توافد مئات المقيمين المغتربين من العمال الوافدين على كبائن الاتصالات في اليومين الماضيين من عيد الفطر، في صورة كبيرة ولافتة، من أجل تبادل التهاني مع الوطن وساكنيه من الأهل والأصدقاء. ولا تخلو فترة الاتصال من أنواع مختلفة من المشاعر الإنسانية، التي تزدحم في المكان، إلا أن المتصلين يجتمعون في دائرة الحسرة على فقدان الاحتفالية، وهم بعيدون عن"عيد العائلة". ويسمع الداخل إلى الكبائن المنتشرة في المنطقة، أصواتاً كثيرة، ولغات متعددة، ولهجات متنوعة، تختلف باختلاف ألسنة ناطقيها، إلا أن لغة واحدة تجمع كل هذه الجنسيات، لتجعلهم ينتمون إلى لغة وطن واحد، وهو الاشتياق والحنين إلى الأهل، خصوصاً في العيد. ومضى على آخر عيد شارك فيه فرج بيومي صالح مزارع مصري، أبناءه، سبع سنوات، قضاها بين الحسرة والألم، وفقدان كل معاني البهجة في هذه المناسبة، وخلال الأعوام السبعة، لا يبقى أمامه سوى الاستئناس بالأصوات، وإن كانت غير كافية، إلا أنها تنقل بعضاً من مظاهر العيد من صعيد مصر"الطيب". انتظر طويلاً حتى استطاع أن يحادث عائلته بصوت مرتفع، وكأنه يظن أن بُعد المسافة الممتدة من الأحساء إلى صعيد مصر، سيحجب صوته عن أسرته، ما جعله يمتلك المكان، إلا أنه على دراية، بأنه يتحدث في سماعة الهاتف، والحماسة التي كان يتحدث بها، وأزعجت زبائن آخرين، ما هي إلا من باب"الفرحة بسماع الأصوات والاشتياق، الذي عوض البكاء بسببه بالصوت العالي". ويضيف فرج"يجتمع أفراد الأسرة كافة في منزلنا، مع الأهل والأصدقاء، لمعرفتهم المسبقة بأنني سأتصل، لتنتقل السماعة من يد إلى أخرى، حتى أتم تهنئة الجميع بالعيد". يتوقف فرج للحظات، ويسرح طويلاً، ثم يُكمل"أجد نفسي مع الصوت والصورة، لأختصر مسافات وأياماً، إلا أنني أعود للواقع مسرعاً، فأجد نفسي لا أزال بعيداً عن عيد الأهل والأحباب". ويحمل التنقل بين غرفة اتصال وأخرى مشاهد غريبة، فبين البكاء، والضحك، والغضب، والسعادة، والدهشة، واليأس، تتجلى صور إنسانية عجيبة، ويقول ماهر علي موظف في إحدى الكبائن:"مع أول أيام العيد، فوجئت بصراخ زبون داخل إحدى الكبائن، فهرعت مرعوباً من شدة الصرخة التي أطلقها، وكنت أظن أن مكروهاً وقع له داخل الكبينة"، مضيفاً"كان منهاراً على الأرض، يبكي وبحسرة، وبعد أن هدأ قليلاً، أخبرني أن أسرته أبلغته بأن أخاه مريض جداً، وأيامه معدودة في هذه الدنيا، إلا أن تعاطفي مع هذا الرجل لم يمنعني من أخذ مبلغ المكالمة، الذي تجاوز 60 ريالاً، وأنا معتاد على مثل هذه المواقف". ويروي ماهر ما لاحظه وسجله من شخصية المتصلين،"في العيد يحرص المغتربون على قصد الكبائن للتواصل مع الأهل والأصدقاء، وكل جنسية تختلف عن الأخرى في عدد دقائق المكالمة، فالبنغال حريصون على جيوبهم، ويكتفون في المكالمة بعبارة"مرحباً، أنتم بخير، أنا بخير، كل عام وأنتم بسعادة، مع السلامة"، مضيفاً"لا يكلفون أنفسهم سوى دفع عشرة ريالات فقط، وتليهم الجنسية الهندية، فكثير من الهنود لا يتحدثون إلا قليلاً، كي لا يخسروا مبلغاً يعدونه كبيراً، فيما هو في الحقيقة ضئيل أمام لحظة تواصل، إلا أن البنغال الأكثر اعتراضاً على سعر المكالمة، أما الجنسيات العربية، فيتحدثون لدقائق أطول، وإن كلفتهم المكالمة أكثر من 150 ريالاً". ويختار زبائن فترة ما بعد الذروة، التي تكون من بعد منتصف الليل، ليجروا اتصالاتهم، حتى يحصلوا على تخفيض في أسعار المكالمات، بنسبة تتجاوز 25 في المئة، وتعد الأيام الثلاثة الأولى من العيد فرصة استثمارية كبيرة لهذه الكبائن، التي تعد ملجأً للتواصل. ويقول ماهر:"غالبية الزبائن قبل أن يدخلوا إلى الغرف لإجراء مكالماتهم، تجدهم نشيطين مسرورين، ويتسابقون إلى الهواتف، لكن بعد انتهاء المكالمة يخرجون، وهم بخلاف ما كانوا، فأرى في عيونهم حزناً كبيراً، وحنيناً خانقاً". وعلى رغم أن كابينة الاتصال هذه مجاورة لمقهى انترنت، يوفر خدمة أقل وأسرع وأجدى للاتصال والتواصل، إلا أنه كان خاوياً من الزبائن، وفي الآونة الأخيرة حققت تلك المقاهي أرباحاً منافسة، تقترب من أرباح الكبائن، إذ اتخذها كثيرون لتكون حلاً بديلاً للاتصال المسموع، ويقول صبري حسنين صبري مقيم مصري:"لم أكن أعرف شيئاً عن الانترنت، حتى رأيت زميلاً لي في العمل، يتحدث إلى ابنه من طريق الكمبيوتر، بالصوت والصورة، ولساعات طويلة"، مضيفاً"لم يخسر زميلي في محادثته اليومية، التي لا تقل عن نصف ساعة على الأقل، بل وفر مبالغ بخدمة أرقى من الاتصال التقليدي، وقررت دخول عالم الانترنت، فتعلمته في فترة وجيزة، لوجود حصيلة مسبقة ومعرفة بسيطة بالكمبيوتر، وابني يتعامل مع الانترنت منذ زمن، ومنذ عامين وأنا أتحدث إلى عائلتي كل يوم، بأقل من 15 ريالاً، وبالصوت والصورة".