خبران رياضيان لفتا انتباهي، أحدهما نُشر الأسبوع الماضي ويخص نادي الشباب السعودي، ورغبته في استثمار 200 مليون ريال لإقامة مشاريع ومرافق تجارية يعود دخلها لمصلحة صندوق النادي، أما الخبر الآخر فهو خليجي، وبالتحديد من الإمارات، إذ أعلن نادي الوحدة استثمار 700 مليون درهم لإقامة برج سكني ومول تجاري ومنشآت اقتصادية استثمارية من شأنها أن تدعم أنشطة النادي. لا أرغب في الدخول في تفاصيل مشاريع نادي الوحدة الإماراتي، فالمبلغ كبير والخطوة جريئة، لكن اللافت في خبرنا المحلي هو المبلغ الذي أعلنه الأمير خالد بن سلطان عضو الشرف الداعم لنادي الشباب السعودي، والمقدر ب 200 مليون، فهذا الرقم كبير، على رغم أن التجربة الاستثمارية سبق أن خاضها نادي القادسية من الدمام، الذي خصص 20 مليون ريال لإنشاء أكاديمية رياضية، فضلاً عن مشاريع استثمارية أخرى. هناك رغبة قوية من رجال أعمال ومستثمرين في دعم أنديتهم في السعودية، إلا أنهم يصطدمون بقرارات وقوانين لا تحمي هذه الاستثمارات أو المشاريع، أو أن أنظمة الرئاسة العامة لرعاية الشباب لا تشجع مثل تلك التوجهات، لهذا لم تنجح التجارب السابقة مثل مشروع ألبان نادي الاتحاد وما صاحبه من مشكلات مع الشركة التي اتفق معها النادي، ومشروع النادي الأهلي لإنشاء شركة خاصة به، ومع ذلك تعثر المشروع... لهذا بقي التوجه نحو مثل هذه المشاريع محفوفاً بالمخاطر، مع أن الإنفاق على الأندية الرياضية خلال السنوات العشر الأخيرة من أعضاء الشرف ومحبي?ومشجعي الأندية تضاعف عشر مرات، فأندية مثل الهلال والاتحاد أو الأهلي تتجاوز موازنتها السنوية 200 مليون ريال، ولا يشمل هذا المبلغ نفقات تنقلات اللاعبين والمعسكرات والهدايا والمكافآت وغيرها من المصروفات الأخرى، مثل مبالغ عقود اللاعبين والمدربين الأجانب. إنها بالفعل نفقات باهظة وتكاليف عالية أسهم بها القطاع الخاص لدعم الرياضة، وبالتأكيد لن ننسى الدور الحكومي في تشجيع الرياضة ودعمها، إلا أنه في الواقع بقدر ما حصل عليه قطاع الرياضة من اهتمام ورعاية وموازنة مفتوحة لمشاريع الشباب والرياضة، فإن الانعكاس الايجابي بقي محدوداً فقط في نشاط كرة القدم، فلم نلمس أثر ذلك على أنشطة رياضية أخرى مثل السباحة والرماية والعاب القوى والسلة والطائرة والعاب أخرى، لهذا كان توجه رجال الأعمال والمستثمرين محدداً إلى نشاط كرة القدم، ونتيجة لإهمال الرياضات الأخرى وعدم تحرك المسؤولين في رعاية الشباب لدعمها وتطويرها... عمد الكثير من الأندية إلى خفض أنشطتها الرياضية المختلفة تخفيفاً لأعباء موازناتها الضخمة، ولهذا لم نعد نستطيع المشاركة في منافسات أو مسابقات إقليمية أو عالمية بشكل جيد. البعض ربما يتساءل كيف يمكن أن نربط الأنشطة الرياضية في الأندية بالمشاريع الاستثمارية، وفي الواقع وراء أي مشروع استثماري ناجح تقف خلقه أنظمة وتشريعات، فلماذا لم تجرؤ الأندية على الإقدام على مثل هذه المشاريع أو التوجهات، لماذا لم تناقش الرئاسة المعوقات والأسباب؟ أليست التكاليف التشغيلية للملاعب والأندية باهظة وعالية من حيث الصيانة والتشغيل؟ وهل تكفي عقود إعلانات الملابس الرياضية لتغطية تكاليف رواتب اللاعبين والعاملين في هذه الأندية؟ الجميع يعرف أن الأندية الرياضية ليست لديها القدرة على بناء أو ترميم مقراتها، إذا لم تدعمها الحكومة، فكيف ستغطي نفقاتها؟ في دراسة أعدها الباحث السعودي سعيد السبيعي قبل خمس سنوات، وكانت بعنوان"خصخصة الأندية السعودية"، وهي أيضاً رسالة الماجستير التي تقدم بها، أورد الباحث 44 سبباً تعوق خصخصة الأندية في البلاد، من أهمها الأزمات المالية التي تعاني منها بعض الأندية بسبب زيادة المصروفات على الإيرادات... وبذلك تأكد وجود قصور في الجدوى الاقتصادية للأندية السعودية، وهو ما يخالف أسلوب الخصخصة الذي يسعى لتحقيق التوازن بين المصروفات والإيرادات، حتى تستطيع الأندية الرياضية تحقيق أهدافها. وأوضح الباحث في دراسته التي استمرت عامين أن الاستقرار المالي للأندية قد يؤدي لتنفيذ الأنشطة الرياضية بالكامل، من تأمين عقود المدربين واللاعبين، وكذلك مصروفات الأندية المتمثلة في التغذية والمعسكرات والتأمين الصحي والملابس والتجهيزات الرياضية وإعداد اللاعبين وانتقالات الفرق وما إلى ذلك من مصروفات أساسية وثانوية. المبالغ التي أنققت على الرياضة خلال العقود الماضية سواء من الحكومة أو القطاع الخاص متمثلاً في رجال الأعمال تساوي عشرة أضعاف ما انفق على الجمعيات الخيرية، فقد كانت الأندية الرياضية منافساً شديداً لهذه الجمعيات الخيرية في جمع الأموال من أعضاء الشرف والداعمين، أو الصرف على اللاعبين ببذخ ومحاباة، وتفضيل لاعب على آخر، وهدايا اللاعبين من تحت الطاولات، فكانت النتيجة أن الكثير من اللاعبين الذين لم يتعودوا على التعايش وفق المتغيرات الجديدة لحياتهم انتهت حياتهم بسرعة، لعدم وجود مستشارين اجتماعيين أو نفسيين يقدمون لهم النصح والمشورة، وقليل منهم الذي تنبه لهذا الفخ واستطاع أن يؤمن مستقبله، والشواهد عدة، سواء للاعبين الذين ضاعوا بين يدي رجال الأعمال، أو أولئك الذين يعيشون في سلام. بصراحة أنظمة وقوانين وتشريعات الرئاسة العامة لرعاية الشباب لم تكن في يوم من الأيام ذات وضوح في التعامل مع المستقبل أو الرؤية التي تسير عليها، سواء في معاقبة اللاعبين أو التفكير برؤية بعيدة في مستقبل الأندية، ودعم القطاع الخاص، فرجال الأعمال افسدوا على لاعبينا أذواقهم وسلوكياتهم، حينما أغدقوا عليهم الأموال وتجاهلوا أنشطة رياضية أخرى ولاعبين آخرين في العاب رياضية مهمة مثل السلة والطائرة. وإزاء هذا الإغفال لتلك اللعبة، هل تساءل المسؤولون عن الرياضة لماذا لم ينجح نظام الاحتراف الخارجي للاعبين، وهل هناك خلل في قوانين الاحتراف، أو ثغرة نظامية لا تشجع الأندية الأجنبية في التعامل مع لاعبينا؟ إن الاحتراف الخارجي هو أحد المكاسب التي كانت ستضاف إلى إنجازات رعاية الشباب... وتجربتا سامي الجابر وفهد الغشيان ليستا مقنعتين، قبل أيام تابع الجميع انضمام المهاجم الانكليزي بينت إلى نادي توتنهام بقيمة 16،5 مليون إسترليني، في صفقة تفوق انتقال هنري اللاعب الفرنسي إلى برشلونة، هناك سباق حقيقي بين اللاعبين ودول تدعمها، لدينا السمعة الرياضية سيئة حتى على مستوى الاتحاد الدولي، الذي أصبح يتدخل في فرض عقوبات على الأندية السعودية لتلاعبها في عقود اللاعبين أو تأخرها في صرف مستحقات لاعبيها، حتى الصفقات الرياضية التي تتم أثبتت فشلها، فإما أن يكون اللاعب انتهى عمره الافتراضي في الملاعب مثل دينلسون البرازيلي، أو لوجود ثغرات في النظام. قبل أسبوعين تقدمت دولة قطر لاستضافة مونديال آسيا لعام 2011، يجب أن نستثمر المنشآت الاقتصادية والملاعب الرياضية الموجودة لدينا، يجب علينا أن نعيد حساباتنا تجاه بعض القوانين والأنظمة التي تعوق تقدم حركتنا الرياضية... علينا أن نعيد ترتيب اتحاداتنا الرياضية، يجب أن نمنح الأندية المزيد من الثقة في أن تستثمر منشآتها، وتحتك أكثر بالمجتمع، النادي الأهلي في مصر احتفل الأسبوع الماضي بيوبيله المئوي، والذي يعرف النادي الأهلي المصري، يعرف المرافق الرياضية التي فتحها أمام الجمهور والمطاعم وغيرها من الخدمات، لا يدخلها اللاعبون فقط ولكن تدخلها الأسر والأطفال. نحتاج إلى مشاريع اقتصادية تُدر أرباحاً ودخلاً كبيراً لتساعد هذه الأندية في الاعتماد على نفسها، وكنت أتمنى من رعاية الشباب أن توقف دعمها المادي للأندية، وتبدأ في منح تراخيص لأندية رياضية خاصة، وعليها أن تبدأ سريعاً في درس قوانينها ومعوقاتها وتبحث بعقلية اقتصادية. لفتة جميلة أعجبتني من الهيئة العامة للاستثمار، حينما استقبلت العام الماضي كيث ادلمان المدير التنفيذي لنادي أرسنال الإنكليزي لبحث أوجه الاستثمار الرياضي في السعودية، ادلمان قال إن ناديه يستثمر 700 مليون?جنيه في مشاريع اقتصادية، بعد ذلك لم نسمع عن نتائج الجولة ولم تعلن رعاية الشباب عن طرح مشاريع استثمارية أمام القطاع الخاص! نعود إلى مشروع نادي الشباب الرياضي، الذي نأمل أن يرى النور، إذ يتوقع افتتاح ثلاثة مشاريع خارج الأسوار الشبابية سيكون دخلها لصالح النادي، وهي فندق ضخم من 14طابقاً ومول تجاري، ووحدات سكنية، ونأمل أن تكون هذه المشاريع محفزة ومشجعة لأندية رياضية أخرى. * صحافي اقتصادي.