يعتبر الفرنسي فيليب كوبير من أكبر الممثلين المسرحيين في باريسوفرنسا. غير أنه لا يمارس مهنته مثلما يفعل زملاؤه، أي أنه لا يشارك البتة في أعمال جماعية. يقف دوماً وحده فوق الخشبة ليؤدي نصوصاً كتبها وغالباً ما تدوم زهاء أربع أو خمس ساعات متواصلة. ومنذ تخرجه في كونسرفاتوار الدراما في باريس قبل ثلاثين سنة وكوبير وحيد على المسرح، علماً أن أيام الدراسة تعتبر من الفترات الأساسية التي يضعها في كل مسرحياته، إذ يعشق تقليد من علّمه، وتأتي النتيجة مضحكة، مسلية ومحفوفة بالفكاهة، الأمر الذي يجعل من كوبير عبقري زمانه في ميدان المسرح السولو الفردي. والأمر الذي يضحك جمهور كوبير أكثر وأكثر، هو لجوؤه إلى ملقنة تجلس في الصف الأمامي وتساعده اذا نسي بعض الكلمات أو الفقرات. غير أن فيليب كوبير قرر وضع حد لطريقته المسرحية هذه وللحكايات الشخصية التي يسردها منذ ثلاثين سنة لجمهوره العريض الذي يتبعه ويخلص له ويملأ قاعات المسارح التي تستقبله في شكل دوري سواء في باريس أو في مدن فرنسية أخرى، إضافة إلى بلجيكا وسويسرا وكندا وبعض البلدان الأفريقية الناطقة بالفرنسية، التي اعتاد فيليب كوبير زيارتها وتقديم أعماله فيها. تعرض الآن في باريس على مسرح"رون بوان"، أحدث مسرحية فردية كتبها كوبير. ويحكي فيها عن بلوغه المرحلة الراهنة من حياته واتخاذه قرار اعتزال المسرح الفردي لمصلحة السينما وربما المسرح الجماعي وخصوصاً اللون الكلاسيكي. ويعترف كوبير بعشقه لمسرحيات شكسبير وموليير وغيرهما من عمالقة الفن الدرامي عبر العصور، إضافة إلى الكوميديا الإيطالية على طريقة بيرانديلو. بدأت السينما تطرق باب كوبير في الآونة الأخيرة، فظهر في فيلم فرنسي عنوانه"سفاحون"أدى فيه شخصية زعيم عصابة من المجرمين، وحاز إعجاب النقاد والجمهور على رغم ضعف مستوى الفيلم في شكل عام. غير أن فيليب كوبير عرف كيف يجذب الكاميرا إليه ويجعلها تسجل أدق تعابير وجهه أثناء تقمصه دور المجرم القاسي الذي لا يرحم ولا يفكر إلا في الانتقام من الذين تسببوا في إلقاء القبض عليه وسجنه سنوات طويلة. الفيلم مستوحى من أحداث واقعية، والشخصية التي يؤديها كوبير فيه حقيقية، خصوصاً أن كاتب السيناريو استوحاها من وقائع موجودة في سجلات القضاء الفرنسي. والمفروض أن يفتح"سفاحون"باب الفن السابع أمام فيليب كوبير ويحوله من نجم مسرحي إلى ممثل سينمائي مرموق في فرنسا وخارجها. فملامح كوبير وتعابيره وقدراته الدرامية يمكنها أن تساعده في غزو السينما الإيطالية أو حتى الأميركية. فهو لا يقل موهبة أو وسامة عن النجوم السينمائيين العالميين ذوي الأدوار القوية. والطريف أن يختتم فيليب كوبير عمله المسرحي الفردي هذه المرة بتحية تدوم نحو ربع ساعة موجهة إلى الشخصيات التي ظهرت في مسرحياته عبر الثلاثين سنة الماضية وكان أداها كل مرة بمفرده مثل أمه ومعلمته في معهد التمثيل وزملائه وأصدقائه ومديري المسارح التي عرض عليها أعماله المختلفة.