تعيش مكةالمكرمة هذه الأيام كغيرها من المدن والقرى فرحة عطلة العيد، ولمكة لون عذب من ألوان الفرح لايتوافر لغيرها، اكتسبته كونها مقر ومهوى خليط هائل من الثقافات المختلفة الساكنة فيها من كل بقاع الدنيا، ويمتزج هذا اللون بعبق الماضي التليد وجمال الحاضر المجيد. وعندما تجول الذاكرة إلى البعيد ترسم خطوات الماضي الجميل وذكريات الصبا والطفولة عن العيد ومكة وعن تلك الأسواق القديمة في مكة. يروي العم علوي فدعق أحد أصحاب الدكاكين القديمة في إحدى أسواق مكة التي اندثرت واختفت" سوق الليل"بعد مشروع التوسعة الحديثة وأحد الذين عايشوا تلك الحقبة الزمنية كيف كان العيد قديمًا في مكة وكيف كان الناس يحتفلون بمقدمه فيقول"يبدأ أهل مكة النزول إلى الأسواق للتبضع وشراء مايحتاجونه منذ حلول العشر الأواخر من رمضان، فيبدأون بشراء أصناف الأقمشة والملابس التي يرتدونها إضافة إلى إقبالهم على شراء بعض أصناف الطعام والحلوى المشهورة بعبقها المكي وأصالتها الحجازية والتي اشتهر في صناعتها بعض الأسر المكية، وتغشى الناس مع آخر ليلة من ليالي رمضان حالة من الفرح الشديد فتمتلئ البيوت المكية بوفود المهنئين من الأهل والأصحاب وجيران الحي، ويعيش كل منزل ليلتها فرحة غامرة ترتسم على محيا الأطفال والنساء والشيوخ والشبان. ويؤكد العم علوي"أن الأسواق في مكة وحتى عهد قريب كانت تتخذ من ردهات الحرم المكي والأزقة القريبة منه مكاناً لعرض بضائعها ومخدعاً تتكئ عليه لجلب روادها وزبائنها، كما أن من أبرز الأسواق التي اشتهرت في مكة وذاع صيتها"سوق الليل"وهي إحدى الأسواق القديمة جدًا وهي متاخمة للحرم المكي الشريف من جهة المسعى القديم، وكانت تضاء ليلة العيد بالفوانيس الهندية ابتهاجاً. وقد سميت بهذا الاسم لأن معظم التجار في مكة كانوا يأتون بالبضائع التي لم تبع في أسواق مكة الأخرى خلال النهار ليتم بيعها فيها أثناء الليل. ويوضح العم علوي أن هذه السوق كانت تعيش حركة مكثفة ليلة العيد من مختلف الطبقات الفقيرة والغنية كل يأخذ حسب استطاعته ومقدرته، وقد أصبح الآن أثرًا بعد عين فقد ذهب رسمها ولم يبق سوى اسمها. في الجانب الآخر من ماضي أسواق مكة تقبع سوق أخرى اختفت بعد مشروع توسعة الساحات الشمالية الأخيرة كانت ملاصقة للحرم اشتهرت ب"سوق المدعى"وكانت هذه السوق تتخذ من بوابة المسعى الشمالية مكاناً لها. العم سليمان لبان 75 عاماً أحد تجار المسابح والهدايا السابقين في سوق"المدعى"يتحدث عن تلك السوق فيقول: كانت المدعى من الأسواق التي اشتهرت في بداية هذا القرن، وامتازت هذه السوق بكثرة أزقتها الضيقة ودكاكينها الصغيرة المصطفة جنبًا إلى جنب، يؤمها بعض البائعين الجائلين، والزوار والمعتمرين الخارجين من ردهات المسعى الشريف بعد قضائهم مناسك العمرة . وتشتهر سوق المدعى بتوافر الأكلات الشعبية المكية المتنوعة التي تتميز بها هذه السوق عن غيرها كالكعك واللقيمات واللبنية وحلاوة اللدو والنارجيل وغيرها من الحلوى التي تتزين بها الموائد المكية صباح العيد.