يعيش الناس هذه الأيام فرحة استقبال عيد الفطر، ولكل قرية ومدينة طريقتها الخاصة وأسلوبها المختلف. لكن إذا تحدثنا عن مكة فإنها تعيش أفراحاً وليالي سعيدة تختلف عن سواها من المدن والقرى، فيبدأ الناس في مكة بالنزول إلى الأسواق قبل حلول العيد بفترة كافية. ويظهر الاستعداد لهذا الضيف السعيد بين أوساط المجتمع المكي بشراء الملابس والثياب التي يرتدونها صباح العيد، خلافاً لأنواع الحلوى الفاخرة والتي تتميز بالعبق المكي والأصالة الحجازية. ويتقاطر جموع المهنئين بحلول العيد مع آخر ليلة في رمضان، ويعيش كل منزل تلك الفرحة، وقد علت الابتسامة محيا الجميع، من الأطفال والنساء والشيوخ والفتيان. وعندما تجول الذاكرة إلى البعيد، ترتسم خطوات الماضي الجميل وذكريات الصبا والطفولة عن العيد ومكة، وعن تلك الأسواق القديمة في مكة خصوصاً ليلة العيد. يقول سليمان شبانه أحد أصحاب الدكاكين القديمة في سوق الليل، وأحد الذين عايشوا تلك الحقبة الزمنية:"إن الأسواق في مكة كانت تتخذ إلى عهد قريب من ردهات الحرم المكي والأزقة القريبة منه مكاناً لعرض بضائعها، ومخدعاً تتكئ عليه". وأضاف،"إن الناس في مكة كانوا يفرحون فرحاً شديداً بقدوم العيد، وتجد تلك الفرحة في وجوه الجميع نساءً وأطفالاً فتياناً وكهولاً، ويبدأون في الاستعداد للعيد قبل فترة كافية، بشراء الملابس والحلوى وزيارة الأقارب وتهنئة الجيران والخلان". وأشار شبانه إلى أن من أبرز الأسواق التي اشتهرت في مكة وذاع صيتها سوق الليل، وهي إحدى الأسواق القديمة جداً، ومتاخمة للحرم المكي الشريف من جهة المسعى، وكانت هذه السوق ليلة العيد تضاء بالفوانيس الهندية ابتهاجاً بمقدم العيد السعيد، وقد سميت بسوق الليل لأن معظم التجار في مكة كانوا يأتون بالبضائع التي لم تبع في أسواق مكة الأخرى خلال النهار ليتم بيعها فيها أثناء الليل. وأوضح شبانه أن هذه السوق تعيش حركة مكثفة ليلة العيد من مختلف الطبقات الفقيرة والغنية، كل يأخذ حسب استطاعته ومقدرته، وقد أصبحت الآن أثراً بعد عين، فقد ذهب رسمها ولم يبق سوى اسمها. وفي الجانب الآخر من سوق الليل تقبع سوق آخر ملاصقة لها، هي سوق المدعى الشهير، والتي تتخذ من بوابة المسعى الشمالية موقعاً لها. يقول أحمد النجار 75 عاماً، وهو أحد تجار المسابح والهدايا السابقين في سوق المدعى:"كانت سوق المدعى من الأسواق التي اشتهرت في بداية هذا القرن، وامتازت بكثرة أزقتها الضيقة، وهي عبارة عن مجموعة دكاكين تصطف جنباً إلى جنب مع بعض البائعين المتجولين، وتشهد هذه السوق كثافة غير عادية آخر ليلة من رمضان، نظراً لإقبال الناس عليها لشراء حاجاتهم للعيد من الملابس والثياب والأكلات الشعبية المتنوعة التي تتميز بها هذه السوق عن غيرها، كالكعك، واللقيمات، واللبنية، وحلاوة اللدو، والنارجيل، وغيرها من الأكلات والحلويات التي تزين الموائد المكية صباح العيد". ويوضح النجار أن نجم هذه السوق أفل وخفت كثيراً وسط زخم الأسواق المركزية العديدة، على رغم أن مرتاديها وعشاقها لا يزالون يصلونه بين الفينة والأخرى.