فرض مصطلح إسلاموفوبيا نفسه على الكتاب والمعلقين والمحللين والباحثين في العلاقة بين العالم الإسلامي والغرب. ولأنه مصطلح حديث ومن نَحْت الغرب نفسه، أو بعبارة أدق، من إنتاج العقل الغربي المتوجس أصلاً خوفاًً من كل ما له صلة بالإسلام والمسلمين، فمن الطبيعي أن تتعدد التفسيرات لمدلولاته، بحسب الزاوية التي ينظر إليه منها. ولقد قدرت للأستاذ جهاد الخازن اهتمامَه بشرح مفهوم إسلاموفوبيا، في أول مقال له نشره في حلقات حول هذا الموضوع في النصف الثاني من الشهر الماضي. فقد وفق في قوله إن المصطلح يعني الذين يكرهون الإسلام والمسلمين. ولَفَت النظرَ بذكائه وفطنته، إلى وجود نوعين من هؤلاء"الأول يضمّ أعداء لأسباب إسرائيلية أو دينية أو أمبريالية جديدة، والثاني الذين يصدقونهم. والقضية في رأيي ذات صلة بمصطلح آخر طرح قبل سنوات، في غمرة الحملات التي انطلقت ضد العالم الإسلامي إثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول سنة 2001، وهو : حرب أفكار الذي يُراد بها ما عبر عنه الرئيس الأمريكي بوش بقوله حرب صليبية، وكان دقيقاً على غير عادته، في تعبيره هذا، وفي اختياره هذه العبارة التي هي المرادف الموضوعي لعبارة إسلاموفوبيا. ولقد قرأت في عدد أخير من مجلة نيوزويك 29 يوليو/تموز 2008، عبارات ختم بها المعلق السياسي إدوارد بنتين مقالاً له نشره بعنوان تغيّر المعتقدات في الخليج، قال فيها :"المفارقة هي أن موقف شبه الجزيرة العربية الأقل تشدداً، يأتي في وقت يزداد فيه الخوف من الإسلام في أوروبا". وهذا الوصف للموقف الغربي من الإسلام والمسلمين الذي يختزل في عبارة الخوف من الإسلام، ينطبق تماماً على هذه الظاهرة التي باتت تتفاقم بشكل يهدد العلاقات بين العالم الإسلامي والغرب، مما سيكون له تأثيرات بالغة السوء على مجمل العلاقات الدولية، على اعتبار أن أي خلل يطرأ على علاقات دول العالم الإسلامي مع الدول الغربية عموماً، ينعكس حتماً على التوازن الدولي، بحيث يخل به على نحو يهدد الأمن والسلم الدوليين. وليس للخوف من الإسلام في الغرب مصدر واحد، فثمة مصادر كثيرة تتراكم على مستويات عديدة، فتفرز في مجموعها، مشاعرَ الكراهية والعنصرية والتعالي والتمييز تجاه كل ما له علاقة بالإسلام عقيدة وثقافة وحضارة وبشراً وتاريخاً وجغرافية. وهذه المشاعر غير السوية، هي التي تتسبّب في إثارة الخوف من الإسلام بحسبانه خطراً مزعوماً يهدد الغرب في أمنه واستقراره، وفي هويته وثقافته، وفي خصوصياته المدنية والحضارية. ولا أقول الخصوصيات الدينية، لأن الاتحاد الأوروبي فشل حتى الآن في إثبات المرجعية المسيحية لأوروبا في نص الدستور الأوروبي الذي لم يعتمد حتى الآن، واستعيض عنه بوثيقة لشبونة التي تخلو هي الأخرى من العنصر الديني. ولكن الواقع الذي يفرض نفسه في الغرب، هو أن للدين تأثيراً في حياة الأفراد والجماعات من الشعوب الأوروبية والأمريكية بخلاف الصورة التي تنتشر في العالم الإسلامي عن الغرب. ولذلك فإنّ الخوف من الإسلام يسود قطاعات واسعة من هذه الشعوب، ويزيد في إذكاء هذا الشعور، الحملات الإعلامية التي يقف وراءها أعداء السلام الذين هم النوع الأول من فئة الكارهين للإسلام والمسلمين، حسب التصنيف الذكي الذي أورده الأستاذ جهاد الخازن، والذي يضم أعداء لأسباب إسرائيلية أو دينية أو إمبريالية جديدة. ولا يمكن أن نغفل في هذا السياق، عن أن من مصادر تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا ما يصدر عن العالم الإسلامي على مستويين اثنين"أولهما تفشي الغلوّ والتطرف والتعصب والفهم العقيم لأحكام الإسلام ولمبادئه ولتعليماته، وهي ظاهرة ليست هينة، لها امتداداتها واختراقاتها وانعكاساتها على صورة الإسلام في الداخل والخارج. وثانيهما ما تمارسه فئات من أبناء المسلمين من جرائم تحرّمها الأديان وتجرّمها القوانين، مما يدخل تحت دائرة الإرهاب الذي ينظر إليه باعتباره إرهاباً إسلامياً. وهذه نظرة خاطئة قاصرة، وتوصيفٌ بعيدٌ عن حقيقة الأمر"فلا يوجد دين من الأديان إرهابيّ، فالدين لا يحثّ على الإرهاب ولا يدعو إليه، بل يرفضه ويحرمه ويرى فيه عدواناً على النفس البريئة وفساداً في الأرض. إن ظاهرة الخوف من الإسلام في الغرب، هي من الظواهر الجديدة التي اقترنت بتصاعد موجة العنصرية والكراهية للإسلام، فهي صناعة إعلامية وبضاعة سياسية، تضافرت في تضخيمها جهود دوائر كثيرة معادية للإسلام والمسلمين،، وقد أراد بها مروجوها والمشاركون فيها تشويه هذا الدين الحنيف، لأغراض سيئة ودوافع شريرة، لعل أبرزها الحدّ من انتشار الإسلام الذي شهد في الربع الأخير من القرن العشرين، ولا يزال يشهد، وسيبقى يشهد اتساعاً كبيراً وإقبالاً متزايداً على اعتناقه في شتى القارات، والدافع الثاني هو الخوف من تأثيرات العالم الإسلامي في السياسة الدولية، بسبب القضايا العادلة التي تدافع عنها الأمة الإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي سخّر أعداء الإسلام والحق والسلام، كل إمكاناتهم الإعلامية والسياسية لطمسها والتعتيم عليها وتحريفها عن مسارها. ولما كان لوسائل الإعلام ذلك الدور المؤثر في تشويه صورة الإسلام والمسلمين، فإن من الوسائل الفعالة لمواجهته، استخدام الأساليب والطرق الكفيلة بإبراز الصورة الحقيقية للإسلام، ونشرها في العالم كله، واستثمارها في معالجة ظاهرة الخوف من الإسلام، بما يبطل دعاواها ويفند شبهاتها ويدحض أباطيلها، ومما يقتضي مقارعة الحجة بالحجة، ومواجهة الإعلام المزيّف للحقائق، بالإعلام الصادق النزيه الموجَّه لخدمة الحقيقة ونشر الوئام والتفاهم والتعايش والسلام بين الأمم والشعوب. ولقد اهتممنا في المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة بدراسة هذه الظاهرة، فعقدنا ندوة في مدينة حلب بمناسبة الاحتفال بها عاصمة للثقافة الإسلامية في سنة 2006، عالجت موضوع : دور الإعلام في إبراز صورة الإسلام ومعالجة ظاهرة الخوف من الإسلام. واهتمت هذه الندوة ببحث موضوعات تتصل بدور الإعلام في إبراز صورة الإسلام في العالم، ومعالجة ظاهرة الخوف منه، من خلال مراجعة الصورة المشوهة للإسلام والمسلمين في الغرب، وتحليل أبعاد الرؤية الإعلامية لبعض المنابر الإعلامية الغربية والوقوف على خلفياتها، وبحث دور الصحافة في تصحيحها بالمنهج السليم، ومناقشة طرق تقديم المعلومات الصحيحة عن الإسلام وثقافته وعن الشعوب الإسلامية، وتفعيل وسائط الاتصال بما فيها البث الفضائي لخدمة هذه الأهداف النبيلة. وصدر قبل أيام كتاب يضم أوراق هذه الندوة والبحوث التي قدمت فيها، وزّعناه على أوسع نطاق. ولست أنكر أن معالجة ظاهرة الإسلاموفوبيا تبدأ من الداخل وقبل الخارج، لأن هذه الظاهرة إنما هي انعكاس لما يجري في العالم الإسلامي"ففئات من المسلمين هي التي تعطي المبررات حتى تتفاقم هذه الظاهرة وتنتشر فتصبح خطراً محدقاً بالإسلام والمسلمين وليس بالغرب. ولذلك يتوجب الاهتمام بتصحيح الصورة من الداخل بترشيد الأوضاع وإصلاح ما يتطلب الإصلاح، والعمل على نشر ثقافة التسامح الإنساني التي هي جوهر الدين. وبذلك يتم تحجيم ظاهرة الإسلاموفوبيا، وحصرها في أضيق الحدود. ولذلك يتعين أن تتضافر جهود الجميع لعلاج مصادر هذه الظاهرة بكل أبعادها. * المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة إيسيسكو.