كانت الجامعات الأوروبية والأميركية حتى الأمس القريب في مقدم الوجهات الأكاديمية للطلاب العرب. وكانت الشهادات التي يحصلون عليها مثار فخر واعتزاز إذ توفر لهم عودة مضمونة الى أوطانهم وتؤهلهم بسهولة لارتقاء المناصب العليا. تلك مرحلة خلت اضطر بعدها العديد من الطلاب العرب، الى تغيير مسارهم التعليمي عن الدول الأوروبية والأميركية إزاء تشددها في إجراءات الهجرة بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر، وتحولهم عنها باتجاه بلدان اكثر تسامحاً منها كندا التي كانت ولا تزال تستقطب أعداداً من الطلاب العرب الموفدين من قبل حكوماتهم او من الذين يتابعون دراساتهم الجامعية على نفقتهم الخاصة. ويبلغ عدد الطلاب العرب في جامعات مونتريال، بحسب إحصاءات القنصليات العربية، نحو 10 آلاف طالب وطالبة. وفي هذا السياق يبدو ان مونتريال هي الضالة المنشودة لهؤلاء جميعاً اكثر من اي مدينة كندية أخرى. فهي العاصمة الثقافية لكندا والمدينة الجامعية بامتياز لوفرة جامعاتها الفرنكوفونية والانغلوفونية على السواء ولمكانة شهاداتها العالمية التي تستجيب لحاجات الطلاب الأكاديمية والعلمية والتقنية والتكنولوجية وغيرها. جامعيون محظوظون ويمكن تقسيم الطلاب العرب في جامعات مونتريال الى فئتين: طلاب ترعاهم حكوماتهم وهم المحظوظون على مختلف المستويات، وآخرون يتركون لقدرهم، يقلعون أشواكهم بأيدهم ويكابدون مر الغربتين. فالفئة الأولى تضم ما يسمى"البعثات التعليمية"اي الذين ترسلهم حكوماتهم على نفقتها الخاصة بموجب عقود تحدد لهم مسبقاً مجالات التخصص في هذا الفرع او ذاك تبعاً لحاجة البلاد ووفقاً لمخططاتها الإنمائية، وتضمن توظيفهم لدى تخرجهم في مرافقها العامة مقابل إلزامية العودة الى أوطانهم. وعلى سبيل المثال يشكل الحائزون منحاً حكومية من بلدان الجزائر وتونس والمغرب بين 3 و6 في المئة من مجموع طلاب المغرب العربي الذين يربو عددهم على 3 آلاف طالب وطالبة بينهم 54 في المئة يدرسون على نفقتهم الخاصة. ويتوزع افراد تلك البعثات على الشكل الآتي: 22 في المئة اناثاً و78 في المئة ذكوراً، و 20 في المئة يحملون الجنسية الكندية 26 في المئة هم مقيمون دائمون 27 في المئة يتابعون شهادة الليسانس و31 في المئة الماجستير و 29 في المئة الدكتوراه و13 في المئة شهادات أخرى. وهذه الأرقام مستقاة من دراسة إحصائية أنجزها عبدالرحمن الفولادي أحد الأساتذة الجامعيين المغاربة في جامعة كيبك في مونتريال - اوكام. ويندرج ضمن هذه الفئة أيضاً الطلاب الذين يستفيدون من برنامج التعاون الثقافي المعقود بين حكومات المغرب العربي وحكومة كيبك في إطار المنظومة الفرنكوفونية والذي يقضي بتخفيض نفقات التعليم الجامعي من نحو 30 ألف دولار الى نحو 7 آلاف في السنة، ويعاملون كالكيبيكيين لجهة الضمانات الاجتماعية والصحية. وتصل نسبتهم الى حدود 9 في المئة من مجموع الطلاب المغاربة. اما بعثات الطلاب الوافدين من الخليج العربي، فلا يتجاوزون بضع مئات، وهم الأكثر حظاً من الجميع لجهة تكفل حكوماتهم بكل ما يحتاجونه من نفقات التعليم والسكن والإقامة والتنقل مقابل العودة الإلزامية الى أوطانهم وعدم اكتساب الجنسية والزواج من كنديات. ويبرر أحد القناصل الخليجيين في مونتريال هذه المحظورات بقوله:"بلدان الخليج في حاجة الى جميع أبنائها من اجل ملء الوظائف الشاغرة التي تتطلبها النهضة الخليجية المعاصرة من جهة، كما تربأ بخريجها الجامعيين من ان يعانوا كغيرهم من هواجس الفقر والحاجة والهجرة من جهة ثانية". وعلى سبيل المثال كانت دولة البحرين منذ بضع سنوات تخصص لطلابها الذين يدرسون في جامعات مونتريال والذين لا يتجاوز عددهم 40 طالباً، قنصلية خاصة للإشراف عليهم وتلبية حاجاتهم. اما الطلاب العرب الآخرون، فهم اما يتابعون دراساتهم بموجب فيزا طالبية حرة وهؤلاء غالباً هم من الميسورين الذين لا يضيرهم شيء ان أقاموا في كندا او عادوا الى أوطانهم، في حين ان الذين يدرسون وفقاً لتأشيرة هجرة دائمة وغالبيتهم من الطبقات الوسطى او الشعبية، وهم غالباً لبنانيون وسوريون وفلسطينيون ومصريون، فيدفعون"اثماناً باهظة لتحصيلهم العلمي ويتحملون أوزار الهجرة بكل تداعياتها المأسوية"على حد تعبير جو مصابني أحد أعضاء رابطة الطلاب العرب في جامعة كونكورديا. وفي السياق ذاته يقول فادي الرشيدي طالب مصري في جامعة مونتريال فرع بوليتكنيك ان"العديد من الطلاب العرب يتخبط في اختياراته العلمية ويتنقل من فرع الى آخر على غير هداية ودراية بأحوال الفروع العلمية التي تتطلبها السوق، ويضطر تحت وطأة الحاجة الى العمل بدوام جزئي لتغطية نفقات السكن والمعيشة وتسديد الأقساط الجامعية". ويكشف عبدالرحمن المصودي 24 سنة وهو طالب مغربي في جامعة اوكام يدرس العلاقات العامة، عن جانب آخر من معاناة الطلاب العرب حين يقول:"لا اخفي ان فرحتي بالتخرج العام الماضي لم تدم اكثر من بضعة أسابيع، اذ ما زلت منذ ذلك الوقت أتنقل من بين مكاتب العمل بحثاً عن فرصة ضائعة ولا ادري ما يخبئه لي القدر". ويقول المصودي ان الكثير من أمثاله يتعرضون لحالات من الكآبة والضغط العصبي والقلق والضياع والتمييز العنصري لا سيما الذين لا يجيدون سوى إحدى اللغتين الفرنسية او الإنكليزية. واللافت ان معظم الخريجين العرب يترددون في العودة الى أوطانهم الأم لاعتبارات بينها الأزمات السياسية او الأمنية وتدني الأجور والمستويات المعيشية فضلاً عن ضآلة فرص العمل.