القيادة تعزّي ملك المغرب في ضحايا فيضانات مدينة آسفي    وزارة الخارجية تعرب عن تعازي المملكة ومواساتها للمملكة المغربية جرّاء الفيضانات في مدينة آسفي    الاستقرار الاجتماعي    المؤتمر الصحفي الحكومي يستضيف وزير الصناعة.. غداً    أثر قرار السماح للأجانب بتملك العقار على سوق العقار    النفط يرتفع مع تغلب اضطرابات الإمدادات الفنزويلية على مخاوف فائض المعروض    "تقييم الحوادث" يفند الادعاء بقيام قوات التحالف باستهداف (تراكتور) في منطقة (يسنم) بمديرية (باقم) بمحافظة (صعدة) في 2018    حكومة نتنياهو لا تستجيب للضغوط الأميركية للانتقال للمرحلة الثانية    قيادة الكويت تستقبل تركي بن محمد    سمو وزير الدفاع يلتقي كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشؤون العربية والأفريقية    الفيصل يحفز لاعبي الأخضر قبل مواجهة الأردن.. فالكم الفوز    أمير منطقة الرياض يوجه الجهات المعنية بسرعة رفع تقارير نتائج الحالة المطرية    5 أفلام تنعش دور العرض المصرية نهاية 2025    شراكات في صناعة السينما بمهرجان البحر الأحمر    غوتيريش: بناء الجسور بين الثقافات يتطلب شجاعة سياسية    تجمع مكة الصحي يُفعّل مبادرة «10KSA»    تعديل السلوك    الاستجابة للفرح    وميض ناري على مذنب    جريمة قتل حامل تهز سكان المنوفية    فيديوهات قصيرة تهدد نمو الأطفال    علامة مبكرة لتطور السكري الأول    أسعار تطعيم القطط مبالغة وفوضى بلا تنظيم    نائب أمير الشرقية يستقبل مجلس «مبرة دار الخير»    الدكتور علي مرزوق يسلّط الضوء على مفردات العمارة التقليدية بعسير في محايل    أمير نجران يستعرض الخطة التنفيذية للجمعية الخيرية    10.6% نمو بقيمة الصفقات السكنية    تراجع الدولار وتباين لسياسات العالم النقدية    مبادرة لتأهيل قطاع التجزئة    بلدية محافظة الشماسية تنهي معالجة آثار الحالة المطرية التي شهدتها المحافظة    تألق ثلاثي دوري روشن في نصف نهائي كأس العرب    عبدالعزيز بن سعد يستقبل رئيس جامعة حائل المكلّف    حين تُستبدل القلوب بالعدسات    المرأة العاملة بين وظيفتها الأسرية والمهنية    "إثراء" يحتفي بيوم اللغة العربية على مدار ثلاث أيام    "سعود الطبية" تنجح في إجراء قسطرة علاجية نادرة لطفلة بعمر خمسة أشهر    غداً .. "كبدك" تُطلق برنامج الطبيب الزائر «عيادة ترحال» ومعرضًا توعويًا شاملًا في عرعر    في ندوة بمعرض جدة للكتاب 2025..الثقفي: الدبلوماسي السعودي من الأكفأ عالميًا    أمير منطقة جازان يستقبل إمام المسجد النبوي    المحسن يكتب.. "النشامى" طريقنا للكاس، والخسارة قدامهم "بِدناش"!    دور إدارة المنح في الأوقاف    وفد أعضاء مجلس الشورى يطّلع على أدوار الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة    كايا كالاس: محادثات قرض التعويضات لأوكرانيا "تزداد صعوبة"    قبيلة الجعافرة تكرّم الدكتور سعود يحيى حمد جعفري في حفل علمي وثقافي مهيب    ثلاث جولات في مختلف مناطق المملكة ، وبمشاركة أبطال السباقات الصحراوية    طلاب ابتدائية مصعب بن عمير يواصلون رحلتهم التعليمية عن بُعد بكل جدّ    ديبورتيفو الكوستاريكي يتوّج ببطولة مهد الدولية للقارات لكرة القدم    صينية تعالج قلقها بجمع بقايا طعام الأعراس    السعودية تدين الهجوم الإرهابي.. دمشق توقف 11 عنصراً للتحقيق في هجوم تدمر    بحثا تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية.. ولي العهد ووزير خارجية الصين يستعرضان العلاقات الثنائية    «الحياة الفطرية» تطلق مبادرة تصحيح أوضاع الكائنات    أطلقها الأمير فيصل بن مشعل.. مبادرة لتعزيز الأعمال والتقنية بالقصيم    أمير نجران يُشيد بإنجازات "الصحة" في جوائز تجربة العميل    أمانة الرياض تطلق فعالية «بسطة» في حديقة الشهداء بحي غرناطة    الأحمدي يكتب.. وابتسمت الجماهير الوحداوية    الغامدي يزور جمعية عنيزة للخدمات الإنسانية    أمير منطقة جازان يستقبل سفير إثيوبيا لدى المملكة    تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية.. دورات متخصصة لتأهيل الدعاة والأئمة ب 3 دول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حبر وملح - مطر الأحمدي : لها ، لبيروت
نشر في الحياة يوم 14 - 06 - 2007

ما من مدينة تجيد إغواء عشاقها مثل بيروت. تتغنج وتتدلل، تتمنع وترغب، وتعرف كيف تحفظ الوصل والوصال. اذا شاءت جعلت لمريديها سريراً من غيم وأثير. وقدرها أحياناً ان تُكلّلَ بالشوك وتُدقَّ في أكفها المسامير، وتعلق على خشبة الانتظار.
بعض العشاق يصبر ويعضّ على الجرح وينتظر مع المنتظرين صبحاً لناظره قريباً. يتذوق المر مثلما تذوق الحلو، يتجرع كأس المرارات مثلما شرب نخب المسرات، ويعيش مع مدينته سنواتها العِجاف مثلما عاش سنواتها السمان الملأى يُمناً وبركات، يدميه الشوك مثلما أدمته الوردة. فبيروت التي تباغتنا بالعطر والأريج تباغتنا أيضاً بالبارود والنار، وتظل في الحالين قادرة على المباغتة وصناعة الدهشة واستيلاد الحياة من رحم الشدائد.
اذاً، بعضهم يصبر على الحزن والمواجع ويبقى مشاركاً بيروت شدائدها وأحوالها المتبدلة. وبعضهم وهذا شأنه لا يعرف من مدينتنا سوى السياحة والسِباحة والتفرج والتزلج والسمر والسهر، والتبولة والكبة النية وشم الهواء والمعاملتين، وهذا مفهوم إذ لا أسوق الأمر قدحاً أو ذماً فلكل إمرئ من دهره ما تعودا، وعادة مطر الأحمدي ان يكون من عداد الفئة الأولى التي تعرف بيروت وتعشقها شعراً في قصائد الشعراء وغناءً في صوت فيروز، وحريةً في وجوه الشهداء وألفة في صخب الناس، يغار عليها ولا يغار منها، يبقى وحيداً في شوارعها المقفرة ولياليها الموحشة، ولا يندم. يذرفُ دمعة إذا ما هبت ريح العدوان الاسرائيلي، ويعتصر ألماً اذا ما عبس الإرهاب في شوارعها، فتصير دمعته وردة يقدمها لصبية من صبايا"لها"، أو يضعها على ضريح رفيق الحريري في ذهابه وإيابه الى ومن مكاتب المجلة التي تقع على مرمى دمعة أو وردة من الشهداء والتظاهرات والاعتصامات في جوار مجلس نواب مقفل وسرايا حكومية محاصرة، لكنه يظل هنا، بيننا ومعنا، واحداً منا، مبشِراً بالحب والجمال، منشداً دمعةً وابتِسامة في حب بيروت.
ليس وحده مطر الأحمدي عاشق بيروت، ولا وحده حبيبها الخَفِر الخجول، ثمة عشاق كثر تركوا مدنهم الآمنة وحيواتهم الوادعة وجاؤوا لمؤازرة مدينة رُميت في غياهب الجُبِّ ألف مرة، قالوا كلمتهم ومشوا، سجلوا موقفاً، التقطوا الصور التذكارية ثم عادوا الى سيرهم الأولى. لكن مطر ظل هنا في السراء والضراء، في الضوء وفي العتمة، في الليالي العامرة بالناس والمؤانسات، وفي الحلكة الشديدة، في حر الصيف وبرد الشتاء، لا يتذرع بقيظ ولا قرٍّ ليتجنب القتال. إنه دائماً هنا يشهد له الأصدقاء والزملاء، والأصح الأصوب الزميلات اللواتي يعملن معه في"لها"ويعرفن كيف يمتزج حبر هذا الرجل بدمعه، وكيف يصير ترجمة فعلية لمقولة"الحبر والملح"، حين تمتزج المقالات والموضوعات والتحقيقات في مجلة"لها"بملح المائدة الدائمة في مقهى"الإتوال"في ساحة النجمة على مرمى مرحبا من"دار الحياة".
الكتابة عن صديق وزميل فيها شيء من الحرج، وفيها شبهة المجاملة والتودد، لكن مطر الأحمدي يعرف مشاعري نحوه، وصداقتي له أعمق من أن تعوزها اللياقة، لكنني أكتب لأشهدَ له، وليعرف الآخرون أن لبيروت عشاقاً لا يخونونها ولو تجهمت وارتدت ثياب الحداد، وأن واحداً من هؤلاء خجول كتوم على ابتسامة دائمة اسمه مطر الأحمدي، ومثله كمثل المطر، اسم على مسمى، يهمي برداً وسلاماً على الأصدقاء والزملاء، يحرضهم على حب بيروت، مستنكراً مستغرباً كيف يستطيع بعض اللبنانيين ارتكاب الفاحشة وسفاح القربى بحق وطنهم الذي لو أحبوه كما يحبه مطر الأحمدي لكان بألف خير.
الصحافة مهنة، والكتابة محنة إلاّ أن ثمة أسماء لها وقع الندى على أصص الورد في الصباحات الباكرة، وثمة حبراً له طعم الخبز المملح، بالمودة والأخوّة، وما بين مطر الأحمدي وبيروت أكثر من خبز وملح على مائدة وسط مدينة تصرّ على النبض والحياة، وما بيني وبينه مدينة اسمها بيروت، مدينة لم ولن ولا تموت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.