حسام بن سعود يشارك منتسبي إمارة الباحة احتفالهم باليوم الوطني    نائب أمير الشرقية: مشروعات البيئة والمياه تحقق التنمية الشاملة والمستدامة    النفط يرتفع 5 % أسبوعياً متجاوزاً 70 دولاراً للبرميل    معرض للتحول الصناعي 2025    «المناسبات الوطنية» محطات اقتصادية حيوية    121 سجلا تجاريا تصدر يوميا    تداول يخالف التوقعات ويغلق على تراجع 78 نقطة    «إسرائيل».. تناقش قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين    التحالف الإسلامي يطلق دورة تدريبية لتعزيز قدرات الكوادر اليمنية في مجال محاربة تمويل الإرهاب    المتطوعون يشاركون في احتفالات أمانة الشرقية باليوم الوطني    السلامة الغذائية    الهوية الوطنية «بدل مفقود» عبر أبشر    تقنية البنات بالأحساء تطلق المسابقة الوطنية للأمن السيبراني    مزاد نادي الصقور السعودي 2025.. خدمات متكاملة تعزز الموروث وتدعم الطواريح    تعيين د. منيرة المهاشير مدير للتعليم بالشرقية    أكثر من 53 مليون قاصد للحرمين خلال ربيع الأول    نائب أمير الرياض يستقبل وزير الشؤون الإسلامية    "الشؤون الإسلامية" تواصل جهودها التوعوية في الجعرانة    «سعود الطبية» تطلق ملتقى إدارة المشاريع والتحول الصحي    استشاري أورام: مستقبل القضاء على السرطان مشرق    الهلال يلاقي ناساف.. والأهلي أمام الدحيل    خالد ينقذ حياة شقيقه بكلية    الاتحاد يسرح بلان ويستنجد بخليفة    تمادي إسرائيل في حرب غزة ومقترح عماني يدعو لفرض العقوبات    إيران بين المواجهة والدبلوماسية بعد إعادة فرض العقوبات الأممية    العلا تستقطب زوارها من دول العالم    أزمة الحرب تتفاقم بتصعيد روسي وهجوم أوكراني    دوري المقاتلين المحترفين يختتم جولة نصف النهائي ونزالات الجولة النهائية في الشرقية    منتدى فكر بجامعة جازان يناقش الوسطية والانتماء    مدرسة ابتدائية مصعب بن عمير تحتفل باليوم الوطني ال95    الجوال أبرز مسببات الحوادث بالمدينة    حقيقة مفاوضات الاتحاد مع تشافي هيرنانديز    وزير العدل: التشريع في المملكة يرتكز على الوضوح والمشاركة المجتمعية    نائب أمير تبوك يكرّم مدير الشرطة السابق ويستقبل خلفه المعين حديثًا    بن شفلوت يرعى إحتفال اليوم الوطني في أحد رفيدة    جامعة الإمام عبدالرحمن أول سعودية تحصد الاعتماد الدولي من الكلية الملكية بكندا    المملكة ترأس جلسة أعمال المناقشة العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة    قرارات والهدف عقار الرياض    المعتمدون على أدوات الذكاء الاصطناعي أكثر استعداداً للكذب والخداع    الشرع: سورية عادت لمكانتها التاريخية الفاعلة بين الأمم    القادسية يعبر الفتح ويقفز ل «وصافة روشن»    16 باحثاً سعودياً ضمن قائمة الأفضل عالمياً    فسح وتصنيف 40 محتوى سينمائياً في أسبوع    السينما السعودية ب 5 أفلام في «مهرجان الإيبيرو»    بطولات كبرى شهدها ختام موسم سباقات الطائف 2025    «زاتكا»: 1511 حالة ضبط لممنوعات بالمنافذ الجمركية    وسط مساعٍ أمريكية لوقف الحرب.. 120 غارة إسرائيلية على غزة و52 قتيلاً    50 مليار ريال فرصاً استثمارية في التعليم    الاهتمام بتطوير التجربة الإيمانية لضيوف الرحمن.. «الحج» : التنسيق مع ممثلي 60 دولة للموسم القادم    بتكلفة تتجاوز 28.8 مليار.. أمير الشرقية يدشن ويضع حجر الأساس ل(122) مشروعاً    آرسنال في اختبار صعب أمام نيوكاسل    الملك عبدالعزيز الوحدة والمنهج    قطرات تقلل ألم مرضى الشبكية    خطر خفي لنقص سوائل الجسم    %20 استعادوا النبض بعد توقف القلب    دراسة: كبسولات صغيرة تسعى للحد من التهاب الدماغ    حماة البيئة    محافظ قلوة يرعى احتفال أهالي المحافظة باليوم الوطني ال 95    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القصة في عزلتها الجميلة
نشر في الحياة يوم 02 - 11 - 2009

لو حاولنا إحصاء الأدباء الذين لم يكتبوا سوى القصّة القصيرة، مؤثرين أن يُسمّوا"قاصين"، لبدوا قلّة قليلة في اللغة العربية كما في سائر لغات العالم. إنهم قلّة فعلاً أولئك الكتّاب الذين اكتفوا بهذا الفنّ الذي لا يزال شبه هجين وشبه مهدد دوماً أمام"زحف"الرواية التي تحتل"الساحة"الأدبية.
إذا بحثنا اليوم عن قاصّين صرفوا حياتهم لهذا الفنّ وحده، مكرّسين له أقلامهم ومخيلاتهم، على غرار ما فعل يوسف ادريس أو فؤاد كنعان ويوسف الشاروني وزكريا تامر ومحمود شقير، لما وجدنا إلا بضعة أسماء قد لا يجدي تعدادها. فما من كاتب بات يهمّه أن يُسمّى"قاصاً"فقط. قد تعنيه هذه التسمية لو هي أضيفت الى تسميات أخرى مثل: روائي أو شاعر ومسرحيّ. أما هذه التسمية بذاتها فلا تغري أحداً اليوم، وقد تعني تهميش مَن يحملها أو إقصاءه من المشهد الأدبي العام، لا سيما في هذا الزمن الذي يحلو لبعضهم أن يسمّوه زمن الرواية، متغاضين عن الشعر الذي لا زمن طارئاً أو عارضاً له ما دام هو روح الزمن الذي لا حدود له.
غير أن غياب صفة"القاص"لم تعنِ يوماً غياب القصة القصيرة عن المشهد الأدبي. فهذا النوع الذي يصعب"الإمساك"به أو أسره ضمن مواصفات أو مقاييس نهائية، يحتل المرتبة الثانية في تجارب الكتاب، روائيين كانوا أم شعراء أم مسرحيين. أصبحت القصة فناً ثانوياً أو لأقل فناً مرتبطاً بالأنواع الأخرى، يكمّلها ولكن لا يسبقها. ولعلّ طبيعة القصّة نفسها هي التي دفعتها الى أن تكون فنّ"البين بين"، فناً تتقاسمه الفنون الأخرى ولا تعترف به إلا بصفته"تابعاً". فالقصّة تنتمي الى عالم يمكن وصفه ب"المحتمل"أو"المفترض"وليس الافتراضي. إنها"تحكي"لكنها ليست بحكاية، تروي لكنها ليست رواية، وتقارب القصيدة من غير أن تنتمي الى الشعر... لم تستطع القصة يوماً أن تصبح نوعاً ثابتاً بمعاييره وشروطه، وربّما هنا تكمن فرادتها. إنها نوع مفتوح على احتمالات الكتابة نفسها. ومهما سعى النقاد الى حصر مواصفاتها أو شروطها التي باتت معروفة، فهي تظلّ غير قابلة للحصر، وقد اختلف النقاد أنفسهم حولها الى حد التناقض. هذه القصة القصيرة التي قد تطول حيناً وقد تقصر حيناً حتى لتصبح قصيرة جداً فلا تتعدّى الأسطر، ما زالت تحيّر النقاد والكتّاب أنفسهم الذين"أدمنوها"كفن ثانٍ أو ثانويّ. القصّة أعطت كلّ الفنون الأخرى، لا سيما الرواية والقصيدة، لكنّ هذه الفنون لم تعطها مقدار ذرّة ممّا أعطت. كم من قصة كانت منطلقاً لرواية، وكم من قصة استحالت قصيدة من قصائد النثر، وكم من قصّة كانت مادّة تجريبية لبناء نصّ مفتوح على المغامرة في اللغة كما في الشكل. ولعلّ ما يلفت أن القصة شهدت أقصى تجلّياتها على يد الروائيين أو الشعراء وكأنها صنيعهم الفريد. ولا يمكن بالطبع إنكار بضعة قاصين برعوا في بلورة الفن القصصي وفي منحه شرعيته وترسيخه كنوع مستقل. لكنهم قلّة وقلّة قليلة جداً إذا ما قيسوا بالروائيين الذين كتبوا القصة في ساعات فراغهم أو في أوقات انتظارهم"الإلهام"الروائي. وبدت قصص هؤلاء بديعة في أحيان، ورائدة بجماليتها ولحظويتها أو كثافتها، وبعنفها التعبيري وقدريتها. ولم يكن من الخطأ القول إن الروائيين هم الذين تولّوا فن القصة في القرن العشرين وطوّروه ووسعوا آفاقه: جيمس جويس، أرنست همنغواي، هنريش بول، غابرييل غارسيا ماركيز، إيتالو كالفينو، نجيب محفوظ، يوسف حبشي الأشقر، محمد البساطي وسواهم، وما أكثرهم حقاً... لكنّ هذه المقولة لا تقدر أن تلغي أسماء كبيرة انصرفت للإبداع القصصي دون سواه وكانت لها آثارها البديعة: ريموند كارفر الذي ابتدع قصّة غير مألوفة أميركياً، بورخيس الذي كتب الشعر على هامش القصّة، صادق هدايات الذي كتب القصة الطويلة، يوسف إدريس، فؤاد كنعان، يوسف الشاروني، زكريا تامر، محمود شقير وسواهم. ولا يمكن نسيان أسماء"مخضرمة"كان لها وقعها في عالم القصة القصيرة مثل: إدغار ألن بو وتشيخوف وغي دوموباسان وسواهم.
ولئن استطاعت الرواية اليوم، عربياً كما في العالم، أن"تعزل"القصة القصيرة وتخطف قراءها، فإن القصة ما برحت تملك حضورها اللامع ولعبتها المغرية، وما زال القراء يقبلون عليها ليعيشوا اللحظة السردية الكثيفة التي تصنعها وحدة الفعل أو الأثر، والتي تقوم على حدث واحد أو شخصية واحدة وعلى القليل من الوصف والسرد، وعلى الإبهام الذي تصنعه خطوطها المفتوحة على الواقعي والغرائبي والحلمي... ليست القصة بالفنّ السهل. إنها على خلاف ما توحي به، ضرب من ضروب الأدب الصعب، إما أن تنجح وإما أن تفشل. ليس من قصّة في منزلة الوسط. لا يمكن القصة أن تخفي عناصرها وأن تتحايل على قارئها وأن تتوارى خلف قناع الشخصيات أو في ظل الأحداث والوقائع كما تفعل الرواية، إنها تخاطب القارئ مباشرة، تخاطب رأسه أو ذكاءه، تخطفه منذ اللحظة الأولى أو لا. وقارئ القصة لا يشبه قارئ الرواية، هذا قارئ لا يصبر ولا يتمهّل ولا ينتظر طويلاً ولا يحابي نفسه... هذا قارئ بالبصيرة كما بالبصر، قارئ بعينه الداخلية القادرة على التقاط التماعات القصة وكثافاتها.
لا يمكن اليوم تجاهل حال"العزلة"التي تشهدها القصة القصيرة، لكن الحال هذه هي التي منحتها القدرة على الاستمرار وعلى مواجهة صعود الأنواع الأخرى. إنها حالة في صميم الأدب وخارجه في آن واحد، إنها الأدب في أرقى تجلّياته وأشفّها وأشدّها عرضة للأذى، لأنها الفنّ الذي يكاد يكون خالصاً بذاته لئلا أقول صافياً بذاته.
نشر في العدد: 17013 ت.م: 02-11-2009 ص: 32 ط: الرياض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.