المكان الذي دعا سيدنا إبراهيم ربه ليرزق أهله من الثمرات، لم يعد رزقه مقصوراً على أهله. الناس يقصدونه من كل حدب وصوب طلباً للرزق. سائقو السيارات الذين يتجشمون عناء المسير وقضاء الأيام تلو الأيام في مكة خلال المواسم، هم مثال واضح لذلك. في مكةالمكرمة، تكاد وسائل النقل الفارهة أن تختفي مع بدء العد التنازلي لموسم الحج، تظهر أساطيل سيارات النقل بشكل مفاجئ، تبدأ بالباصات الكبيرة وقد لا تنتهي عند الدراجات النارية التي تجد في هذا البلد مكانة، لا تجدها في موقع آخر. في هذا البلد الطاهر، لن يطول بك الانتظار على رصيف بحثاً عن سيارة ليموزين أو تاكسي ملون. فقط أركب أي سيارة تتوقف، فالجميع هنا"يكد"بسيارته الخاصة. و"الكد"هنا تعبير اصطلاحي"محلي"يقصد به العمل على نقل الركاب بالسيارة. سيارات من جميع الأنواع والفئات والموديلات، تتسابق يومياً في شوارع مكة للمشاركة في حصاد الموسم، غير أنه يغلب عليها الموديلات القديمة، فدخول سيارة جديدة في هذا السباق مغامرة كبرى، لكنه أمر يحدث. وبحسب قول عبدالعزيز سندي، وهو سائق سيارة قديمة يعمل عليها في الحج: إن هذا الخروج غير المبرر لمختلف أنواع السيارات والتي لا تعمل إلا خلال هذه الفترة يعود للاعتقاد السائد لدى السائقين، بأن نقاط التفتيش التي تنتشر في أحياء وشوارع المدينة طوال أيام السنة، تختفي خلال موسمي الحج ورمضان، وذلك للازدحام الشديد الذي تشهده تلك الأحياء والشوارع الرئيسة، مما يسهل لتلك السيارات العمل من دون أي منغصات أو إزعاجات تعيق عمل تلك المركبات أو تعطل نشاطها الوقتي. ومما يلفت الانتباه بشدة في شوارع مكة، ذلك الوجود الكثيف لنوع سيارة"الكرسيدا"موديل 80 ، التي ترتبط مع أهل مكة بعلاقة وثيقة لا يعرف كنهها. ويدعم من تواجدها بشكل مهول في الشوارع توافر قطع غيارها. وعلى حد قول أحد مالكي هذا النوع من المركبات سليمان غزاوي:"إن الأصالة والتميز التي تحمله من ناحية بساطتها وكلفة أدواتها والتي تكون في متناول الجميع، هو ما جعلها محببة لدى الجميع، حتى أطلق عليها بين أوساط العامة لقب"مركبة الفقير"خلافاً عن أنها تمتاز بسهولة قيادتها سواءً للكبير أو الصغير". وعلى رغم مرور قرابة الثلاثة عقود على تاريخ صنعها، وعلى رغم الضخ الاقتصادي الكبير وتعدد شركات صناعة السيارات بكل أشكالها الجديدة وألوانها الجذابة، إلا أن هذا النوع من السيارات، يرتبط بعلاقة وفاء مع أبناء مكة، وما زال يحتفظ بهذه القيمة المعنوية وتلك الأصالة المتوارثة، على الأقل عند أولئك الذين عايشوا تلك الحقبة الجميلة من الزمن.