تحوّل متحف "الدستور الوطني" الأميركي في مدينة فيلادلفيا مرة أخرى الى شاهد على المنعطفات السياسية في تاريخ الولاياتالمتحدة، باحتضانه ليل الأربعاء مناظرة ساخنة بين الديموقراطيين هيلاري كلينتون وباراك أوباما الساعيَين الى الفوز بترشيح الحزب لخوض معركة الرئاسة، زايدا فيها على الانسحاب من العراق والدفاع عن اسرائيل، فيما ركز النقاش على الفضائح الأخيرة التي طاولت المرشحين والأزمة الاقتصادية، وظهر فيها أوباما مرتبكاً وفي موقع دفاعي، من دون أن تحقق كلينتون نقاطاً ذهبية تعيد تحكمها بالسباق، عشية معركة بنسلفانيا الحاسمة. ومن مربع الاستقلال في فيلادلفيا، حيث تم صوغ الدستور الأميركي وإعلان استقلال الولاياتالمتحدة عن بريطانيا في العام 1776، تواجه كلينتون وأوباما في مناظرة تلفزيونية على شبكة"إي بي سي"، وقبل أربعة أيام من انتخابات بنسلفانيا والتي تحتاج كلينتون الى الفوز بها لتبرير بقائها في السباق. وطغت أجواء التشنج والتباعد على المناظرة منذ اللحظة الأولى، مع رفض المرشحين التعهد باختيار أحدهما الآخر في حال خسارته منصب نائب رئيس، ليطيلا بذلك أمد المعركة والأزمة الانتخابية الى حين موعد المؤتمر الحزبي في آب أغسطس المقبل. وأجمع المراقبون الانتخابيون، مثل تشاك تود شبكة"أن بي سي" وكريس سيليزا صحيفة"واشنطن بوست" على أن المناظرة كانت"الأسوأ حتى الآن لأوباما"، الذي واجه أسئلة صعبة من المقدمين شككت في وطنيته، واستحضرت علاقته بشخصيات أميركية يسارية متطرفة، وتصريحاته الأخيرة المتقدة تجاه الطبقة العاملة. وبدا أوباما في موقع دفاعي بالرد على علاقته بالقس جيراميا رايت، أو شخصيات أخرى انتقدت السياسة الأميركية وبررت اعتداءات 11 أيلول سبتمبر 2001، كما سئل المرشح الافريقي - الأميركي عن تحاشيه وضع زر العلم الأميركي على بزته، وهو ما برره بالقول إن التعبير عن انتمائه الوطني هو ب"أفعاله"وليس بتعليق الزر. وجاءت معظم الأسئلة حيال"السجال السياسي بين المرشحين وليس سياساتهما"كما استخلصت صحيفة"واشنطن بوست". وأكد المرشحان أمس أولوية الانسحاب من العراق، بمعدل كتيبة كل شهر أو شهرين مع كلينتون، أو انسحاب كامل خلال 16 شهراً في حال فوز أوباما. ورأى المحلل السياسي ديفيد غرغن المسؤول السابق في ادارة بيل كلينتون، أن التزاماً كهذا سيوقع الديموقراطيين في مأزق في الانتخابات العامة أو في حال فوزهم لاحقاً، لأنه"يقوّض خياراتهم السياسية ومن الصعب الالتزام بتعهد كهذا". واعتبر غرغن أن الهدف يميل أكثر إلى"استرضاء الناخب"وليس الى رسم جدي للاستراتيجية الأميركية المقبلة. الدفاع عن إسرائيل ولأن اليهود الأميركيين يشكلون شريحة نافذة من الناخبين في ولاية بنسلفانيا، زايد كل من أوباما وكلينتون في الدفاع عن اسرائيل، في سؤال عن احتمال تعرضها لأي هجوم ايراني. وقال اوباما إن هجوماً مماثلاً يستهدف"الحليف الأقوى"لواشنطن في المنطقة، وهو"غير مقبول ويستدعي الرد". وأعقبت كلينتون بالتلويح ب"رد ضخم"في حال استهدفت تل أبيب، واقترحت تشييد"مظلة رادعة"لاحتواء الخطر الايراني، تضم"دولاً اخرى في المنطقة"، مثل السعودية والإمارات والكويت. وفيما أكد أوباما أن سياسته حيال ايران ستكون سياسة"العصا والجزرة"، قالت كلينتون انها ستباشر مناقشات مع الايرانيين"على مستوى عال". وأوضحت:"لن ألتقي بالتأكيد الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد"وأنه"ليس الشخص الذي يجب ان تتاح له فرصة الاجتماع معي في البيت الابيض". وأجمع المراقبون على أداء أوباما السيئ في المناظرة، من دون أن يعني ذلك فوزاً لكلينتون التي تعاني أزمة صدقية مع الناخب الأميركي، وتتراجع في استطلاعات الرأي الوطنية لانتهاجها استراتيجية سلبية تنال من رصيد أوباما. ويتقدم أوباما على كلينتون بنسبة 136 مندوباً وجمعه 1641 مندوباً، انما يبتعد كلاهما من نسبة ال 2025 مندوباً المطلوبة للفوز بلقب الحزب الديموقراطي. ويبقى على السباق الديموقراطي اليوم تسع ولايات في الفترة المتبقية قبل بداية الصيف، وحيث ستحاول كلينتون الفوز لتقليص الفارق مع منافسها. وتتقدم كلينتون في كل من بنسلفانيا وأنديانا وبويرتو ريكو المنتظر أن يصوتوا في الشهرين المقبلين، فيما يتقدم أوباما في كارولينا الشمالية. الا أن معادلة كهذه ستترك عملية اختيار الفائز باللقب للمندوبين الكبار في الحزب من نواب وشخصيات مرموقة عددها 800 وستجتمع في المؤتمر الحزبي في آب أغسطس في كولورادو لحسم السباق الأول في تاريخ الحزب منذ 1968. في غضون ذلك، أعرب نجم الروك الشهير بروس سبرينغستين عن دعمه أوباما. ونشر سبرينغستين على موقعه على الإنترنت ان أوباما يتحدث إلى أميركا التي غنى لها طوال 35 سنة". وكتب سبرينغستين:"سمعت ما يكفي لأعرف أين أقف، فالسناتور أوباما في رأيي هو الرأس والكتفان". كما أعلن مغني الكانتري الأميركي توبي كيث أنه يدعم المرشحين الديموقراطيين للرئاسة الأميركية.