في فيلم شبه وثائقي مبني على وقائع وشهادات عن حياة بلير الباكرة، يظهر بلير طويل الشعر نسبياً في اوائل عشريناته وهو يحمل غيتاره وحقيبة ملابس على باب منزل شاب لندني كان بلير قد عرفه في ايام الدراسة معرفة سطحية. قبل ان يفتح الباب، يخفي بلير الحقيبة جانباً ولا يظهر الا غيتاره. وعندما يفتح صاحب البيت الباب، يذكره بلير بنفسه ويرجوه ان ينزله عنده ليلة او اثنتين بينما يجرب حظه في العزف في بعض حانات لندن املاً بأن يكتشف احد موهبته الموسيقية. ويقول صاحب البيت في شهادته ان اقامة بلير عنده امتدت لبضعة اشهر. كان ذلك الشاب يأمل ان يصبح موسيقياً شهيراً من موسيقيي ال"روك"، ولكن طموحه في هذا المجال بدا أكبر بكثير من موهبته، فتحول بعد حين الى السياسة ودخل حزب العمال بعد ان كان قد حصل على درجة في القانون في جامعة اكسفورد. وقد فاز بلير، بعد محاولة اولى فاشلة، بمقعد في مجلس العموم عام 1983 عندما كان في الثلاثين من عمره. وكان صعوده في الحزب سريعاً اذ رقي في العام التالي الى ناطق باسم الحزب في الشؤون المالية ثم رقاه جون سميث بعدما تولى زعامة الحزب في 1992 الى ناطق باسم الحزب في الشؤون الداخلية في العام 1984. في اعقاب وفاة سميث فجأة انتخب بلير في تموز يوليو 1994 زعيماً لحزب العمال مع ان الرجل الذي ينافسه الآن على زعامة الحزب، وزير المال غوردون براون شعر بأنه الأحق بالمنصب ورأى انه كان يجب ان يكون المرشح الوحيد لزعامة الحزب لكنه رضخ لمشورة محكم بينهما هو بيتر مندلسون وقبل بأن يتولى بلير زعامة الحزب اولاً على ان يخلفه هو في وقت لاحق. وكانت تلك هي الصفقة التي اورثتهما واورثت حزبهما ايضاً متاعب واعباءً ثقيلة. يلام بلير او يعزى له الفضل، الى جانب براون ومندلسون، في نقل حزب العمال من يسار المسرح السياسي البريطاني الى وسطه عن طريق تحجيم نفوذ نقابات العمال القوي داخل الحزب، الامر الذي جعله في الواقع حزباً مختلفاً استحق اسم حزب العمال الجديد الذي اطلقه عليه مهندسوه الجدد. وجاء تحول الحزب وصعود بلير السريع فيه الى القمة في وقت كان حزب المحافظين في صراع داخلي وسط فضائح فساد في صفوفه ومشاعر ضجر وشكوى لدى الناخبين من طول بقاء المحافظين في الحكم لنحو 18 عاماً تربعت مارغاريت ثاتشر خلال معظمها على رأس الحكومة. وعندما جرت الانتخابات العامة في 1997 جاء فوز حزب العمال الجديد كاسحاً اذ حصد 418 مقعداً وكانت غالبيته 179 مقعداً. وفاز حزب العمال بالحكم مرة ثانية في حزيران يونيو 2001 ثم حقق بزعامة بلير، سابقة تاريخية لحزب العمال بفوزه بالحكم مرة ثالثة في 5 ايار مايو 2005 ولكن بغالبية اقل بكثير هي 67 مقعداً. ان ارتفاع الاصوات المطالبة من داخل حزب العمال الجديد بأن يتنحى بلير عن الحكم لمصلحة براون يثير مسألة ما اذا كان هذا يلغي دور الناخبين في اختيار رئيس الوزراء ويوكل الامر للحزب الحاكم في مخالفة للاعراف والاصول الدستورية. ولكن يبدو في حالة بلير انه استنفد رصيد الثقة الذي منحه اياه الناخبون عندما اصر على رغم الاحتجاجات الشعبية العارمة على ان يشارك الرئيس الاميركي جورج بوش حربه غير القانونية على العراق. وقد ثبت ان بوش وبلير كليهما اعتمدا على معلومات مفبركة وكاذبة بشأن تسلح العراق في اصرار واضح على شن تلك الحرب التي دمرت بلداً عربياً عريقاً ذا ثقل ما زال مرشحاً للانقسام تحت وطأة الحرب الاهلية في ظل الاحتلال. لقد احسن مئات الساسة والمفكرين الفلسطينيين الذين طالبوا بلير بعدم الذهاب الى الاراضي الفلسطينية صنعاً بعدما اتهموه، عن حق، بالانحياز المفرط الى جانب اسرائيل. لقد اطاح العراق لاعب الغيتار... ولو بعد خراب البصرة.