الاقتصاد العالمي يتجه لهبوط سلِس    "الأمر بالمعروف" في أبها تواصل نشر مضامين حملة "اعتناء"    محافظ جدة يواسي آل السعدي في فقيدتهم    «أمانة المدينة» تعلن عن توفر عدد من الوظائف‬ للرجال والنساء    أسرتا باهبري وباحمدين تتلقيان التعازي في فقيدتهما    الخريجي يلتقي نائب وزير الخارجية الكولومبي    رئيس "الغذاء والدواء" يلتقي شركات الأغذية السنغافورية    حرس الحدود ينقذ مواطنًا خليجيًا فُقد في صحراء الربع الخالي    الرياض: الجهات الأمنية تباشر واقعة اعتداء شخصين على آخر داخل مركبته    الوحدة يحسم لقب الدوري السعودي للدرجة الأولى للناشئين    أرمينيا تتنازل عن أراضٍ حدودية في صفقة كبيرة مع أذربيجان    تجمع مكة المكرمة الصحي يحقق انجاز سعودي عالمي في معرض جنيف الدولي للاختراعات 2024    سلام أحادي    اختيار هيئة المحلفين في المحاكمة التاريخية لترامب    حائل.. المنطقة السعودية الأولى في تطعيمات الإنفلونزا الموسمية    وفاة الممثل المصري صلاح السعدني    المرور بالشمالية يضبط قائد مركبة ظهر في محتوى مرئي يرتكب مخالفة التفحيط    نوادر الطيور    التعريف بإكسبو الرياض ومنصات التعليم الإلكتروني السعودية في معرض تونس للكتاب    أمير عسير يتفقد مراكز وقرى شمال أبها ويلتقي بأهالي قرية آل الشاعر ببلحمّر    مدرب الفيحاء: ساديو ماني سر فوز النصر    موعد مباراة السعودية والعراق في كأس آسيا تحت 23 عامًا    الرمز اللغوي في رواية أنثى العنكبوت    المملكة ضمن أوائل دول العالم في تطوير إستراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي وفقًا لمؤشر ستانفورد الدولي 2024    بطاقة معايدة أدبية    وزارة الخارجية تعرب عن أسف المملكة لفشل مجلس الأمن الدولي    ضيوف الرحمن يخدمهم كل الوطن    إخلاص العبادة لله تشرح الصدور    أفضل أدوية القلوب القاسية كثرة ذكر الله    السديري يفتتح الجناح السعودي المشارك في معرض جنيف الدولي للاختراعات 49    اكتشاف خندق وسور بجدة يعود تاريخهما إلى القرن 12 و13 الهجري    مساعد وزير الدفاع يزور باكستان ويلتقي عددًا من المسؤولين    كلوب: ليفربول يحتاج لإظهار أنه يريد الفوز أكثر من فولهام    "أبل" تسحب واتساب وثريدز من الصين    بينالي البندقية يعزز التبادل الثقافي بين المملكة وإيطاليا    التلفزيون الإيراني: منشآت أصفهان «آمنة تماماً».. والمنشآت النووية لم تتضرر    توقعات الأمطار تمتد إلى 6 مناطق    فوائد بذور البطيخ الصحية    السودان.. وخيار الشجعان    تخلَّص من الاكتئاب والنسيان بالروائح الجميلة    غاز الضحك !    أمير الباحة: القيادة حريصة على تنفيذ مشروعات ترفع مستوى الخدمات    محافظ جدة يشيد بالخطط الأمنية    أمير منطقة الرياض يرعى الحفل الختامي لمبادرة "أخذ الفتوى من مصادرها المعتمدة"    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على محمد بن معمر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دعا وزير العدل لفتح باب الابتعاث للقضاة - يدين بالفضل لتجربة سجنه - تألم لعدم ترافعه في "قضية الحريصي" . عبدالرحمن اللاحم : نجحت في إثبات أن "الهيئة" ليست فوق القانون
نشر في الحياة يوم 15 - 04 - 2008

حين وجد نفسه أنه لا يصلح موظفاً في"الحكومة"، اتجه إلى دراسة القانون وأصبح مأسوراً به، ربط نفسه بالدفاع عن قيم معينة وليس عن قضايا معينة، همّه كمحام"شرعنة"بعض الممارسات التي تتصادم مع حقوق الإنسان. يخبرنا المحامي عبدالرحمن اللاحم أنه"مسكون بالأمل"طالما ان هناك حراكاً تشهده الدولة، وطالما ان رمز الدولة الأول يقول:"نصون حريتنا ونحدّد معالمها ونقول للعالم هذه قيمنا ومكارم أخلاقنا التي نستمدها من ديننا".
ويرى اللاحم أن الطريق شاق ويحتاج إلى بذل الكثير، ويضيف في حواره مع"الحياة":"إن المحامي هو خير عون للقاضي، وعلى من يحترف المهنة أن يعرف أنه سيصطدم بعوائق كبيرة، والشجاعة مطلب مهم ليأخذوا زمام المبادرة والانطلاق إلى فضاءات أرحب، لتبقى هذه المساهمات أقل ما يقدمه المحامي لوطنه"... فإلى التفاصيل:
هل أسهمت نشأتك في اتجاهك نحو فلك القانون؟
- القانون كمفردة وقيمة هو أمر طارئ وجديد على ثقافتنا المحلية، فالثقافة القانونية غائبة تماماً عن نسيجنا الثقافي المحلي، لذا لم يكن القانون - كتخصص - حاضراً لديّ أثناء دراستي على الإطلاق، خصوصاً أن مفردة"القانون"لُوثّت من قبل البعض، وأصبحت مرادفة للتحلل من الشريعة وإحلال القانون الوضعي بدل التشريعات الإسلامية، إلا أنه وبعد انتهاء دراستي الجامعية في كلية الشريعة اقترح عليّ بعض الأقرباء في معهد الإدارة دراسة القانون فما أن ولجت بوابته حتى أصبحت مأسوراً بذلك العالم الجديد الغامض بالنسبة إلي وهو القانون، عندها فقط وجدت ذاتي الغائبة.
لماذا اخترت أن تكون محامياً، ولم تختر أن تكون قاضياً أو مدعياً؟
- وظيفة القاضي والمدعي العام تكون بالاختيار وتكتنفها إجراءات معقدة، وعموماً أنا لا أطيق الوظيفة العامة وأعتبر نفسي موظفاً فاشلاً.
عملتَ في التدريس لفترة قصيرة... هل كان التدريس محطة عبور؟
- عملت في التدريس سنتين ولم أجد نفسي إطلاقاً في هذه المهنة، فقدمت استقالتي فور صدور قرار قبولي في معهد الإدارة، وعدت من جديد إلى مقاعد الدراسة تاركاً خلفي عائداً مادياً مجزياً في بداية شح الوظائف التعليمية، وتركت التعليم لأشخاص آخرين قد يكونون أقدر مني على حمل تلك الرسالة السامية.
كليات الشريعة والقانون لدينا... هل هي مؤهلة لتخريج المحامين؟
- أعتقد أن كلتا الكليتين تحتاج إلى إعادة نظر في مناهجها بالشكل الذي يتوافق مع طبيعة عمل الوظائف القضائية، سواءً كانوا قضاة ام محامين ام مدعين عامين، فعلى سبيل المثال إن كليات الشريعة هي المؤسسة الأكاديمية المتخصصة في تخريج القضاة، ومع هذا ما زالت مناهجها بعيدة كل البعد عن الطبيعة القضائية والقانونية التي يفترض ان تحكم عمل القاضي، فالطالب يتخرج بعد أربع سنوات من دون أن يدرس مادة قانونية واحدة ولا يطلع على القوانين التي يفترض أن يطبقها أثناء عمله في المحاكم، لذا نرى ضعفاً في تأهيل القضاة والمحامين، لأنهم لم يتلقوا تدريساً متخصصاً في كليات متخصصة، فلا يمكن لطبيب درس مناهج كلية الهندسة أن يجري جراحة، وعلى رغم تلك المسلمة من الابجديات العقلية، إلا أن هناك من يصر على بقاء المناهج الحالية لكلية الشريعة ويستميت في الدفاع عنها من دون أن يعي أن الأمور قد تغيّرت وأن القضاء أصبح في عالمنا اليوم أكثر تعقيداً مما مضى، إذ كان الشيخ في السابق يجلس للناس في المسجد ويحكم بينهم في قضاياهم البسيطة وينتهي الأمر بكل بساطة، أما اليوم فهناك مدارس قضائية ونظريات قانونية ومعايير عالمية في إدارة الخصومة لا يمكن لمنهاج كلياتنا أن يستوعبه.
وأعتقد انه آن الأوان ان تُنشأ كليات حقوق متخصصة في تخريج موظفي المؤسسات العدلية، فنحن نعيش ثورة تشريعية ولا بد من أن يواكبها تطور في المؤسسات الأكاديمية بحيث تستطيع تخريج أفراد قادرين على إدارة العمل القضائي بشكل محترف وفق المعايير الدولية المتعارف عليها.
لماذا يكون تخريج القضاة حكراً على جامعة"الإمام"فقط؟
- لأن نظام القضاة ينص على هذا، مع أنه من الضروري باعتقادي إيجاد كليات متخصصة ذات مناهج شرعية وقانونية، حتى يمكن تهيئة رجال القضاء من الناحية العلمية والعملية بشكل يتواءم والايقاع الإصلاحي.
كيف هي مكانة المحامي في المجتمع؟
- في الآونة الأخيرة بدأ المجتمع يعي دور المحامي وأهميته مع أن مهنة المحاماة ما زالت تفتقر إلى روح الاحترافية في إدارة الخصومة وتفتقر في الوقت نفسه إلى مظلة تنظيمية تجمع المنخرطين فيها، من أجل إدارة شؤونهم وتطوير مهنتهم بعيداً عن وزارة العدل التي يفترض أن يقتصر دورها فقط في الإشراف والنواحي التنظيمية أسوة ببقية الدول لضمان استقلال المحامي وممارسة عمله وفق القيم والمبادئ المهنية.
الهوة بين المحامي والقاضي
في ظل الهوة الحالية بين المحامي والقاضي، هل يحيط بك اليأس؟ أم أن هناك بارقة أمل؟
- هناك شريحة واسعة من القضاة خصوصاً من الأجيال الشابة بدأت تعي دور المحامي وتتعامل معه وفق الأسس المهنية وتسهل دوره وإن كان هناك من القضاة من لا يزال يحتفظ بالنظرة الكلاسيكية للمحامي، وأنه إنما يريد قلب العدالة لكن إزالة تلك النظرة تقع بالدرجة الأولى على عاتق المحامين أنفسهم، وذلك بالالتزام بالمعايير المهنية حتى وإن كانت مكلفة في بعض الأحيان، لكن لابد من أن يسهم هذا الجيل من المحامين في تطوير المهنة حتى تسلم للجيل الآخر وقد اختطت طريقها بثبات.
أما عن اليأس فشخصياً لم يتسلل إليّ اليأس يوماً حتى في أحلك الظروف ودائماً ما كنت مسكوناً بالأمل، خصوصاً في أجواء الحراك التي تشهدها الدولة في هذه الفترة على كل الأصعدة، فهناك على المستوى التشريعي خطوات إيجابية من خلال تشريعات غير تقليدية وجريئة، والأمر نفسه على المستوى الثقافي والإعلامي، وهناك مؤشرات حقيقية نحو انبثاق أجيال جديدة متحررة من العقد الثقافية التي أسرت الأجيال السابقة، لذا هناك بوارق أمل تضيء مستقبل هذا البلد حتى وإن نعق المتشائمون.
ولا يمكننا أن نيأس ونحن نسمع هرم الدولة ورمزها يقول وبكل شفافية وأمام أعضاء مجلس الشورى: إنه بالحرية نصون حريتنا ونحدد معالمها ونقول للعالم هذه قيمنا وتلك مكارم أخلاقنا التي نستمدها من ديننا، هكذا قال الملك عبدالله بن عبدالعزيز مشرعاً الأبواب للنقد الهادف، وأنه يمارسه على ذاته لحد الإرهاق، فكيف بنا أن نيأس ونحن نرى تباشير غدٍ، هذه معالمه؟
مؤهلات القضاة هل هي كافية لتولي المنصب؟ وهل هناك نية للتطوير بتجديد التصاريح لهم كما يحدث مع الأطباء مثلاً؟
- كما أسلفت فإن كليات الشريعة التي تخرج القضاة ما زالت بعيدة عن إيقاع التطور والتجديد، وباعتقادي هي بحاجة إلى جراحات جريئة إذا ما أردنا أن نطور مرفق القضاء، فهناك نصوص قانونية تحكم المرفق القضائي.
ما المفقود في نظام القضاء؟
- إصلاح بعض القضاء من وجهة نظري يرتكز على ثلاثة محاور أساسية المحور الأول نص قانوني جيد، والثاني عقليات قضائية غير تقليدية، والأخير رقابة صارمة، فنجد أنه في ما يتعلق بالنصوص القانونية التي تحكم المرفق القضائي، فلدينا نص جيد من خلال النظام القضائي الجديد، الذي أعتقد أنه نقلة في التشريعات السعودية، فهو هيئ الوعاء القضائي وأنشأ الهيكلية القضائية بشكل يتواءم مع المعايير المتعارف عليها عالمياً في هذا الشأن، أما في ما يتعلق بالعقليات القضائية، فما زلنا بحاجة إلى قامات قضائية من المؤسسة القضائية ذاتها تستشعر المسؤولية وتسهم في دفع عملية الإصلاح في هذا المرفق المهم وإن كانت هناك نماذج قضائية مشرقة رأيناها وقرأنا لها، إلا أنها ما زالت تعتبر الاستثناء على القاعدة لا أصلها، أما الرقابة على القضاة فما زالت ضعيفة ولا ترقى إلى خطورة الوظيفة التي يؤديها القضاة وقد يكون من الأسباب قلة أعداد المفتشين القضائيين، كما نسمع دائماً لكن يبقى هذا سبباً لكن ليس بالضرورة أن يكون سبباً وجيهاً.
هل ما يحدث داخل محاكمنا يحدث في كل بلدان العالم؟
- إذا تحدثنا عن الأمراض العامة فكل الشعوب تشترك فيها، فهناك الفساد والمحسوبية إلى آخر تلك الأمراض، ولا يمكن أن يدعي أحد النزاهة منها بالكامل، لكن المؤمل أن تكون هناك رقابة صارمة وعقوبات رادعة لكل من يجير دور العدل إلى أماكن تنتهك فيها الحقوق وتسلب فيها الحريات، إلا أن من الأشياء التي قد تكون شائعة هو التنكر للنصوص القانونية وعدم إعمالها فما زال بعضهم يدير الخصومة القضائية بعقلية التشريعي السائد قبل سنوات عدة من دون أن يعي أن هناك تشريعات صدرت عن الدولة ويجب الالتزام بها وأن تطبيقها ليس خياراً للقاضي وإنما واجب بحكم أنها صادرة عن الجهات التشريعية في الدولة، وأن دور القاضي ينحصر في تطبيق النص القانوني لا خلقه ويكون اجتهاده فقط في المساحات التي أعطاه المشرع حرية الحركة فيها.
الدفاع عن قضايا معينة
الخصوصية في مجتمعنا تكبل حتى نظامنا القضائي... لماذا؟
- هناك من يجعل الشريعة الإسلامية فزاعة يحاول أن يعرقل باسمها أي حراك نحو العصرنة والانفتاح والأمر نفسه ينطبق على المؤسسات القضائية فهناك شريحة ما زالت تسوق للناس أن الاندفاع نحو التقنين إنما هو تحييد للشريعة وأن هناك خصوصية مزعومة لا أدري من أين جاءوا بها وباعتقادي أن دعاوى الخصوصية ما هي إلا أوهام يحاول بعضهم تمرير تعنته الفكري من خلالها ويخيف الناس من أي انفتاح بدعوى الخصوصية المزعومة، فقيم العدالة على سبيل المثال، هي قيم محايدة لا لون لها اجتمعت عليها الشعوب والثقافات كافة منذ فجر التاريخ وبالتالي هي احدى القيم الكبرى في الشريعة الإسلامية وأن أية وسيلة يتحقق فيها العدل فهي تندرج تحت مقاصد الشريعة حتى وإن كانت نابعة من ثقافة أخرى وكانت ممارستها لا تخلف نصاً قطعي الثبوت قطعي الدلالة، إذا لا يمكن الحديث عن الخصوصية في مثل هذه المجالات.
لكن وللأسف أصبح الأمر جله محكوماً باجتهادات شخصية في زمن أصبح الكثيرون يسربلون الفتوى بقداسة تفوق قداسة النص ذاته.
اللاحم والمرأة وهيئة الأمر بالمعروف السر في ارتباطك بالدفاع عن قضايا معينة؟
- انا لم أربط نفسي بالدفاع عن قضايا معينة وإنما ربطت نفسي بالدفاع عن قيم معينة فخلف كل قضية إعلامية توليت الدفاع فيها مبدأ كنت أستهدف ترسيخه لدى المجتمع، سواء أكان حرية التعبير أم مجابهة العنصرية أم سيادة القانون، لأني أعتقد أن التغيير من خلال مثل تلك القضايا له أثر اجتماعي قد يفوق مئات المحاضرات والندوات والمقالات وهذا ما لمسته بنفسي من خلال أحاديث الناس في المجالس، التي بدأت تتحدث بمفردات وتناقش قضايا لم تكن داخلة في قاموس أحاديثنا الاجتماعية فإن مثل القضية التي رفعناها ضد جهاز"الهيئة"، إضافة إلى أنه أوصل رسالة للناس ألا أحد فوق القانون فإننا استهدفنا بالدرجة الأولى مساعدة"الهيئة"نفسها على إصلاح أخطائها، ولمسنا أهمية هذه الدعوى في الجلسة الأخيرة عندما تقدم ممثل"الهيئة"بمذكرة جوابية على لائحة الدعوى ورأينا تطوراً واضحاً في طريقة التعاطي مع هذه النوعية من القضايا وكيفية استخدام النصوص والنظريات القانونية والقضائية، عندها شعرت بأننا حققنا نجاحاً كبيراً بغض النظر عن نتيجة الدعوى النهائية.
وانطلاقاً من هذا فسأستمر في مساعدة الأخوة في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في آليات عملهم من خلال تحريك مثل هذه القضايا.
يرى البعض أنك تصر على الدفاع عن المظلومين الليبراليين، هل هي وسيلة لنشر الليبرالية في المجتمع السعودي المحافظ... أم شيء آخر تصبو إليه؟
- الأشخاص الذين ترافعت عنهم كانوا من أواسط الناس ولم يكونوا ممن يذكر لهم او يحسبوا على مدرسة فكرية بعينها، فلست أتحيز لغير العدل ومحاولة رفع الظلم وتجذير قيم العدالة.
قوانيننا والاتفاقات الدولية
ما مدى انسجام الأنظمة والقوانين في المملكة مع الاتفاقات الدولية التي وقعتها؟
- من الثابت في قواعد القانون الدولي أن الاتفاق الدولي متى ما وقعت عليه دولة ما فإن نصوصه تكون بمثابة النصوص القانونية المحلية، حتى أن بعض فقهاء القانون الدولي يرون أنه اذا حصل تعارض ما بين نص قانوني داخلي ونص آخر دولي فإن النص الدولي هو المقدم في هذه الحالة ومن المعلوم أن المملكة وقعت بعض الاتفاقات الدولية وهناك خطى حثيثة للعمل على توأمة النصوص الداخلية مع نصوص تلك الاتفاقات، إلا أن هناك بعض التعارض، فعلى سبيل المثال نجد أن منع المرأة من قيادة السيارة يخالف نصوص اتفاق التمييز ضد المرأة ويقيد حق المرأة في التنقل ومع هذا نجد المرأة تمنع من ممارسة ذلك الحق بحجة أن هناك نصوصاً قانونية تمنعها، مع أنه لا يوجد من الناحية القانونية ما يحول بين المرأة واستخراج رخصة قيادة بل أن التكييف القانوني السليم بناءً على الاتفاق الدولي المذكور يوجب على الجهات المختصة منحها رخصة قيادة وتمكينها من قيادة سيارتها بنفسها متى ما أرادت ذلك، وأن أية ممانعة إنما هي مخالفة لنصوص الاتفاق، وعلى هذا المثال يمكن أن نقيس في مجالات عدة، إلا أن القضاء بمؤسساته المختلفة هو الذي يفترض أن يفعل تلك الاتفاقات ويطبقها، لأنه المعني المباشر بنصوصها.
تقنين الأحكام والقضاء، لماذا يجده البعض مساساً بالثوابت الكلية في الشريعة؟
- لأسباب عدة أولها أن هناك من يعتقد أن التقنين انما هو مساس بسلطة القاضي المطلقة، فهناك شريحة كبيرة لا تريد المساس بتلك السلطة أو الانتقاص منها، وثاني تلك الاسباب أن مصطلح التقنين تم تلويثه قصداً من الممانعين للتقنين، فجعلوه في موازاة تنحية الشريعة والحكم بغير ما أنزل الله، وهذه طبيعة بعض المتشددين لآرائهم يلجأون إلى ابتكار قالب ذهني يحاولون تسويقه للناس، وبالتالي يخشون من الخوض فيه لأنهم صوروه على أنه كفر بالله، وبدأت تلك الفكرة تتناقلها الأجيال من دون وعي، حتى تسمم المصطلح نفسه، وأصبح أيقونة للصراع بين الفرقاء، والخاسر في النهاية العدالة بمضامينها المجردة.
تتشابه القضايا وتختلف الأحكام... هنا مَنْ الضحية؟
- الضحية في نظري هي العدالة، فمن أبجديات القيم الحقوقية أن الناس سواسية أمام القانون، فكيف يمكن الحديث عن مساواة أمام القانون في ظل هذا التفاوت في الأحكام على الوقائع ذاتها والأسباب ذاتها.
نقد المؤسسة الدينية
يحاول اللاحم نقد المؤسسة الدينية بآلية دينية أيضاً، هل ترى أنها طريقة مثمرة؟
- بشكل عام أنا غير معني بالصراعات الفكرية المجردة، وإن كنت أدخل بها أحياناً، وإنما الذي يعنيني هو محاولة شرعنة بعض الممارسات التي تتصادم مع حقوق الإنسان وقيمها السامية، فهناك من رجال الدين من يتحدث في الصباح عن أسبقية الإسلام لمفاهيم حقوق الإنسان لكنه لا يجد غضاضة أن يكفر مثقفاً أو مفكراً في المساء.
لذا أعتقد أنه من المفيد مناقشة أصحاب هذا الفكر بمنطلقاتهم الفكرية ذاتها، وهذا لا يمنع أن المبادئ الحقوقية أصبحت ذات صبغة عالمية، لا يمكن أن تعارض بفتوى من شيخ مهما كان حجمه ومكانته.
هناك من يقاومك بضراوة... هل يصيبك هذا الأمر بالإحباط؟
- إطلاقاً فعلى رغم قسوة المعارك التي يشنها البعض في القضايا التي توليت الترافع فيها إلا أنها تعطيني دافعاً للمواصلة والمواجهة بثقة أنها إرهاصات التغيير، ولن يقف في وجهه صراخ المؤدلجين، هكذا علمنا التاريخ.
مشروع نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية المقترح من مجلس الشورى هل يمنحنا التفاؤل؟
- من وجهة نظري، أنه من خلال نصوصه المنشورة يدعو إلى التفاؤل، فهو لبّى الحد الأدنى لعمل جمعيات المؤسسات المدنية وهيأ بنية قانونية للتحرك المدني وفق نصوص قانونية أعتقد أنها جيدة، ومتى ما أُقر من المؤسسة التشريعية، فإن الكرة أصبحت في ميدان نشطاء المجتمع المدني من أجل خلق مفاهيم جديدة للعمل التطوعي بخلاف الأفكار التقليدية السائدة.
ديوان المظالم هل هو أكثر الجهات القضائية تطوراً؟
- ديوان المظالم يتطور بشكل كبير جداً، وهو يمثل بارقة أمل بخلق مؤسسات قضائية حديثة، خصوصاً في ظل قياداته الجديدة، إذ بدأ المتعاملون مع"الديوان"يلمسون التحولات الإيجابية، سواءً من خلال التنظيم أو من خلال إدارة الخصومة، ونأمل بالفعل بأن تتسارع الخطى في تطوير وتحديث هذا المرفق من أجل إيجاد مرفق قضائي مشرف.
وزارة العدل ومجلس القضاء
كيف تقرأ الاتفاق والاختلاف بين وزارة العدل ومجلس القضاء الاعلى؟
- في النظام السابق كانت هناك تقاطعات بين المؤسستين في الصلاحيات إلا أن النظام الجديد حدد الصلاحيات، وأعاد كثيراً من الأمور إلى نصابها، فكل ما يتعلق بالقضاء من الناحية الفنية والتعامل مع القضاة أُوكل إلى المجلس الأعلى للقضاء، وهو الأمر المفترض من أجل تعزيز استقلال القضاء، ويبقى دور وزارة العدل في النواحي الإدارية الصرفة.
حدود ولاية القاضي تنتهي صلاحيتها بقرار ولي الأمر... هل يكون لولي الأمر الصلاحية في كل الأحكام؟
- النظام الأساسي للحكم ونظام القضاء نص على أن القضاة مستقلون، إلا أن لولي الأمر إعمال صلاحياته التي منحتها إياه الشريعة في ما يتعلق بالتعازير دون غيرها.
هل ما تراه في أروقة المحاكم يقر بأن المرأة عندنا جوهرة مصونة؟
- للاسف فإن المرأة تجد صعوبة في إدارة قضيتها بنفسها، وتضطر في أكثر الحالات إلى توكيل محام أو وكيل ينوب عنها، والمصيبة أنه ليست كل امرأة قادرة على تحمل أتعاب المحامين، وبالتالي لا تستطيع التعامل مع الإجراءات البيروقراطية في انتزاع حقها أو حتى في تنفيذ حكم قضائي في يدها، وذلك للوضع الاجتماعي السائد المعوق لتحرك المرأة، في ظل غياب الكوادر النسائية في المؤسسات القضائية والأمنية التي تحتاج المرأة للتعامل معها من أجل المطالبة بحقها أو حتى دفع الضرر والأذى عن نفسها، لذا فإن وجود أطقم نسائية في تلك المؤسسات أمر ملحّ في هذه المرحلة.
الطالبات يدرسن القانون هل هناك رؤية واضحة لمستقبلهن؟
نظام المحاماة الصادر عن المؤسسة التشريعية لا ينص على منع المرأة من تولي المحاماة ومنحها ترخيصاً لذلك، وإن كان اجتهاد وزارة العدل توصل إلى منعهن، لكن المشرع لم يحدد من الشروط أن يكون المتقدم رجلاً وإنما جاء بصيغة عامة تدخل فيها المرأة مع الرجل، ومن الضروري الآن فتح المجال للسيدات للعمل في المجال القانوني لتقديم الخدمات القانونية والقضائية لبنات جنسهن ولغيرهن، لفتح آفاق أوسع أمام المرأة في مجالات العمل، ولإعطائهن حقهن في الحصول على فرص متكافئة.
قضية عدم تكافؤ النسب وبوجود أطفال تبقى كالعار في الجبين... خصوصاً أن الأمر واضح كالشمس شرعياً... من يرضى هذا الحكم؟
- قضية التكافؤ في النسب هي انموذج لطريقة تعاطي بعض العقليات التقليدية مع النص، فالمسألة يحكمها نص قانوني في اتفاق دولي وقبله يحكمها مبدأ شرعي راسخ، ومع هذا تطرح كل تلك النصوص وكأننا لا نملك القدرة على إيجاد التشريعات التي تلائمنا وتوائم عصرنا وعالمنا.
ومازلت أعتقد أنه ليس منطقياً الاجتهاد مع وجود نص قانوني، فما دامت الدولة صادقت على اتفاق التمييز العنصري فإنه يجب على القاضي أن يطبق نصوص الاتفاق بغض النظر عن أي اعتبارات اخرى.
كيف يرى اللاحم نفسه بعد الحرب التي دارت رحاها في الصحف والتلفزيون ومنتديات الإنترنت في قضية فتاة القطيف؟
- مرتاح الضمير.
سجنت وأنت محام مع موكليك ماذا منحك هذا الأمر؟
- منحني تجربة ونضجاً وفرصة لاختيار الطريق الصحيح الذي يتوافق وتكويني العلمي وقدرتي الذهنية.
القضاة والابتعاث
لو كنت مستشاراً لوزير العدل بماذا ستنصحه؟
- بأن يفتح باب الابتعاث للقضاة على مصراعيه، وأن يطلق برنامجاً مكثفاً للتطوير والتأهيل، وأن يطلق جمعية للمحامين تجمع شعثهم بحيث ترحل كل اختصاصات إدارة المحاماة إليها، فالمحامون أعلم بأمور مهنتهم من غيرهم.
أي قضاياك مورس عليك فيها ظلم بواح؟
- أما الظلم البواح فلم يمارس عليَّ وإنما أخطاء نجتهد في مقاومتها وتصحيحها.
أي القضايا تتمنى لو أنك ترافعت فيها؟
- ما زلت أتألم لعدم قدرتي على الترافع في قضية سلمان الحريصي - رحمه الله - الذي توفي أثناء دهم الهيئة، فقد جاءت في توقيت كانت لدي ثلاث قضايا لها حضور إعلامي، وهي قضية الشيخ حسن فرحان المالكي وأم فيصل ضد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقضية فتاة القطيف، ومن المتعذر أن أتولى قضية بحجم قضية الحريصي مع تلك القضايا إذا ما أردت أن أديرها بطريقة مهنية، خصوصاً أنها سابقة وفيها دماء، وكنت مقتنعاً بأن قضية بهذا الحجم لا بد لها من فريق محترف من المحامين، عندها حاولت أن أبحث عن زملاء يتولونها بحيث نشكل فريق عمل متكاملاً، لأنني لم أكن أريد أن أتحملها بمفردي لظروفي السابقة، ولأنني خشيت أن يتسبب موقف البعض مني بسبب القضية التي رفعتها على الهيئة بضياع دم ذلك الرجل، إلا أنني فشلت في إيجاد محامين يتولونها ويتحملون تبعاتها، فلم أجد إلا أن أعتذر لهم.
هل تشعر بأن تغطية وسائل الإعلام للقضايا تجعل الأمور أصعب للقضاة؟
- هي تسهم في ضمان محاكمة ملتزمة بالحد الأدنى من معايير المحاكمة العادلة.
يؤكد بعضهم أنك معارض سياسي، هل أنت كذلك؟
- أنا شخص حقوقي، أمارس عملي من خلال الأطر القانونية لا السياسية، فأنا أعارض ممارسات، بغض النظر عمن صدرت عنه، فلا علاقة لي بالسياسة على الإطلاق، وقد أكون أفشل كائن حي في التحليل السياسي تماماً كفشلي في التحليل الرياضي، وهذا الخلط لدى الناس ما بين السياسية والحقوق جاء بسبب عدم ترسخ الثقافة الحقوقية بمضامينها المجردة المستقلة، ففي عالمنا العربي نجد خلطاً كبيراً ما بين الجوانب السياسية والحقوقية مع أن لكل منهما آليته الخاصة ووسائله المتباينة عن الآخر فضلاً عن تباين الأهداف ما بين السياسي والحقوقي فنرى أن هناك جماعات سياسية قد تستغل حقوق الإنسان فقط لمجرد تحقيق مكاسب في مقابل السلطة السياسية بغض النظر عن القيم ذاتها وإيمانهم بها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.