ظلت"الشهيدة"وفاء الحسين وزميلتها المصابة بشرى العنزي، تطالبان طوال ثمانية أعوام، وزارة التربية والتعليم بنقلهما من مدرستهما في شقراء، إلى حيث تسكن عائلتاهما. كانت الأولى ترغب في الانتقال إلى محافظة حريملاء أو إحدى قراها، في حين كانت أمنية الثانية الانتقال إلى الرياض، إلا أن جواب الوزارة كان دائماً واحداً، وهو الرفض. ثم انتهى الأمر بوفاة المعلمتين وإصابة ثلاث زميلات لهما في حادثة سير مأسوية، تعرضن لها صباح أول من أمس في طريقهن من محافظة حريملاء إلى محافظة شقراء 280 كيلو متراً من الرياض. وقال شقيق وفاء الأكبر ل"الحياة"مساء أمس:"إن شقيقتي أدت صلاة الفجر ذلك اليوم، واستعدت وطال انتظارها للسائق، الذي كان يصل كل صباح عند الساعة 6.30، إلا أنه جاء متأخراً نصف ساعة". وتابع:"انضمت شقيقتي إلى زميلاتها في"الفان"الذي كانت فيه أربع معلمات، ولم تمض 15 دقيقة حتى وقعت لهن حادثة سير عند المنعطف، وكان سببها الرئيس سرعة السائق الكبيرة، كما أثبتت التحقيقات". وأضاف:"نزل الخبر بالطبع علينا كالصاعقة، خصوصاً على والديها المسنين، فعند التاسعة من صباح ذلك اليوم، بلغنا الخبر من شرطة حريملاء، توجهت إلى موقع الحادثة، ووجدت السيارة متضررة بشكل كبير، ونقلت الجثتان إلى ثلاجة الموتى في مستشفى ثادق، والمصابات إلى نظيره في حريملاء". وأكد الحسين أنهم تعبوا من مراجعة وزارة التربية والتعليم لنقل شقيقته من شقراء إلى محافظة حريملاء أو إحدى القرى التابعة لها،"فطوال ثمانية أعوام هي مدة عملها في حقل التعليم، كانت تتنظر صدور كل حركة نقل لعل أن يكون اسمها بين المنقولات، إلا أنها ماتت وحلمها لم يتحقق". وأضاف:"بغضّ النظر عن شقيقتي التي كان موتها مقدراً من الله، فهناك كثير من مثيلاتها واجهن المصير نفسه، والغريب أننا لا نرى جهوداً تبذل من الجهات الحكومية ذات العلاقة لحل هذه المشكلة". وأشار إلى أن شقيقته، عانت لإيجاد من ينقلها من حريملاء إلى مدرستها، وأخيراً استطعنا الوصول إلى السائق الذي قضت معه في الحادثة، موضحاً أنه يأتي من الرياض بصحبة أربع معلمات، ويمر على حريملاء في طريقه إلى شقراء. وكشف أن السائق ارتكب مخالفة سرعة على نقطة تفتيش"سلطانة"40 كيلو متراً جنوب حريملاء في صباح اليوم نفسه، إلا أن هذا لم يردعه عن السلوك الذي كان سبباً رئيسياً في الحادثة. من جهتها، قالت والدة بشرى العنزي في اتصال هاتفي مع"الحياة"، حيث ترافق ابنتها التي ترقد في مستشفى حريملاء العام:"إن ابنتي لها ثمانية أعوام وهي في سلك التعليم وتدرّس في شقراء، وتقدمت بطلبات كثيرة إلى الوزارة لتنقل للرياض حيث نسكن، إلا أن مساعيها باءت بالفشل". ولفتت إلى أن ابنتها التي لا تعلم حتى الآن عن وفاة زميلتيها، في صحة جيدة، وكانت نائمة وقت وقوع الحادثة. يذكر أن إحدى المعلمات نقلت من مستشفى حريملاء إلى مستشفى الملك خالد الجامعي في الرياض أمس، فيما لا تزال اثنتان تتلقيان العلاج هناك. وقال حمد الحسين الذي حضر الحادثة فور وقوعها ل"الحياة":"عندما وصلت إلى هناك بعد انتشار الخبر في المحافظة، وجدت المعلمات ممدات على الأرض والدماء تسيل منهن، فيما بترت رجل إحداهن". من جهته، أكد مصدر أمني ل"الحياة"، أن السائق وهو نيجيري الجنسية، خرج من المستشفى أمس بعد تلقيه العلاج من اصابات طفيفة، وأنه موقوف في قسم شرطة ثادق"حتى التأكد من تاريخ بطاقة التأمين التي يحملها والشركة المانحة لها، هل هي معتمدة من المرور أم لا". وأشار المصدر إلى أن السائق أفاد أثناء التحقيق معه، بأن الحادثة وقعت بسبب سرعته عند أحد المنعطفات، ما أفقده السيطرة على المركبة". "وفاء"نجت من حادثتين وراحت ضحية الثالثة لم تكن حادثة الأربعاء هي الأولى التي تقع لوفاء الحسين، أثناء ذهابها إلى مدرستها في شقراء، إذ سبقتها اثنتان. يقول شقيقها عبد الله:"في العامين الأولين لها في التعليم، سكنت في شقراء بالقرب من مدرستها بصحبة أحد إخوتي، وأثناء عودتهما إلى حريملاء وقعت لهما حادثة سير، نجت منها، وكانت الثانية قبل نحو عامين، وكانت تستقل سيارة نقل تعود إلى إحدى المؤسسات الخاصة، ونجت منها أيضاً". ماتت الحسين في الثالثة، ولم تترك خلفها إلا جهاز"الكومبيوتر"، الذي كانت تعد من خلاله دروس طالباتها وشهادات تقدير تمنحها للمميزات منهن. وفاء التي كانت تُدرس اللغة العربية، حصلت طوال الأعوام الثمانية على تصنيف مرتفع، وكانت محبوبة من طالباتها. وتلقت عائلتها بعد انتشار خبر وفاتها أكثر من 40 اتصالاً من الفتيات المفجوعات بمعلمتهن، خلال ساعة واحدة. الأمر أشد وأعظم على أسرتها، فوالدها المسنّ فضح وجهه الألم الذي يعيشه، أشقاء وشقيقات وفاء مع والدتها قضوا ساعات بعد الفاجعة في مستشفى حريملاء، إذ لم يتحملوا وقع الصدمة. مديرة الإشراف التربوي التي زارت الأسرة أمس معزية، أكدت أن الخبر نزل عليهن كالصاعة، فالمعلمة كانت من الكفاءات لديهن، وملكت بأخلاقها قلوب زميلاتها وطالباتها، ونظراً إلى اجتهادها رشحت لتكون مشرفة، إلا أن الموت كان أسرع من الترقية. ويبدو أن المعلمات الثلاث اللاتي نجون من الموت في حادثة حريملاء، سيفكرن جدياً في ترك مهنة التعليم، بعد هذه المأساة. والدة العنزي ردت على سؤال"الحياة"عمَّا إذا كانت ابنتها ستستقيل من التعليم بعد تجربتها القاسية بالقول:"ابنتي لم تعلم حتى الآن بوفاة زميلتيها، والأمر متروك لها".