قوتنا الناعمة.. كرنفال بريدة للتمور مثالاً    لا للتهجير ولا للحصار.. موقف السعودية الثابت تجاه القضية الفلسطينية    فرنسا تهزم أيسلندا بعشرة لاعبين وتعزز حظوظها في بلوغ مونديال 2026    رقم غوميز يُقلق جماهير الاتحاد    الاتفاق يعزز هجومه بماتيا    مشروعات فنية تدعم مبادرة «مِنح العلا الثقافية»    احتجاج حجب مواقع التواصل يوقع 19 قتيلاً في النيبال    إسرائيل والحوثيون على أعتاب تصعيد جديد    مركز الملك سلمان إنسانية تصنع الفارق في سوريا    "لجنة الإعلام والتوعية المصرفية" ترفع الوعي المالي لدى منسوبي وزارة الرياضة    شراكة سعودية - صينية في صناعة المحتوى الإبداعي بين «مانجا» للإنتاج و«بيلي بيلي»    مصر ترفض الهيمنة الإثيوبية على النيل    سيرة من ذاكرة جازان: الدكتور علي مسملي    تدشين برنامج الزمالة في قيادة الحوكمة    الاثنين انتهاء حظر العمل تحت أشعة الشمس    اكتمال وصول الوفد الكشفي السعودي للمشاركة في الجامبوري العالمي للكشاف المسلم بجاكرتا    أمانة الشرقية تتصدر أمانات المملكة في مؤشر تحسين المشهد الحضري    رسالة من رونالدو إلى أوتافيو بعد رحيله عن النصر    قطر تنفي إبلاغها مسبقا بالهجوم الإسرائيلي    نائب أمير تبوك يستقبل مساعد وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية للخدمات المشتركة    حرس الحدود يحبط تهريب (5,580) قرص "إمفيتامين" في جازان    تعزيز الابتكار في خدمات الإعاشة لضيوف الرحمن    بي أيه إي سيستمز تستعرض أحدث ابتكاراتها في معرض DSEI 2025    مجلس الوزراء: نتائج الاستثمار الأجنبي المباشر تخطت مستهدفات 4 سنوات متتالية    استشهاد رجل أمن قطري في الهجوم الإسرائيلي على الدوحة    "حضوري" بين الانضباط الوظيفي والتحايل التقني.. حالات فردية تسيء للمنظومة التعليمية    اليوم العالمي للعلاج الطبيعي.. الشيخوخة الصحية في الواجهة    بدء فعاليات مؤتمر القلب العالمي 2025 يوم الخميس بالرياض    "البيئة والزراعة" تنفّذ ورشة عمل لتدوير المخلفات الزراعية في بقعاء    ‏أمير جازان يطّلع على التقرير السنوي لأعمال الجوازات بالمنطقة    نائب أمير تبوك يستقبل المواطن حمود الحويطي المتنازل عن قاتل شقيقه لوجه الله تعالى    أمير المدينة يفتتح ملتقى "جسور التواصل"    أمير جازان يستقبل رئيس جامعة جازان وأعضاء فريق قافلة طب الاسنان التوعوية الخامسة    مؤثرون ومشاهير    إعطاء أفضلية المرور يسهم في تحقيق السلامة المرورية    ولي العهد يلقي الخطاب الملكي في مجلس الشورى غدا    فييرا: "السعودية مركز عالمي للرياضات القتالية"    نائب أمير المنطقة الشرقية يعزي أسرة الزامل    موجز    بدء استقبال طلبات تراخيص«الحراسة الأمنية»    الجيش اللبناني ينتشر في الجنوب لضبط الأمن    محامي الفنانة حياة الفهد ينفي دخولها في غيبوبة    أنغام تشدو من جديد في لندن ودبي    تفاهم بين «آسان» و«الدارة» لصون التراث السعودي    طهران تشدد على ثوابتها الدفاعية.. غروسي: اتفاق وشيك بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية    أمير الكويت وولي عهده يستقبلان تركي بن محمد    الفرنسي «ماتيو باتويلت» يحمي عرين الهلال حتى 2027    في ختام معسكره الإعدادي.. الأخضر يرفض الخسارة أمام التشيك    دواء جديد يعيد الأمل لمرضى سرطان الرئة    140 ألف دولار مكافأة «للموظفين الرشيقين»    عندما يكون الاعتدال تهمة    إصبع القمر.. وضياع البصر في حضرة العدم    يوم الوطن للمواطن والمقيم    إطلاق المرحلة الثالثة من مشروع "مجتمع الذوق" بالخبر    وزير الحرس الوطني يناقش مستجدات توطين الصناعات العسكرية    صحن الطواف والهندسة الذكية    كيف تميز بين النصيحة المنقذة والمدمرة؟    تحت رعاية وزير الداخلية.. تخريج الدورة التأهيلية لأعمال قطاع الأمن العام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النشيج الوطني ! إلى دمشق وناسها
نشر في الحياة يوم 21 - 12 - 2012

تُزهر دمشق في خاطري، تفوحُ عطرَ مساءات عتيقة، حنينَ صداقات معتقة كنبيذ رهبان قدماء، بقايا قبلات ماطرة على قارعة الوداع، قصائدَ ألملمُ مجازها واستعاراتها من على شرفات القلوب وحفافي الوقت وشبابيك الصبر والانتظار.
لم أدخلها من"باب شرقي"ولا من باب غربي. لم أدخلها من دهاليز تواريخ مراوغة ولا من كواليس سياسات ماكرة، ما عرفتها يوماً في وجوه العسس ولا في عيون الحسّاد. دخلتها من باب القلب الواسع، من ممرات ضوئية وشوارع صديقة، من حارات ضيقة الأزقة فسيحة الذراعين، وصباحات مبلولة بندى المودة والاشتياق، وحكايا كفاح ونضالات راسخة أمست مكوناً عضوياً للوعي والجينات!
هذه دمشقي: امرأةٌ انتظرتها يوماً في ركن الدين، عانقتها في حديقة عامة/ أرى وجهها خلف الدخان. صديقةٌ حدثتني عن أسرار مدينتها/ أسمع صوتها في جوف الأزيز. شاعرٌ منحني وردة وقصيدة ولحظات مثمرة/ أقرأ كلماته على شاهدات القبور. كلُّ الذين صافحتهم في الطرقات، الحواري، الأسواق الدهرية، الموائد المنزلية، كلُّ الذين وهبوني دفء ابتساماتهم على خفر أو على عجل، أراهم وأسمعهم الآن في سمفونية النشيج الوطني العام.
هذه دمشقي: قاسيون مطلٌّ من عليائه على جموع البشر في سعيهم اليومي إلى لقمة مغمسة بتعب متوارث عن أسلاف ومحن. بردى الذي ما فاض إلاّ شوقاً وما جفَّ إلاّ كمداً. ياسمينٌ أخلى ساحاته خفراً من أسمنت حداثة لم تكتمل. قصائد ألقيتها على حرير المسامع في بهو لقاءات عذبة. نساء عرفتهن حبيبات وأخوات من ذهب محبة خالصة منزهة. أصدقاء يكنزون أحلامهم وأمنياتهم كأنها قرشهم الأبيض لأيام لم يتوقعها أحدٌ بهذه الدموية والأسى.
لن تحتضر مدينة عمرها من عمر الحواس. فقط ستختمر هذي الدماء والدموع، ينجلي قلق الليل عن صباح أشبه برذاذ على الوجه. وتعبق رائحة تراب تحت زخات مطر الحرية والحياة. سيطول قليلاً هذا المخاض، صرخات الطلق وآلام الولادة، حشرجة الريح في حناجر الشجر، نحيب الأمهات في سقسقة المياه، بكاء الأطفال تحت زينة الميلاد، خوف العاشقات وشغف العشّاق بأدوار البطولة.
لصبية الحارات بعضُ هذا الندى، لديكة الحرية صياحٌ أعلى، للغيمة المارة وجه مجدلية. نهارٌ نبويٌّ آخر وضجيج حياة أقوى من دوي العبوات الناسفة، ضحكات الأولاد السُّمْر أعلى من هدير الطائرات. ستولد نجمة في أحشاء الخوف، يرحل الظلاميون والقتلة، تتفتح ألف وردة وسط هذا الركام.
دمشق مشوبة الآن بالدم والدموع والبارود والدخان، دمشق الشهداء والشعراء والرسامين والنحّاتين والفنانين، دمشق الحرفيين المهرة والباعة البسطاء والناس الأوادم الطيبين،"التي تعرف عن نفسها ما لا نعرفه"فاروق يوسف، الحياة. أندلس الأصل، أو أصل الأندلس، لن تمضي نهب ريح صفراء، ولن تنكسر مثل بلورة تنبئ بجحيم، حتى لو بكاها قاتلوها وبائعوها والمتاجرون بدمها في نخاسة الأمم، ستنهض من موتها، تدحرج الصخرة، تعود أكثر فتنة ورحابة وحريةً وجمالاً مما قالها الأنبياء والشعراء:
أصواتُ أصحابي وعيناها ووعدُ غد يُتاحُ كل الذين أحببتهم نهبوا رقادي واستراحوا سعيد عقل
في دمشق ينامُ الغريبُ على ظلّه واقفاً مثل مئذنة في سرير الأبد، لا يحنُّ الى أحد أو بلد محمود درويش
هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والراحُ إني أُحبُّ وبعضُ الحُبّ ذبّاحُ
مآذنُ الشام تبكي إذ تعانقني وللمآذن كالأشجار أرواحُ
نزار قباني
شممتُ تربَك لا زُلفى ولا مَلقا وسرتُ في مقصدك لا خبّاً ولا مَذقاً
م. مهدي الجواهري
سلامٌ من صبا بردى أرقُّ ودمعٌ لا يُكفكفُ يا دمشقُ
أحمد شوقي
دمشقُ لا تختصرها أبجدية ولا معجمُ أشواق، لا يكفيها حبرٌ ولا دمعٌ، فما هي غير توقيع الله على كتاب التراب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.