لا أمر استثنائياً في أن يكون هناك فائز ومهزوم في السباق الى البيت الأبيض، لاختيار خلف للرئيس جورج بوش الذي يصح وصف عهده بحقبة الحروب والإحباطات، وتغذية الإرهاب والتطرف بأسلوب إدارته الحرب على الإرهاب. الاستثنائي في السباق الطويل الذي سيبلغ شوطه الأخير في تشرين الثاني نوفمبر المقبل، قد يكون احتفاظ الجمهوريين برئاسة الولاياتالمتحدة، ولو ب"تنقيح"عقيدتهم بنسخة الشعارات التي يرفعها جون ماكين. أمّا ما يعني العرب والمنطقة بداهة في أي تغيير في الرئاسة الأميركية، فهو حصتهم من مشاريع الإدارة المقبلة التي سترث الكثير من"إنجازات"بوش وما يسميه"انتصارات"في الشرق الأوسط والعراق، وعلى جبهة الصراع"الكوني"مع الإرهاب، من العراق الى فلسطين والصومال وشمال أفريقيا. ما يعني العرب وأهل المنطقة جميعاً، هو ألا تُقدم إدارة بوش على مغامرة جديدة، تحت ستار صخب الانتخابات الأميركية، وألا تتيح لحليفها الإسرائيلي جر الفلسطينيين أو اللبنانيين الى كارثة أخرى، بذريعة الثأر من"إخفاقات"حرب تموز يوليو مثلاً، أو"استئصال إرهاب حماس"، كما تسميه حكومة الخائب إيهود أولمرت. ولأن الانتخابات عادة في القوة العظمى بازار سياسي كبير، يمكن العرب أن"يقترعوا"افتراضياً للمرشح الأميركي الأقل ضرراً على قضاياهم ومصالحهم، انطلاقاً من التسليم بأن أي إدارة، جمهورية كانت أم ديموقراطية، لن تفك مثلاً التحالف مع إسرائيل الذي يعطي اللوبي اليهودي في الولاياتالمتحدة كفة الترجيح حتى على مصالح الأميركيين في الشرق الأوسط والخليج... والتسليم بأن أي إدارة إذا جنحت الى صفقة ما مع إيران، لإنهاء الصراع المحتدم بين واشنطن وطهران في العراق ولبنان وفلسطين والخليج خصوصاً، لن تُبرم الصفقة إلا على حساب العرب إذ يجدون أنفسهم بين خيارين أهونهما مرّ. أما الأميركي الناخب الذي يقترع لمن يستجيب همومه وقضاياه، فيتعامل مع وعود الشعارات، فيما الرهان على مقاربته آلام المنطقة وأزماتها يبقى واهناً، إلا في الاستثناءات. فالقاعدة أنه معني بعدد قتلى الجيش الأميركي في العراق أكثر من اهتمامه بمئات الآلاف من العراقيين الذين سقطوا ضحايا في الغزو وما بعده، في المجازر والتفجيرات الوحشية... معني بإغراء القوة و"الانتصار"الذي ما زالت واشنطن تروّج له، وينخدع به مرشحون للرئاسة الأميركية من أمثال جون ماكين، إذ يعزف على أوتار التفوق وسحق الخصم. النموذج الجمهوري ماكين، الخصم العنيد لمساوئ اليمين الأميركي المتشدد إدارة المحافظين الجدد، يعد الناخبين بنسخة منقحة للاحتلال الأميركي للعراق تبقيه بوجه آخر مئة سنة. وفي الترجمة العربية لهذا الوعد، حروب أهلية ومذهبية بين العراقيين لمئة سنة، لأن القوة الكبرى كما يقول ذاك المرشح - النموذج"يجب أن تمارس نفوذها عبر العالم"والديموقراطيون"لا يفهمون ما هي الحرب"! إنه نذير شؤم أن يبشر ماكين الناخبين بأن الوسيلة الوحيدة لتصحيح أخطاء الإدارة"السيئة"للحرب في العراق، هي الإصرار على"الانتصار"، بالتالي تمديد عمر الاحتلال ولو بقواعد عسكرية ضخمة في هذا البلد لقرن من الزمن. وقد يجد نجم الجمهوريين في السباق الرئاسي، طريقاً سهلاً الى قلوب الأميركيين بعيداً من عقولهم، بدغدغة مشاعر الثأر الطويل من إرهاب 11 سبتمبر و"القاعدة". وإن لم يكن في ذلك فأل سيئ للمنطقة المتهمة ب"تخريج أفواج من الإرهابيين"، فالمعضلة أن ماكين كسواه من رموز التعصب اليميني، سيجد في حال وصوله الى البيت الأبيض أن أقصر الطرق لدحر"التطرف الإسلامي"هو تمتين التحالف مع إسرائيل وحماية تعصبها بوصفها"الضحية"، وإطلاق الآلة العسكرية مجدداً في بقعة ما من الشرق الأوسط أو حتى الخليج. وإذا كان لبعض العرب أن يراهن على احتمال مجيء"زمن التغيير"، وانتصار المرشح الديموقراطي الأفريقي الأميركي السناتور باراك أوباما، فتاريخ السياسة الخارجية للديموقراطيين يعلّم الجميع بأن التغيير وثمرته هما في كل الأحوال في ميزان قوة الولاياتالمتحدة ونفوذها في العالم، وأن ما يفرضه الجمهوري بالقوة وغطرستها، ينتزعه الديموقراطي ولو بقفازات حرير.