هو قدرنا أن نكون في موقع بين المشرق والمغرب، وبالتالي قد نكون في موقع ما بين الموقعين، لا شرقي ولا غربي، وإن كان يطلق على الذكر منا مجازاً"الرجل الشرقي"، حتى وإن كان الأصح من ذلك"الشرق أوسطي"، نسبة إلى الشرق الأوسط، المكان الجغرافي الذي ننتمي إليه، مع المخالفة الواضحة، والتحفظ من القوميين والعروبيين، حول التسمية. ولكن لا عليكم يا أحبتي، هي مجرد تسمية، فلا ينبغي أن نقف عندها كثيراً، لتعطلنا، هي بدورها، عن العمل، فإن بحثتموها من جانبها الآخر، وجدتموها قريبة كثيراً من الوسطية، التي ننادي أن نتصف بها، كما كنا نردد في معظم الأحيان، مع أن مكانها، اليوم، ليس هنا. فالوسطية، هذه المرة، ليست التي ننادي بها في معظم الأوقات، ولكنها تلك الأخرى التي بين البينين، فمشرق متطور، ومغرب متحضر، ووسط متهالك، يبكي على الأطلال، ويتفاخر بالنسب، ويتأكد كثيراً بالأدلة والبراهين من تكافئه، ويعيش على ذكرى أفعال السابقين، ولا يحاول أن يجرب بنفسه الحلول الممكنة لبعض مشكلاته، والاكتفاء عن الغير في بعض أموره الحياتية... ننادي هذه المرة، ليس بالوسطية ولكن بالتطرف، ولعلها المرة الأولى، ولكن في ماذا؟ في الإبداع لما يخدم البشرية!. أما المشكلة، الذي سأناقشها هنا في هذا المقال، فهي حفر الشوارع، لأن موضوع الوسطية طويل ومتشعب والأمثلة عليه كثيرة جداً، وكثيرة أيضاً الأمور التي تجعلنا نقبع في الوسط بين قطبين، أخشى يوماً ما أن تطحننا الرحى بين هذين القطبين، من دون أن ندرك، إلا بعد فوات الأوان، وحينما نصبح طحيناً عندها لن ينفع الندم. أعود إلى مشكلة المقال، الحفر في الشوارع، وهو إشارة إلى وجود ثورة عمرانية ضخمة، ومن تعريفات الثورة، كما تعلمون، أنها تغير كل ما قبلها وتستبدل به الجديد، ولكن ليس شرطاً أن يكون الأحسن. عملية حفر الشوارع هذه عملية مستمرة، ولا يكاد يخلو منها شارع من شوارع مدننا الكثيرة، فترى هذا الشارع يُحفر لخدمة معينة، وبعد أن يُردم، ويصلح ما لحق به من عطب، تأتي جهة أخرى بخدمة أخرى،"ويا حيا الله الخدمات وأهل الخدمات"، وتحفر في جهة منه، وتأتي جهة ثالثة، ورابعة، وهكذا. هذا كله، بلا شك، مؤشر على استمرار العمل في تأسيس البنى التحتية للمشاريع التنموية، ولكن ما يزعج المارة من ذلك، هو سوء التنظيم في تلك العملية، وكم كنت أتمنى على الجهات المسؤولة عن توفير خدمات البنى التحتية، أن تقوم بتنسيق مسبق في ما بينها، لكي لا تطول عمليات الحفر، وتعوق الناس عن قضاء مصالحهم، بما تسببه من إزعاج وعرقلة للسير، يكره الناس معها ذلك المشروع بقدر ما فرحوا به، وما يطمح إليه الناس هنا في عملية الحفر تلك، ولكي لا يفقدوا فرحتهم بالمشروع المقبل، هو التنسيق بين أولئك المسؤولين عن هذا الحفر أو ذاك. كيف يحدث مثل هذا في العالم الشرقي أو في العالم الغربي؟ ببساطة شديدة، توافر البنى التحتية في كل مدينة من دون أن ترى أي نوع من الحفر أو التحفير، والذي يتسبب في إزعاج المارة، والسر يكمن في وجود أنبوب الخدمات تحت الطريق المعبد، ونحن نقول إن بالإمكان إيجاد ذلك الأنبوب في كل شارع قائم الآن، ومن ثم يترك لجهات الاختصاص وضع خدماتها فيه، ونحن بهذا نكون قد حفرنا في الشارع حفرة واحدة، مرة واحدة، وفي فترة واحدة، بدلاً من عدد من المرات وعدد من الحفر، لكل خدمة حفرة مستقلة، وفي النهاية نكون وفرنا الخدمة من دون الحاجة إلى الحفر، وتشويه أرضية الشارع المعبد. أما المخططات الجديدة فالأمر يحتاج إلى إيجاد الأنبوب الخدمي هذا قبل إنشاء الطريق وتعبيده، وبالتالي نضمن توافر الخدمة وجمال الشارع، وليس ذلك بالصعب على التخطيط السليم الذي يسبق المشروع، وليس الذي يعقبه، أما علينا، ونحن بهذه الحال من الترنح بين عجلة التطور والحاجة الماسة إلى التخطيط والاستفادة مما لدى الغير، والتي إلى الآن، لم ندركها، فأظن أن ذلك فيه شيء من الصعوبة، لاسيما أننا قوم بين مشرق ومغرب، ولكن ما زال الأمل قائماً. محمد ناجي آل سعد [email protected]