بعد ست سنوات على إغلاقه، أعيد افتتاح أهم خزائن الحضارة البشرية"المتحف الوطني العراقي"، وسط تخوف علماء الآثار العراقيين ووزارة الثقافة من عدم جاهزيته لاستقبال الزوار فضلاً عن الوضع الأمني الذي يهدد ما تبقى من معروضاته بسرقة أخرى. وتجاهل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بافتتاحه المتحف العراقي أمس نصيحة مجموعة كبيرة من علماء الآثار العراقيين الذين وجهوا له رسالة قبل نحو أسبوع طالبوه فيها بعدم التسرع في الافتتاح. وأكد المالكي، في كلمة ألقاها في حفلة الافتتاح أن"الحكومة تتطلع إلى جعل المتحف العراقي في طليعة المتاحف العالمية وأن يكون محط أنظار الدارسين في المجال التاريخي". وعبّر المالكي عن شكره ل"كل الدول التي وقفت مع العراق لإعادة الآثار المهمة اليه"، مبيناً أن"متحفنا يحكي قصة الإنسان الأولى، ونحن نتحمل مسؤولية إدامة الإرث الحضاري للعراق". وأعرب عن اسفه لعمليات التخريب التي أصابت المتحف، موضحاً أن"الجهل والحقد على العراق هما سبب هذا التخريب. إنها موجة رعناء جاهلية مرت على العراق ولم يسلم منها حتى الإنسان لأن من يقتل الإنسان يخرب المتاحف والآثار والجسور". وكانت رسالة وجهها العلماء العراقيون الذين يعيشون في المهجر، بينهم رئيس هيئة التراث العراقي ومدير المتحف السابق الدكتور دوني جورج أكدت أن"تهيئة المجاميع الأثرية في المتاحف تتطلب على الأقل سنة كاملة من العمل الدقيق والمتأني، حتى إن كان ذلك في افضل الظروف". كما حذر العلماء ووزارة الثقافة العراقية التي ترى أن لها الأحقية في إدارته وقول الكلمة الفصل فيه"من أن الوقت لم يحن بعد لافتتاحه وذلك لأن الاحتياطات الأمنية اللازمة لم تتخذ للحفاظ على الآثار". وتعرض"المتحف الوطني العراقي"الذي تأسس عام 1923 الى السرقة مرتين، واحدة عام 1991 أثناء غزو النظام السابق للكويت، والأخرى عام 2003 خلال الاجتياح الأميركي للعراق. ويتناقل العراقيون قصصاً عن أن عصابات اللصوص كانت تسرق الآثار من المتحف أمام أنظار الجيش الأميركي الذي لم يتدخل لمنعها. وتمت سرقة اكثر من 15 ألف قطعة أثرية، استعيد نصفها، بحسب وزارة السياحة والآثار العراقية. ويعد"المتحف الوطني العراقي"، من بين أهم المتاحف في العالم لأنه يحكي تاريخ الإنسانية منذ العصور الحجرية وعصور ما قبل التاريخ، كما يحتوي على آثار الإنسان القديم وقطع أثرية تعود الى أكثر من عشرة آلاف سنة قبل الميلاد. وكان مكان المتحف عام 1923 في بناية القشلة، وتم نقله عام 1926 الى بناية خاصة في شارع الرشيد، لكن تزايد تدفق الآثار عليه جعل الحكومة العراقية في العهد الملكي تفكر في إنشاء مبنى اكبر، لذلك تم وضع تصميم خاص لبناية المتحف في منطقة الصالحية من جانب الكرخ في شارع يعرف اليوم بشارع المتحف. ووضع تصاميم البناية الحالية للمتحف مهندس ألماني، وبوشر بالتنفيذ عام 1957 واستمرت الأعمال نحو ست سنوات لتنتهي عام 1963، لكن الافتتاح الرسمي للمتحف تم عام 1966. ويعرض المتحف حقباً مختلفة من التاريخ تبدأ من عصور ما قبل التاريخ ومن ثم السومرية والآشورية والبابلية، والفترة الساسانية الفارسية وآخرها يعرض فترات الحكم الإسلامي. وتتألف بناية المتحف من طابقين و14 قاعة تحوي من 30 الى 35 خزانة، ويبلغ مجموع خزانات العرض في المتحف بأكمله 451، وتمت مراعاة التسلسل الزمني للحضارات في توزيع الآثار على قاعات العرض. ويضم الطابق الارضي 9 قاعات، في الاولى تماثيل من العصر الآشوري الجديد وفي الثانية تماثيل من العصر الكاشي"دولة بابل الثالثة"، وفي الثالثة بعض آثار العصرين الكاشي والآشوري الحديثين، وفي الرابعة قطع نمرود العاجية تعود الى مدينة كالح إحدى عواصم الآشوريين، وفي الخامسة آثار العصور الكلدانية، وفي السادسة آثار الفرثيين خصوصاً في مدينة الحضر، وفي السابعة الآثار الساسانية، وفي الثامنة والتاسعة الآثار الاسلامية. وأغلق المتحف عام 1991 ابان حرب تحرير الكويت، ونُقلت المئات من آثاره إلى طابق تحت الأرض في البنك المركزي العراقي وأدى هذا الإجراء الاحترازي إلى تضرر القطع المخزونة لارتفاع منسوب المياه الجوفية. وأعيد افتتاحه عام 2000 ثم أغلق في 2003 . نشر في العدد: 16762 ت.م: 24-02-2009 ص: 39 ط: الرياض