من الملاحظ في الآونة الأخيرة في مونتريال وفرة الأعمال الفنية من مسلسلات تلفزيونية وأفلام وثائقية ومسرحيات وتحقيقات صحافية تكشف كلها، كسابقة، جوانب من معاناة المهاجرين العرب في كندا خصوصاً المثقفين منهم، والتي كانت لفترة خلت قلما يكشف النقاب عنها، كصعوبة الاندماج والتمييز العنصري واختلاف الثقافات وضآلة فرص العمل فضلاً عن تهمة الارهاب. واللافت أن هذه الأعمال الفنية تتقاطع مع حركة سياسية نشطة يقودها مثقفون واعلاميون وحقوقيون ومنظمات حقوق الانسان وكلها تدعو الى التسامح ورفض أشكال التفرقة، والى الانخراط الكلي في المجتمع الجديد من منطلق المواطنة الجامعة للمهاجرين والمقيمين وسكان البلاد الاصليين. "بشير لازهار أو الغريب"هو عنوان المسرحية الكندية التي تعرض الآن في أكثر من صالة في مونتريال، وهي من تأليف ايفلين دو لا شانيير نالت لها جائزة حاكم كندا العام واخراج دانيال بريير المدير الفني للمسرح الاختباري في مونتريال. وتدور أحداثها حول مثقف جزائري بشير لازهار أو الغريب. هاجر الى كيبك بحثاً عن عمل في وقت عصيب كانت موجة الارهاب في ذروتها وأصابع الاتهام لا تستثني أحداً من العرب والمسلمين. تشير ايفلين الى أن كارثة 11 ايلول سبتمبر عام 2001 التي خلفت آثاراً سيئة على حياة العرب والمسلمين في كندا، كانت في"صلب اهتماماتي. ولجأت لهذه الغاية الى الاستعانةى بما كانت تنشره الصحف المحلية واجراء المقابلات الشخصية والاستناد الى الوثائق الصادرة عن سجلات دوائر الهجرة والمصادر الأمنية".وتسارع ايفلين الى القول إن"بشير"ليست قصة"ارهابي"وإنما"حكاية جزائري منفي، شأنه شأن أمثاله المثقفين العرب، أرغم على ترك بلاده على أمل أن تلحق به عائلته، إلا أن افرادها قضوا جميعاً في حريق، فبقي وحده غريباً في بلاد لا يعرف عنها إلا القليل". تعرض المسرحية هذا"الغريب"في مشاهد مأسوية تعتريه بين الحين والآخر نوبات من اليأس والقلق والاحباط والفراغ القاتل. فلا اصدقاء يأنس بهم ولا مؤسسات اغترابية تعنى باستقبال المهاجرين الجدد واحتضانهم ولا من يرشده الى اتمام ملفاته الشخصية في الدوائر الحكومية كالحصول على بطاقات الاقامة والضمان الاجتماعي والصحي ومعادلة الشهادات علاوة على البحث المضني عن فرصة عمل وضيعة أو رفيعة، مع صرف النظر اذا ما تكافأت مع مؤهلاته العلمية وخبراته المهنية الجزائرية، عبر ارسال مئات البطاقات الشخصية سي.في الى أي مرفق عام أو خاص يطلب عمالاً أو موظفين. وبعد لأي شديد من المعاناة واستكانته الى قدره، يبدو بشير في مشهد سوريالي مؤثر يختلط فيه الفرح بالبكاء اثر تلقيه جواباً بقبوله معلماً احتياطياً في احدى المدارس الابتدائية في مونتريال. وسرعان ما يكتشف بشير اثناء ممارسة عمله الجديد، فصلاً جديداً مما تسميه ايفلين"صدمة الثقافات التي تعتري المهاجر الجديد في أرض غير أرضه وثقافة غير ثقافته وحريات وحقوق ونظام تربوي لا عهد له فيها من قبل". وتسلط ايفلين الضوء على دهشة بشير واعجابه حيال ما لمسه داخل المدرسة وخارجها من اتساع الآفاق الثقافية وأصالة التربية المدنية ورحابة الحرية وفرادة النظام التعليمي الذي يوائم بين العلم والحياة. أما رأي النقاد بالمسرحية فمنهم من اعتبرها"مسرحية وثائقية بامتياز"ومنهم من رأى"انها دعوة لمشروع سياسي يرمي الى اندماج المجموعات الثقافية في شكل أفضل في المجتمع الكندي". ومنهم أيضاً من وجدها"محاولة جدية لتأسيس مسرح واقعي يتناول مكونات النسيج الكندي بتلاوينه الثقافية والفكرية والاجتماعية والدينية"، في حين تؤكد كاتبة القصة ايفلين أن المسرحية"لا تقتصر على معاناة اللاجئ الجزائري بشير وإنما تنسحب تحديداً على عموم الجاليات العربية والاسلامية"، مشيرة الى انها ستبقى الى جوارها لكشف المزيد من معاناة أبنائها في عمل مسرحي آخر.