هناك مهرجانات سينمائية همها الأساس العثور على المال اللازم. وهناك مهرجانات يحيرها البحث عن أفلام بجودة عالية. ونوع ثالث يقف أمام معضلة العثور على ما يكفي من نجوم وصحافيين وسينمائيين لحضوره. أما مهرجان الشرق الأوسط في أبو ظبي الذي يفتتح دورته الثانية مساء اليوم، فربما تكون حيرته في مكان آخر تماماً: من أين يأتي بالجمهور الكافي لملء المقاعد في الصالات والندوات والتظاهرات المختلفة؟ وليست هذه الفرضية للتشكيك في هذا المهرجان الطموح وجدواه، ولكن للتأكيد على انه يتضمن أفلاماً وتظاهرات وندوات ومعارض يفيض عن حاجة وإمكانيات مدينة مثل المدينة التي تقيمه. فأبو ظبي، إمارة صغيرة، بل هي بالأحرى مدينة صغيرة، حتى وان كانت طموحاتها في شتى الميادين كبيرة. وعدد سكان أبو ظبي، حتى وإن كان كبيراً نسبياً، لا يفي بالغرض، لأن غالبية سكانها من الهنود والآسيويين الذين قد لا يعنيهم كثيراً ان يشاهدوا أفلاماً عربية أو أوروبية أو حتى أميركية. فما يعرض في"مهرجان الشرق الاوسط"ليس سينما هندية لها حظوة عند هؤلاء. وطبعاً ليس من السهولة استنفار كثيرين لحضور المناقشات والطاولات المستديرة. ومع هذا، وعلى رغم ان تجربة المهرجان المنافس، مهرجان دبي، ماثلة لتذكر ان كل شيء متوافر، ما عدا الجمهور العريض الذي يفترض ان العروض له، لم يتردد القيمون على مهرجان أبو ظبي في خوض المغامرة، راصدين له أموالاً وجهوداً وخامات بشرية تحسده عليها مهرجانات كثيرة في العالم. فهل يأتي هذا كله بثمار؟ وهل تكون دورة هذا العام، وهي الثانية لأبو ظبي، أفضل من دورة العام الماضي الأولى؟ هذا على الأقل، ما يأمله أصحاب المهرجان، مدعومين هذه المرة، بالخبر الذي تناقلته الصحافة العالمية قبل أسابيع، عن تخصيص أبو ظبي حوالى بليون دولار أميركي وضعت لخدمة السينما والإنتاج السينمائي في العالم. ولا شك في ان هذا الحدث، المعلن رسمياً، سيكون بدءاً من اليوم شغل المهرجان الشاغل وحديث كثيرين بين مشكك ومتسائل وطموح وناقم... وما الى ذلك. لكن هذا الحديث يجب ألا يطغى، في أي حال من الأحوال، على الأمور الجوهرية. ومن أهمها أننا هنا وابتداء من اليوم، وسط صخب سينمائي كبير ومتنوع، فيه النجوم والقضايا والأفلام الجديدة والذكريات والندوات والتكريمات... ثم فيه، خصوصاً، أول احتفاء عربي كبير بعميد السينما العربية الراحل يوسف شاهين. ولعل الوقت لا يزال، حتى الآن أبكر من ان يسمح باستخلاص ما اذا كان هذا كله قادراً او غير قادر على صنع مهرجان، لا سيما ان النقد الأساس الذي وُجه الى هذا المهرجان وسواه من التظاهرات السينمائية الخليجية يتمحور حول الفائدة من قيام مهرجانات في بلدان لا انتاج سينمائياً فيها. هذا النقاش ينتظر بعد انتهاء هذه الدورة لأنها ستكون الأقدر على الإجابة على هذا النوع من التساؤلات، إذ يقال عادة ان الحكم على أي نشاط لا يتم إلا بعد دورته الثانية... فإما ترسخ وإما تنسف. وحتى ذلك الوقت لا يمكن الا الثناء على البرنامج الذي أعدته الإعلامية نشوى الرويني وزملاؤها في إدارة مهرجان الشرق الأوسط، الذي لن يكون وجوده ومستقبله محددين إلا على ضوء نجاحه في استقطاب الحضور. التحدي والتحدي في هذا المجال كبير، طالما أن أصحاب المهرجان وفروا له كل ما يلزم من مال وأفلام ونجوم وصحافيين... ولعل ما يلفت النظر التنوع في البرنامج: من افلام المسابقة الرسمية الى الاحتفال بسينما المرأة وتكريم بعض كبيرات النجوم من جين فوندا الى سوزان ساراندون الى كاترين دونوف. ومن احتفالية يوسف شاهين الخاصة عبر معرض صور وعروض افلام واستعراضات الى الاحتفال بكتب مؤلفة او مترجمة صدرت ضمن اطار مطبوعات المهرجان. ومن برنامج سينما الحقيقة، الى الندوة التي ستتواصل خمسة ايام حول الانتاج السينمائي وواقعه في شتى المناطق العربية. وهذه الندوة المركزية، ستكون تحت إدارة الزميل في"الحياة"ابراهيم العريس، وعبر مداخلات يقدمها النقاد: كمال رمزي وعبدالرحمن محسن وخالد الخضري ونديم جرجورة وعبدالرحمن النجدي. ولكن اين الأفلام وسط هذا الكم من التظاهرات؟ الأفلام موجودة، بل موجودة بكثرة. أفلام روائية طويلة، وأخرى قصيرة... أفلام تسجيلية، أفلام حديثة الانتاج وأخرى قديمة، أفلام من أوروبا واميركا والشرق الاقصى والبلدان العربية. بعضها كتب عنه كثيراً، وبعضها لم يره أحد حتى الآن. ولعل نظرة سريعة على تظاهرتين من تظاهرات المهرجان الكثيرة توضح الصورة اكثر: التظاهرة الاولى والاساسية هي المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة تتضمن 16 فيلماً عربياً وغير عربي، من بينها ما هو منتظر بلهفة من الهواة والمهتمين. ينطبق هذا على فيلم"فوزية"للمصري مجدي أحمد علي، كما على فيلم"عيد ميلاد ليلى"للفلسطيني رشيد مشهرواي، وپ"دخان بلا نار"للبناني سمير حبشي، وپ"حسيبة"للسوري ريمون بطرس، إضافة الى دزينة أخرى من أفلام آتية من جنوب أفريقيا أو فنلندا أو مصر أو المغرب... أما التظاهرة الثانية فعنوانها"مهرجان المهرجانات"، وتتضمن أفلاماً كانت حققت حضوراً لافتاً في ابرز المهرجانات العالمية خلال السنوات الأخيرة من"آمال"الهندي، الى"مكتوب"الكوري، مروراً بفيلم ايرول موريس القاسي المدين للسلطات الاميركية بسبب فضيحة سجن أبو غريب... وصولاً الى افلام مثل"عبادة"لاتوم إيغويان، و"رومبا"البلجيكي الذي كان إحدى مفاجآت الدورة الاخيرة لمهرجان"كان"و"حكاية عيد الميلاد"للفرنسي آرنو ديبليشين... والاكيد ان تظاهرتين من هذا العيار تكفيان مهرجاناً كاملاً لمدينة متوسطة الحجم ولدورة لا تزال الرقم اثنين في أي بلد... فماذا اذا كانت هناك ايضاً تظاهرة تقام لمناسبة ستين سنة على تقسيم فلسطين ونظرة السينما الى هذه القضية الشائكة؟ ثم ماذا عن تظاهرة"مخرجات عربيات"التي تعرض أفلاماً من توقيع ابرز السينمائيات العربيات...؟ لا مجال هنا لاستعراض كل ما في مهرجان الشرق الأوسط في أبو ظبي، ثم ان الدورة لا تزال في بداياتها، ومع هذا يبقى السؤال الأساس: هل يكفي هذا كله لصنع مهرجان؟