لم يأبَه روّاد قلب بيروت التجاري من لبنانيين مقيمين ومغتربين وسياح عرب وأجانب، ولو كان عدد الأخيرين قليلاً، لما يجري على بعد أمتار منهم تحت قبة البرلمان، حيث يجتمع النواب لإعطاء الحكومة الجديدة ثقتهم، وللمرافعات الصاخبة التي طبَعت ساعات من هذه الجلسات وضجّت بها القاعة. فهم نزلوا إلى الوسط وتمترسوا على كراسي المقاهي والمطاعم طوال ساعات الجلسات، وخنقَت دردشات الرواد وضحكاتهم صخب المجلس، لأنهم رفضوا أن يفوّتوا مزيداً من الوقت في صيف تردّد في انطلاقه بزخم بعد اتفاق الدوحة وانتخاب رئيس للجمهورية، في انتظار اختتام الحلقة الأخيرة من التسوية السياسية المتمثلة بتشكيل الحكومة. ولأنهم أيضاً مطمئنون إلى أن الاستقرار تثبّت، لذا كانت الجلسات تغرّد في خارج سرب اهتمامات اللبنانيين المغتربين الذين أتوا بأعداد كبيرة لتمضية الصيف في لبنان، والسياح العرب وتحديداً الخليجيين الذين اشتاقوا إلى مصايف لبنان، واللبنانيين المقيمين الذين سئمت غالبيتهم ما فُرض عليها على مدى السنوات الثلاث من معارك سياسية وهزّات أمنية. وسأل كثر عن جدوى انتقال السجالات إلى داخل البرلمان، طالما توافق الأطراف على البيان الوزاري، وطالما لم تغفل التصريحات منذ إعلانه عن تأكيد نيله ثقة لا سابق لها. صيف 2008، على رغم تأخّر انطلاقته، سيكون أكثر من ممتاز، بحسب أهل قطاع السياحة، وأجمع كثر منهم على أنه سيتخطّى ما شهده صيف 2004، فالأرقام التقديرية الأولية تشير إلى 700 ألف سائح في هذا الموسم بين لبنانيين مغتربين من الذين هاجروا منذ سنوات طويلة وخلال سنوات الأزمة الأخيرة، ورعايا عرب. وربما يصحّ هذا الرقم، إذ تترجم الحركة في المناطق وعلى الطرق هذه التوقعات، فالمنازل والشقق المفروشة والفنادق محجوزة بالكامل، وانقطعت السبل بأصحاب منازل ومساكن لبنانيين في بعض مناطق الاصطياف، فاضطر بعضهم إلى فتح منازلهم للضيوف والانتقال للعيش لدى أقارب لهم، وتصرّف آخرون بتأمين أماكن إقامة للمصطافين في مناطق مجاورة. وتزدحم الطرق بسيارات تحمل أرقاماً من دول الخليج أو الدول المجاورة. كما تدلّ حركة الإقلاع والهبوط على مدرج مطار رفيق الحريري الدولي في تموز يوليو تحديداً على هذا الازدحام السياحي. إذ أشارت إحصاءات المديرية العامة للطيران المدني التي حصلت عليها"الحياة"، إلى أن المعدل الوسط لحركة الهبوط اليومي وصل إلى 73.2 رحلة، والإقلاع 72.7 رحلة، فيما بلغ عدد الواصلين الإجمالي على مدى الشهر الى 283927 مسافراً، في مقابل 197298 في تموز 2007، وغادر 197814 مسافراً في مقابل 151335 في الشهر ذاته من العام الماضي. ووصل المعدل الوسط لعدد المسافرين الواصلين يومياً الشهر الماضي نحو 9 آلاف والمغادرين نحو 6 آلاف. وبلغ العدد الإجمالي للواصلين والمغادرين 485769 منهم 4028 مسافر ترانزيت، في مقابل 355729 مسافراً منهم 7096 ترانزيت في الشهر ذاته من العام الماضي، بزيادة نسبتها 36.56 في المئة. وأظهرت إحصاءات وزارة السياحة أن عدد السياح الواصلين إلى لبنان في الشهور الستة الأولى من العام الجاري بلغ 473574، مقارنة ب 412041 في المدة ذاتها من العام الماضي. أصحاب القطاع السياحي والمستثمرون فيه، أجمعوا على ارتياحهم لما انتهت إليه التسوية السياسية، لأن الاستقرار السياسي والأمني هو"الأوكسجين الذي يتنفسّه لبنان"، بحسب ما أكد رئيس نقابة أصحاب الفنادق في لبنان بيار أشقر ل"الحياة". فلبنان لا يحتاج إلى حملات دعائية للتعريف عن ميزاته التفاضلية في طبيعته ومناخه وضيافته المميزة لاستقطاب المغتربين والسياح العرب، فهم يحفظونه ظهراً عن قلب، بل إلى حملات لديمومة استقراره وإشاعتها في الخارج. وأكد أشقر أن لبنان"أظهر أنه وجهة سياحية فعلية وثابتة للأخوان العرب والمغتربين اللبنانيين، ويكنّون له شوقاً بعدما هجروه منذ حرب تموز يوليو 2006". وأشار إلى أن الحجوزات من منتصف تموز الماضي ارتفعت من 75 في المئة إلى 85 في بيروت، ومن 50 في المئة خارج بيروت إلى 70"، وكشف أن"الحجوزات في آب أغسطس الجاري هي مئة في المئة". وأوضح أن"الوضع الآن أفضل من العام الماضي، وأكثر بكثير من الوضع الذي كان سائداً قبل اتفاق الدوحة إذ كانت تداعياته سلبية جداً، وكانت الحجوزات خلال تلك الفترة دون 20 في المئة". وشدد على أن"قدرة لبنان كوجهة سياحية هي أكبر، إذ في إمكاننا تغطية نسبة إشغال تصل إلى مئة في المئة في بيروت والجبل، وهي كانت تبدأ بنسبة 80 في المئة في أيار مايو في سنوات الاستقرار". ورأى أن الموسم"تأخّر نسبياً هذه السنة بسبب التأخير في تشكيل الحكومة، لأن الزخم النهائي للموسم هو في تشكيلها". وعن حجم الخسائر، قال أشقر أنها"لم تعد تُحصى"في القطاع الفندقي والشقق المفروشة، لافتاً إلى أنه"أكبر القطاعات الخاسرة، بعكس قطاع المطاعم الذي ازدهر بفعل الاستهلاك المحلي الذي يشكل دوراً أساساً في ذلك، نظراً إلى نوعية الحياة في لبنان، إذ بات اللبنانيون في غالبيتهم يأكلون في المطعم أو يطلبون إلى المنازل". وأشار إلى أن"300 مطعم جديد فتح في بيروت الكبرى بين العامين 2006 و2007، من دون أن نغفل أن مطاعم عدة في وسط بيروت أفلست وأقفلت بفعل الأزمة السابقة". وأعلن أن القطاع الفندقي"خسر مداخيل بقيمة 286 مليون دولار في حرب تموز حتى نهاية 2006، فضلاً عن الخسائر التي سجلها خلال 2007 وفترة الأزمة خلال العام الجاري أي قبل اتفاق الدوحة، وقد انعكست على أوضاع المؤسسات في شكل سلبي جداً". وأمل في أن"يعوّض الموسم الحالي المبشّر بأرقام كبيرة في عدد السياح هذه الخسارة، مع العلم أن غالبية هؤلاء يملكون منزلهم الخاص"، لافتاً إلى"30 ألف شقة مباعة إلى الأخوان العرب". وأوضح أن القطاع"يحتاج إلى أربع سنوات أخرى، تفوق خلالها نسبة التشغيل نسبة 65 في المئة كمتوسط على مدار السنة"لتعويض هذه الخسائر، إذ تُضاف اليها"الزيادة في تكلفة التشغيل بسبب الغلاء". وعن تصنيف لبنان في كلفة السياحة، أكد أشقر أنه"لا يزال حتى اليوم يجلب قسماً كبيراً من السياح، إذ قياساً الى نوعية الخدمات، يظلّ الأفضل والأرخص في إقليمنا السياحي، أي بين تركيا وقبرص ومصر ودبي بنسبة 50 في المئة". وأعلن رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي في لبنان بول عريس أن المطاعم"تعمل في شكل كثيف في المناطق اللبنانية كلها". وأمل في ظل الاستقرار السياسي أن"تعوّض المواسم الحالية والمقبلة، وهي خلال شهر رمضان وأعياد الفطر والأضحى والميلاد ورأس السنة، ما خسرناه في السنوات السابقة". وإذا كانت المطاعم رفعت الأسعار تماشياً مع الارتفاع العالمي، لفت إلى أنها"لم تزد في شكل يوازي ارتفاع كلفة التشغيل والمواد الأولية". وأكد أن الأسعار في لبنان"لا تزال أرخص من الدول العربية والخليجية، بحسب ما يقول السياح العرب، خصوصاً أن هناك خيارات كثيرة في المستويات وخدمة ممتازة". وأكد رئيس نقابة أصحاب وكالات السفر والسياحة جان عبود أن الحركة"ناشطة جداً"، مشيراً إلى أن مطار رفيق الحريري الدولي"يشهد يومياً 80 حركة إقلاع و80 حركة هبوط، ويسجل وصول 10 آلاف مسافر". وتوقع أن"تسجل الشهور الثلاثة قدوم نحو 700 ألف زائر"، إذ أكد أن"الحجوزات خلال الشهر الجاري واعدة وتصل في الفنادق إلى 90 في المئة، كما أن قطاع تأجير السيارات محجوز بالكامل". وكشف أن نشاط وكالات السفر"ازداد بين 30 و40 في المئة عن العام الماضي"، لافتاً إلى"تطور في حركة السفر الصادرة، إذ أن الحجوزات على رحلات تشارتر منذ الأسبوع الأول من تموز وحتى منتصف أيلول، كاملة، وتنطلق أسبوعياً ثلاث رحلات كاملة". بحمدون المحطة وذكر رئيس بلدية محطة بحمدون إسطا أبو رجيلي، أن"المؤشرات للموسم الحالي تدل على تخطيه المواسم السابقة خصوصاً موسم 2004، سواء بعدد السياح الخليجيين أوالحجوزات في الفنادق والشقق المفروشة في المنطقة". وأشار إلى أن في المنطقة"ثمانية فنادق محجوزة مئة في المئة وكذلك الشقق المفروشة، ويصعب إيجاد شقة فارغة، ما حدا ببعض أصحاب هذه الشقق إلى حجز شقق ومنازل للسياح في قرى مجاورة، كما أُجّرت منازل انتقل أصحابها للإقامة لدى الأقارب، وقد فُتحت منازل لم تُفتح سابقاً". واعتبر أن محطة بحمدون"تستقطب السياح من كل المناطق فتضيق بهم شوارع المنطقة من الازدحام، ويمكن ملاحظة صفوف طويلة أمام أجهزة الصراف الآلي، فيما تقفل المحال التجارية التي تعتبر سابقة، فجراً وعلى مضض". ولاحظ أبو رجيلي أن"الحركة السياحية التي تعدّ سابقة، انعكست على القطاع العقاري أيضاً في المنطقة، فباتت ترتفع الأسعار يومياً قبل الظهر وبعده، وكأنها مزايدة". وأوضح أن السياح الخليجيين الذي"كانوا يزورون لبنان للمرة الأولى لم يكونوا يقررون تملك مسكن في لبنان في زيارتهم الأولى، ولكن هذه السنة تبدّل الوضع وباتوا يشترون لأنهم يعتبرون ذلك استثماراً في ضوء تطور الأسعار". 35 في المئة حصة"ميدل إيست" وأكد رئيس الدائرة التجارية في شركة طيران الشرق الأوسط ميدل إيست نزار خوري ل"الحياة"، أن الحركة خلال الموسم الجاري"ستتخطى ما سُجل في الأعوام السابقة وتحديداً في 2004، التي شكلت أهم السنوات السياحية". ولاحظ إلى جانب"مجيء السياح للإقامة والاصطياف، تسجيل رحلات قصيرة لسياح خليجيين ومستثمرين أو رجال أعمال لتمضية عطلة نهاية الأسبوع، مع تكرارها وليس لمرة واحدة". وأعلن أن الرحلات على كل شركات الطيران"محجوزة حتى الأسبوع الأول من أيلول سبتمبر المقبل". وكشف أن حصة"ميدل إيست"من حركة المطار"تصل إلى 35 في المئة". الرحلات البحرية غاب لبنان وتحديداً مرفأ بيروت كلياً هذه السنة عن خريطة السياحة البحرية، بعدما حقق ذروتها في 2004، إذ تحتاج الشركات المتخصصة بهذه الرحلات إلى ستة شهور على الأقل للتحضير وإدراج الوجهة على برامج رحلاتها. ولفت رئيس غرفة الملاحة الدولية في مرفأ بيروت إيلي زخور في حديث الى"الحياة"، إلى"توقف الرحلات البحرية التي كانت تُنظم إليه في 2007 و2008، بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية التي كانت متأزمة في البلاد"، عازياً السبب المباشر إلى أن الشركات التي"تؤمّن هذه الخدمات تضع برامجها قبل ستة شهور على الأقل من موعد انطلاق الموسم". وقال:"حبذا لو تجاوب المسؤولون مع تمنيات الشعب اللبناني بإيجاد التسوية التي توصلوا إليها متأخرين، ما عطّل هذه الحركة، التي كنا نأمل في أن تكون جيدة، نظراً إلى ما تضخه من موارد مالية في خزينة الدولة والأسواق اللبنانية". وزاد:"كانت لنا تجربة ناجحة قبل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، إذ كانت إحدى الشركات السياحية التي تحتل إحدى المراتب الخمس الأولى في العالم، باشرت في تأمين هذه الخدمات إلى مرفأ بيروت بواسطة سفن تتسع لأكثر من 1500 سائح غالبيتهم من أوروبا، وكانت هناك رحلة كل 14 يوماً". وكشف أن المفاجأة الكبرى تمثلت في إعجاب السياح بجمال الطبيعة في لبنان والخدمات الجيدة التي أمنتها لهم السلطات الموجودة في المرفأ، سواء كانت مرفأية أو جمركية أو أمنية، خصوصاً الأمن العام الذي كان يمنحهم إذناً بالدخول إلى البلاد مسبقاً، بحيث كانوا يغادرون الباخرة فور رسوها. كما كانت تقارير قبطان الباخرة تؤكد أن هذه الخدمات هي الأفضل والأسرع بين المرافئ المجاورة في حوض البحر الأبيض المتوسط". وكشف أن محطة الركاب في مرفأ بيروت"ستكون جاهزة في 2009 لاستقبال السياح بعدما أجرت شركة إدارة واستثمار مرفأ بيروت مناقصة لتأهيلها".