الشؤون الإسلامية تختتم البرنامج التدريبي المتخصص للمراقبين ومنسوبي المساجد في جازان    جديد مفاوضات الهلال لضم داروين نونيز    أرامكو: التدفقات النقدية الحرة تهبط 20% إلى 57.1 مليار ريال    قدم الدانة تعزز صفوفها بتعاقدات جديدة وسط دعم السفارة السعودية    أمير جازان يُقلّد مدير مكافحة المخدرات بالمنطقة رتبته الجديدة    الاتفاق يواصل تحضيراته وديمبيلي يقترب من العودة    إنفاذ يشرف على 77 مزادا لبيع 667 أصلا    مستشفى د. سليمان فقيه بجدة يحصد اعتماد 14 مركز تميّز طبي من SRC    ارتفاع مؤشرات الأسواق الآسيوية بعد ارتفاع "وول ستريت"    دورة "مهارات العمل التطوعي" تُثري الحضور في مركز التنمية الاجتماعية بحائل    هجوم أوكراني بطائرات مسيرة يشعل حرائق في روستوف    تقنيات الذكاء الاصطناعي ترصد الزلازل بالمملكة    أغسطس.. شهر المناعة العالمي لحماية الأجيال    ريم الجوفي تقدم ورشة التمييز بين المعلومة والمعرفة في عالم رقمي    أسعار النفط تتراجع لأدنى مستوى في أسبوع    أمير القصيم يزور محافظة المذنب ويؤكد تطورها التنموي وتنوع الفرص الاستثمارية    الشؤون الإسلامية تواصل تنفيذ برنامجها التدريبي المتخصص لمنسوبي المساجد والمراقبين في جازان    إطلاق نظام الملف الطبي الإلكتروني الموحد "أركس إير"    الدعم السريع منح مخيم لاجئين إلى مرتزقة    إيران تحذر من عواقب تفعيل آلية الزناد    3 سيناريوهات إسرائيلية أخطرها الاجتياح الشامل لقطاع غزة    رحب بالجهود الأمريكية للتسوية في أوكرانيا.. الكرملين يحذر من التصعيد النووي    بعد تصاعد التوترات بين قسد وقوات حكومية.. واشنطن تدعو للحوار في منبج والسويداء    مشيداً بخطط الاستثمار والنهج الاستباقي.. صندوق النقد يؤكد قوة السعودية في مواجهة التحديات الاقتصادية    أم تخفي طفلتها بحقيبة سفر تحت حافلة    تغيير التخصص الجامعي وآثاره السلبية والإيجابية    حفلات زفاف بفرنسا تستقبل الضيوف بمقابل    أصدقاء البيئة تستثمر طاقات الطلاب بمبادرة بيئية لحماية غابات المانغروف    بعد الانكسار    خطوة يومية!    «إثراء» يختتم البرنامج الصيفي ب 5 أفلام قصيرة    المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور 2025 ينطلق غدًا في الرياض    البريد يصدر طابعًا تذكاريًا لأمير مكة تقديرًا لإسهاماته في تعزيز التنمية الثقافية والاجتماعية    ضمن كأس العالم للرياضات الإلكترونية 2025.. Team Falcons يمنح السعودية أول ألقابها    الدقيسي    ابن نافل أتعب من بعده.. وإساءات نجيب    يقام في سبتمبر المقبل.. النصر والأهلي يواجهان القادسية والعلا في كأس السوبر للسيدات    خلافات تعرقل جلسة برلمان ليبيا في بنغازي    "سلمان للإغاثة" يختتم المشروع الطبي التطوعي للجراحة العامة في محافظة عدن    الحراثة التقليدية    إصدار معماري يوثق تطور المسجد النبوي عبر العصور    السعودية تتصدر أسواق الخليج في استقطاب الاستثمار الأجنبي    السعودية تحقق أول ألقابها في كأس العالم للرياضات الإلكترونية    كلنا مع الأخضر    سفير سريلانكا: المملكة تؤدي دورًا عظيمًا في تعزيز قيم التسامح وخدمة الإسلام عالميًا    ارتفاع مشاهدات المسلسلات السعودية    51.9 مليار ريال زيادة سنوية بإيرادات قطاع التشييد والعقارات    الدرعية تحتفي ب"ترحال".. قصة وطن تُروى على المسرح    روائح غريبة تنذر بورم دماغي    أمير الشرقية: تسخير التقنية وتجويد الخدمات يعكسان توجه الدولة لرفع كفاءة العمل الحكومي    أمير تبوك يبارك حصول مجمع مباسم الطبي على شهادة "سباهي"    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأهالي أحد المسارحة    911 يستقبل 93 ألف مكالمة في يوم واحد    وكيل إمارة جازان يرأس اجتماع الاستعدادات للاحتفال باليوم الوطني ال 95    لا تدع أخلاق الناس السيئة تفسد أخلاقك    جبال المدينة.. أسرار الأرض    «هلال مكة» يفعل مسارات الجلطات القلبية والسكتات الدماغية    من حدود الحزم.. أمير جازان يجسد التلاحم بالإنجاز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إغتيال بوتو ومستقبل المشروع الفكري لحزب الشعب الباكستاني
نشر في الحياة يوم 02 - 01 - 2008

تناول الكثير من المحللين تداعيات الحدث الجلل الخاص باغتيال الزعيمة الباكستانية بينظير بوتو، سواء كانت تلك التداعيات محلية أو إقليمية أو دولية، وسواء اتصلت بمسائل سياسية أو دستورية أو بما بات يعرف ب"الحرب ضد الإرهاب". بل تناول البعض تداعيات حادث الاغتيال على المستقبل السياسي لحزب الشعب الباكستاني الذي أسسه والدها رئيس الوزراء الراحل ذوالفقار علي بوتو، ولكننا نقصر تناولنا هنا على جانب واحد من هذه التداعيات، ونعني به انعكاسات اغتيال السيدة بوتو على مستقبل المشروع الفكري لحزب الشعب الباكستاني الذي كانت تقوده. وغني عن البيان أن حزب الشعب الباكستاني له بصمة خاصة ضمن الأحزاب السياسية ليس فقط في باكستان، بل على امتداد العالم الإسلامي. فالحزب كانت له دائماً رؤية واضحة للعلاقة بين الإسلام والمجتمعات الراهنة للمسلمين ومفاهيم مثل الديمقراطية والاشتراكية والموقف تجاه الغرب. وقد حكم حزب الشعب ممثلاً فى زعيمه الراحل ذو الفقار علي بوتو باكستان عبر الاحتكام لصناديق الاقتراع في الفترة التالية لهزيمة باكستان فى الحرب أمام الهند عام 1971 وحتى الانقلاب العسكري الذي أطاح بحكمه الديموقراطي وجاء بالحكم العسكري بقيادة الجنرال الراحل ضياء الحق ثم محاكمة بوتو وإصدار الحكم بإعدامه وتنفيذ هذا الحكم، بالرغم من الاحتجاجات الواسعة حينذاك داخل وخارج باكستان.
وقد طرح ذو الفقار علي بوتو رؤية خاصة للنظر إلى المواءمة بين الأصالة والمعاصرة، وبشكل أكثر تحديداً للتوفيق بين أحكام الإسلام ورسالته وتعاليمه من جهة وبين متطلبات المجتمعات الإسلامية المعاصرة، مع مراعاة خصوصية المجتمع الباكستاني، من جهة أخرى. فباكستان نشأت أصلاً على أساس ديني طبقاً للتقسيم الاستعماري الذي صاغته بريطانيا للهند، بحيث اقترن منح الاستقلال للهند فى نهاية الأمر بتقسيمها إلى الهند وباكستان، وبالتالي احتل الإسلام دائماً موقع القلب من الهوية الوطنية الباكستانية. ثم عانت باكستان من جديد ويلات الحرب والهزيمة امام الهند فى حرب 1971 وانفصلت عنها بنغلاديش. وكان بوتو أحد من أدركوا مبكراً حدود الدعم الغربي لباكستان، حتى خلال الحرب الباردة بين المعسكرين الراسمالي والاشتراكي، وبالرغم من اعتماد الغرب على باكستان لموازنة الهند المدعومة حينذاك من قبل الاتحاد السوفياتي السابق. وقد حاول بوتو الأب خلال فترة حكمه تلك ترجمة توجهاته الفكرية والتي حواها العديد من كتبه إلى واقع سياسي معاش. فقد تناول ما اعتبره الاستقلال المنقوص الذي كانت تعيشه باكستان والدول الإسلامية الأخرى فى كتابه"وهم الاستقلال"، ولذا كان أول من بدأ البرنامج النووي الباكستاني كمصدر قوة مستقلة لباكستان إقليمياً ودولياً، بخلاف ما هو شائع من أن الجنرال ضياء الحق هو أول من بدأه. كما تناول بوتو تفسيراته المتقدمة لبعض المفاهيم الإسلامية فى كتابه"حول بعض جوانب الفكر الإسلامي"، وتحدث عن هوية وطنية تجمع الباكستانيين فيها مزيج من البعدين الديني والمدني وعن بناء الدولة الحديثة فى باكستان. وبالتالي ناهض بوتو الأحزاب والجماعات والأفراد الذين يدعون احتكار تمثيل الإسلام أو يعتبرون أنفسهم المرجعية لتحديد المسلم من غير المسلم، معتبراً الإسلام ملكاً لكل أتباعه. وقد حاول الجمع في مرجعياته الفكرية بين أفكار محمد إقبال التجديدية الإسلامية وإسهامات نطاق عريض من المثقفين الباكستانيين مثل الشاعر عمر الخيام وغيره، ولم يتردد في الأخذ من بعض الأفكار الغربية التي وجدها متفقة مع جوهر مشروعه الفكري. وقد كان بوتو حاسماً فى الرهان على الخيار الديموقراطي باعتباره خياراً أيديولوجياً واستراتيجياً له ولحزبه، رافضاً الانتقادات التي وجهت له باعتباره نظاماً"غربياً، ومدافعاً عن البعد الديموقراطي فى الفكر الإسلامي. وفي ذات الوقت، وبرغم ظروف الحرب الباردة التي حكمت تحالفات باكستان الدولية لصالح التحالف مع الغرب وفي مواجهة غير مباشرة مع المنظومة الاشتراكية، فإن حزب الشعب بزعامة بوتو انحاز للعدالة الاجتماعية، وإن كانت اقرب إلى الديموقراطية الاجتماعية منها إلى الاشتراكية الصريحة، عبر انحيازه للفئات الاجتماعية الدنيا والوسطى ورفضه احتكار الثروة من جانب أي طرف كان، وبالتالي بات الحزب يُعرف بأنه يمثل يسار الوسط في الطيف السياسي الباكستاني.
وبالتأكيد تغيرت أمور كثيرة في باكستان ومن حولها بعد رحيل بوتو الأب، ربما كان من أهمها دخول القوات السوفياتية لأفغانستان عام 1979، وما تلا ذلك من دور قيادي لباكستان فى إطار تحالف قادته الولايات المتحدة لتعبئة الشباب المسلم على أسس"جهادية"لمحاربة الوجود السوفياتى فى أفغانستان، ولئن كان البعض تصور خطأً أن باكستان ستكون بمنأى عن المد الإسلامي المسيس نتيجة حرب أفغانستان، فقد أثبتت الأيام سريعاً استحالة ذلك.
وعادت بينظير بوتو الابنة التي ورثت اباها فى زعامة حزب الشعب إلى وطن مختلف وسياسة لها قواعد لعبة جديدة فى ظروف صعبة بعد مصرع الجنرال ضياء الحق في حادث ما زال غامضاً حتى الآن. وتولت الزعيمة الابنة رئاسة الحكومة عام 1988 ولمدة عامين، بعد انتخابات ديموقراطية صوت الباكستانيون خلالها لخيار حزب الشعب والمشروع الفكري لمؤسسه بوتو الأب أكثر مما لصالح الابنة الجديدة على عالم السياسة في باكستان حينذاك، خاصة فى ظل التزام الابنة بالسير على نهج الأب. وجاءت نهاية الوجود السوفياتى في أفغانستان خلال فترة توليها الحكم مما منحها الأمل في الالتفات للمشكلات الداخلية لباكستان وفك الارتباط بين الوضع السياسي الداخلي وما فرزته الحرب في أفغانستان من تداخل الوضع الفكري والسياسي بين التنظيمات الإسلامية، خاصة تلك التي تتبنى العنف، في الحالتين، وكذلك في فك الارتباط بين الواقع القبلي في باكستان ومثيله المرتبط بالبعد الديني المسيس في افغانستان.
وتولت السيدة بوتو رئاسة الحكومة مرة أخرى بعد انتخابات عام 1993 ولمدة ثلاث سنوات، لكن هذه المرة بعد حدوث تطورات دولية مهمة تمثلت فى انهيار الاتحاد السوفياتى والكتلة الاشتراكية وإشارات بشأن تقارب اميركى/هندى نظر إليه الكثيرون بأنه بالضرورة سيكون على حساب باكستان. ولكن كانت هناك متغيرات داخلية ايضاً تحركت في اتجاه معاكس للمشروع الفكري لحزب الشعب. فمن جانب تصاعد مد ونفوذ التيارات الإسلامية المتشددة، وبدأ معه تصاعد الرعاية من جانب مؤسسات عسكرية وأمنية باكستانية لحركة"طالبان"في افغانستان سعياً لإيصالها للسلطة في كابول على حساب زعماء فصائل"المجاهدين"المتصارعين، وهو الأمر الذي زاد من الأشواك في طريق المشروع الفكري لحزب الشعب. ومن جهة أخرى، طالت فضائح الفساد اسرة بوتو خاصة زوج السيدة بوتو، وطالت اتهامات ممارسة العنف والقتل شقيقها مرتضى بوتو، مما اثر سلباً على صورة حزب الشعب كمدافع عن الفئات الاجتماعية الدنيا والوسطى وكمدافع عن الخيار الديموقراطي السلمي. وتزامنت الاتهامات لاسرة بوتو بالعنف والفساد وتولى القضاء النظر في هذه الحالات وإصدار أحكام بشأنها، ثم خروج من بقي من الأسرة، بعد مصرع مرتضى، إلى المنفى تجنباً للتعرض للسجن، مع تطورات داخلية هامة فى باكستان تمثلت فى انقلاب 1999 الذي جاء بالجنرال مشرف إلى الحكم. وخلال سنوات هذا المنفى الأخير، اصدرت السيدة بوتو العديد من الكتب التي عكست حرصها على التواصل مع فكر ابيها الراحل، ويمكننا إدراك ذلك حتى من مجرد النظر إلى عناوينها ما بين"ابنة الشرق"و"المصالحة بين الغرب والإسلام"وغيرهما.
وجاءت عودة بوتو الأخيرة لباكستان فى ظروف بالغة التعقيد من منظور المشروع الفكري لحزب الشعب. فالمد الديني المسيس تضاعف داخل باكستان لدرجة أنه نمت وكبرت حركة طالبان باكستانية وتعاظم تأثير المدارس الدينية لتعبئة المشاعر بشكل ديني مسيس ويتسم احياناً بالعنف. وبدا أن مشرف، القادم من الجيش، يسعى لاجتثاث جذور جماعات العنف والتطرف الديني والسعي إلى بناء فكر إسلامي معتدل، وهو نفس الهدف الذي حددته لنفسها السيدة بوتو بلغة خطاب قاطعة وحاسمة، مما وضعها والجنرال مشرف فى خندق واحد بخصوص هذه المسألة على الأقل، وهو ما شكل تحدياً للاختيار وتبعات ذلك على المكون الديموقراطي للمشروع الفكري لحزب الشعب. ودار شد وجذب بينها وبين الرئيس الجنرال، ولكنها حسمت أمرها بقبول دخول الانتخابات التي كان مقرراً إجراؤها في 8 كانون الثاني يناير 2008، واستمرت دعايتها الانتخابية على خلفية البرنامج الفكري لحزب الشعب ولوالدها الراحل الذي ظهرت صوره بجانب صورها في كل مكان.
والآن، وبعد ان غابت بوتو الابنة عن الساحة السياسية الباكستانية وعن الحياة بأكملها، تثور التساؤلات حول المسلك الذي ستسلكه القيادة الجديدة لحزب الشعب الباكستاني، ولا نتحدث هنا عن الصعيد السياسي بل الفكري والأيديولوجي. فهل سيراجع الحزب مرجعياته الفكرية في ضوء مستجدات وتطورات، وبالتالي ربما يعدل من خريطة تحالفاته السياسية، أم يوظف اغتيال زعيمته لحساب تأكيد التمسك بثوابته الفكرية وإثبات صحة خياراته والرهان على صلابة برنامجه وعدم التنازل بشأنه، والرهان ايضاً على الملايين التي بكت بوتو الابنة؟
* كاتب مصري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.