تتناثر علب الألوان أسفل حامل الرسم، فوقه لوحة لم تنته بعد. وتشتعل الإضاءة الصفراء، في أجواء مرسم الفنان حسين المحسن 34 عاماً. فيما تستند إلى الجدار بعض لوحات تشبعت من نظرات زوار معارضه الأربعة الشخصية، وهناك لوحات تستعد لخوض مغامرة العرض، في معرضه المقبل صيف. برز إسم المحسن بلوحاته في معارض فنية مشتركة، إلى أن أقام معرضه الأول مرفأ كأول تجربة شاملة يعرضها على الجمهور. لم تشكل فترة غيابه عن الرسم عائقاً للعودة إليه مرة أخرى. يقول المحسن"تركت الرسم زمناً طويلاً، خاصة قبل ذهابي إلى أميركا للدراسة". على أن عودته إلى الظهور في عالم التشكيل سبقه اعتكاف:"كنت في مرسمي مع تجاربي الخاصة، أحاول اكتشاف الذات والتأمل والبحث". معتبراً أن للالتقاء"بالفنانين الآخرين والسفر دوراً في خلق رؤية لدى الفنان تساعده على صياغة أفكاره باستخدام ألوان... تبلورت في مجيء مرحلة أحسست فيها بضرورة إخراج تجربتي للعالم". التي تمثلت بمعرض المرفأ في عام 2001 بصالة"انما"في الخبر، وكان أول"مرفأ"يصل إليه المحسن قبل أن يشد رحاله، مبحراً مثل سفينة تناطح جبال الموج في رحلة بحث عن الذات، حتى إذا لاح له ميناء جدة، أقام فيه معرضه رؤى عام 2002. غير أن ذلك لم يكن كافياً ليتوقف عن البحث، والتنقل من تجربة إلى أخرى. قادته سفينته المشاغبة إلى الخبر، ومعرض أمكنة للعشب نهاية عام 2003. ربما حان موسم العودة عام 2004 إلى مكان مشبع بالاستقرار. إلا أن ذلك لم يكن سوى هاجس تجربة ضخمة. يقول المحسن عنها"أحسست فيها بالعطاء فلم أتوقف. وتحولت تجربتي إلى لوحات كثيرة تنقلت بها من البحرين إلى الرياضوجدة". ويشير إلى وجود مؤثرات تدفعه إلى العطاء"كلمة حسن الجمعان أستاذ في جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا- كلية الفنون مهمة في حياتي وتدفعني إلى الاستمرار في العمل". ولا يخفي حاجته للتشجيع خاصة من"الأصدقاء الذين يشكل رأيهم في إنتاجي دافعاً آخر". ولم يكن رواد الحداثة في الفن التشكيلي، مثل بيكاسو وماتيس، بعيدين عن دائرة التأثير على ريشة المحسن. يتجسد ذلك في تجربته صيف، التي يخوض غمارها في الوقت الحاضر. يقول"محاولة الاستفادة من لغتهم الفنية وتعاملهم مع الألوان، بإخضاع ذلك وفق رؤيتي الخاصة". التي يتحرر فيها من تسمية الألوان بأسمائها، وتركها تبحر في عالم التخيل لدى المتلقي، إذ الأزرق ليس ازرق، إنما بحر أو سماء أو هدوء ما قبل العاصفة. يوضح ذلك بأن الفن التشكيلي"يتعامل مع لغة غير محكية، بل مع لغة بصرية بعيدة عن ما توحي به الكلمات، وتعتمد على رؤية المشاهد وما تثيره فيه من أفكار وما تعبر به من جمال". ولا يجد مبرراً لمن يعتقد بوجوب وصول المتلقي لفكرة مطابقة لما يرمي إليه الفنان، من خلال لوحته. بل كل ناظر إلى العمل الفني يخرج بمفهوم مختلف، عن أي مشاهد آخر. يغذي هذا المفهوم رؤية الشخص نفسه إلى الحياة ومجمل أحاسيسه وأفكاره". ويجد أن اللغة البصرية للعمل التشكيلي، يفترض بها أن تكون"ممتعة وجميلة مثل الحياة بما تحويه من اختلاف وتنوع". من دون اللجوء إلي الكلام في توضيح الصورة. ويشبه اللوحة بالقصيدة، يقول"إذا كانت القصيدة تحكي موضوعاً واضحاً أو مباشر، فإنها تنتهي بسرعة في ذهن السامع، بخلاف تلك التي تثير في عقله الحوار والجدل والتساؤلات وتدعو المتلقي إلى البحث بين الكلمات عن إجابات لتلك الأسئلة. كذلك تأتي لوحات الفنان مثيرة للحوار والتساؤل، ما يعطي الروح فرصة الإبحار في عالم الألوان وما ينتج عنها. بعيداً عن الصوت المحكي، وقريباً من الصمت المتأمل في العمل. والاستمتاع به كما ينطبع في الروح، من دون البحث عن مترجم للغة اللون، الذي يفسد بعض الأحيان ما تحرك في النفس تجاه لغة التشكيل". هل يسابق المحسن الزمن؟ أم يربط التجربة بالأخرى قبل أن تنقضي. واضعاً ريشته في غمرة القماش. وعقله مبحراً في تفاعلات التجربة المقبلة. يقول"إذا لم يكن عند الفنان ملامح تجربة مقبلة، يتمرد فيها على ما يقوم به حالياً، فإن هذا دليل على وصوله لمرحلة استنفاد الذات، لذلك يحتاج الفنان إلى الجرأة والمخاطرة في خوض التجربة تلو الأخرى". تكون مدعاة"للتمرد على النفس وعلى التجارب السابقة. أو تكون حوار مع ما سبق". ربما هذا ما يفسر تقارب معارض المحسن الفنية الأربعة. بين عامي 2001 و2004. ويشير إلى احتمال رؤيته في العام المقبل، في شكل جديد وتجربة أخرى لا تحاكي ما سبق إنما تتمرد عليه. أو تخلق منه صورة أخرى لم يتعود عليها عشاق أعماله الفنية. حينما تتداعى الذاكرة إلى الوراء، تتمثل في ذهن المحسن أول معرض شاركت فيه إحدى لوحاته، التي غابت ألوانها عن ذهنه في مدرسة ابتدائية في أحد أحياء القطيف. يد مدرس التربية الفنية تقبض على يده الصغيرة. ولسان المدرس يقول له انظر لوحتك التي رسمتها معلقة بين لوحات أخرى. يقول المحسن إن"لتلك الحادثة الأثر في خلق ميل للرسم في نفسي، إنني أحب الفن ومشروعي أن أكون فنانا". وهنا يؤكد على أن فن الرسم أو الشعر لا يدرس إنما"موهبة تحتاج إلى رعاية وصقل". يذكر أن المحسن من مواليد القطيف، وعضو في جماعة الفن بالقطيف في مركز الخدمة الاجتماعية. وعضو في جمعية البحرين للفنون التشكيلية. مشارك في العديد من المعارض. وحضر عدداً من الدورات التدريبية والورشات الفنية في السعودية والولايات المتحدة الأميركية.