رحلت بناته تاركات ذكرى "استثنائية" في ثلاثة أحياء كانوا بأمسّ الحاجة الى كلى وقرنيات تعينهم على العيش من دون ألم. قرّر إبراهيم أبو حماد أن يودع بناته ليلى 20 سنة التي توفيت جراء فشل كلوي، وازدهار5 سنوات وابتهاج 13 سنة اللتين قضتا في حادثي سير منفصلين، بطقوس مختلفة، وأن يرسم بسمة على وجوه آخرين ينتظرون"متبرعاً"يبعدهم عن شبح الموت. وحظي محمد ونسرين بكليتين قدمتهما ابتهاج، بعد إعلان موتها دماغياً بعد تعرضها للدهس. عملية تبرّع أنقذتهما من سجن انتظار يقبع فيه نحو 2280 مريضاً مصاباً بفشل كلوي، تصل كلفة التعايش السنوي معه إلى 15 ألف دينار للمريض الواحد تدفعها خزينة الدولة. وعلى الطرف الآخر من المعادلة، ازدهار وابتهاج حالتان من بين 800 يموتون بحوادث السير سنوياً، بحسب إحصائيات مديرية الأمن العام، غالبيتهم يفقدون حياتهم بسبب موت الدماغ، وهو مسبب الوفاة الأكثر شهرة في"عالم التبرع بالأعضاء"، كونه يضمن سلامتها. وتحدد الوفاة دماغياً، بحسب قانون الانتفاع بأعضاء جسم الإنسان، بقرار لجنة طبية مكونة من ثلاثة أطباء من غير المعنيين بإجراء نزع الكلية، أحدهم طبيب أعصاب لإعلان الوفاة، شريطة أن تكون الحال الصحية للمتوفي خالية من الأمراض السرطانية والأمراض المزمنة ارتفاع ضغط الدم وارتفاع سكر الدم والأمراض المعدية. وتشير الإحصائيات إلى أن تبرع ثمانين شخصاً من الذين يتوفون في الحوادث من أصل 800 يتم تسجيلهم سنوياً ينقذ حياة 160 مريضاً، من مرضى الفشل الكلوي. وعلى رغم جهود حثيثة تبذلها مؤسسات حكومية ومدنية لترويج فكرة التبرع بالأعضاء، غالباً ما يرفض الأهل فكرة تمزيق أجساد أقاربهم، رافضين أن تكون أجساد أعزائهم"قطع غيار". أول عملية"زرع عضو"في الأردن، حصلت منذ أكثر من 35 عاماً، ومع ذلك لا يزال الإقبال على هذا النوع من العمليات، محدوداً وخاضعاً لمحاذير اجتماعية، بعد أن بددت فتوى شرعية"مشروطة"المخاوف الدينية المتعلقة بها. فقد أباح مجلس الإفتاء الأردني، عام 1988، التبرع بقرنيات الموتى وقلوبهم وكلاهم شرط التحقق من وفاة المتبرع، وموافقة المتبرع صراحة أثناء حياته، أو برضا عصبته بحسب ترتيب الميراث إذا كانت شخصيته معروفة وأسرته وأهله معروفين، وتغليب نجاح عملية الزرع بناء على رأي الأطباء المختصين، وأن يكون زرع الكلية الوسيلة الطبية الوحيدة الممكنة لمعالجة المريض المضطر، وأن يكون نجاح كل من عمليتي النزع والزرع محققاً في العادة أو غالباً، إلى جانب التحقق من وفاة المتبرع وتعتبر"صدقة جارية"للمتبرع بعد وفاته. من جهة أخرى تتفاقم إشكالية عمليات نقل كلى من متبرعين"أحياء"، من غير أقرباء الدم للمريض، خشية أن ينتج عنها مشاكل طبية وأخلاقية تتعلق بتجارة الأعضاء. ويعاقب"قانون التبرع بالأعضاء"، الساري منذ عام 1999، من يبيع الأعضاء البشرية، حتى لو كان صاحب الجسد نفسه. فضلاً عن أنه يُمنع بيع الأعضاء والمتاجرة بها مقابل الأجر أو المال ويُعاقب من يتخذها مهنة. وتزداد معاناة مرضى الكلى عاماً تلو آخر لتعذر شفائهم تماماً من المرض المزمن إلا بزرع كلية، وهو هدف صعب المنال بسبب تعذّر وجود متبرع من أقرباء الدم. وتشير الإحصائيات إلى أن نسبة زراعة الأردنيين للكلى من طريق التبرع من أقارب تبلغ نحو 30 في المئة فقط من حجم العمليات والمقدرة بپ200 عملية سنوياً. وتشير دراسات عالمية إلى أن نسبة زرع الكلى في أوروبا تبلغ 70 حالة لكل مليون مواطن، و150 حالة لكل مليون مواطن في أميركا. في حين تبلغ في الأردن 8 حالات لكل مليون مواطن. وتدفع صعوبات الحصول على متبرع"قريب"المرضى الى محاولة شراء الكلية وزرعها خارج البلاد في دول تسمح بذلك كباكستان. بيد أنها عمليات تتضمن"مجازفة كبيرة"اذ تفيد إحصائيات رسمية أن نحو 15 شخصاً يتوفون سنوياً نتيجة مضاعفات خطرة لتلك العلميات من بينها الالتهابات. وكان الأردن من الدول السباقة في عمليات زرع الكلى عربياً، إذ أجريت أول عملية في المملكة عام 1972 في الخدمات الطبية الملكية وعاش صاحب الكلية المزروعة بعد ذلك مدة 19 عاماً، وتوفي بذبحة قلبية وليس بالفشل الكلوي. ولا يمكن تجاهل الأبعاد الاقتصادية لهذه الحالات، إذ تتصل بالمعاناة الإنسانية لمحتاجي الأعضاء، اذ تقدر وزارة الصحة زرع 150 كلية في العام الواحد لمرضى الفشل الكلوي يوفر على الدولة مليون دينار إذ تتولى وزارة الصحة معالجة 80 في المئة من مرضى الفشل الكلوي في حين ترعى الخدمات الطبية الملكية النسبة المتبقية. ولتنظيم عملية التبرع بالأعضاء يطالب المركز الوطني للطب الشرعي بإنشاء"سجل وطني"لمرضى الكلى يضم أسماء جميع مرضى الفشل الكلوي الذين يجرون غسيلاً للكلى في كل أنحاء المملكة على أن يشتمل على بيانات المرضى ونتائج الفحوصات المخبرية والشعاعية وصولاً الى اختيار المريض الأكثر قبولا للكلية من الناحية الطبية بأسرع وقت ممكن. وفي الإطار ذاته، وضعت وحدة تشجيع التبرع بالأعضاء التابعة للمركز الوطني للطب الشرعي آلية لبناء قاعدة للمعلومات عن المرضى والمتبرعين مازالت متعثرة بسبب ضعف التنسيق ما بين القطاعات الصحية المختصة.