أمير الشرقية يكرم الداعمين والمشاركين في مهرجان ربيع النعيرية    رئيس مجلس الشورى يبدأ زيارة رسمية إلى مملكة كمبوديا    "حرس الحدود" في قطاع الوجه تحبط تهريب 20.3 كجم من مادة الحشيش المخدر    320 طالبًا يشاركون في برنامج "موهبة الإثرائي الأكاديمي" بجامعة الإمام عبد الرحمن    نائب أمير الشرقية يستقبل الداعمين والجهات المشاركة في مهرجان ربيع النعيرية    جولة دعوية تنفذها مساجد العيدابي    الشؤون الإسلامية في جازان تنفذ جولات ميدانية لصيانة جوامع ومساجد المنطقة    الرئاسة الفلسطينية تحذّر من توسيع عمليات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة    استعدادات مكثفة لمواجهة موسم الغبار في جازان    من أعلام جازان.. الشاعر والأديب محمد بن علي النعمي    المنتخب الإنجليزي يتوّج بلقب بطولة كأس أمم أوروبا للشباب    كأس العالم للأندية .. تشيلسي يقسو على بنفيكا برباعية ويتأهل لربع النهائي    "الإحصاء": قيمة صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر 22.2 مليار ريال للربع الأول 2025    صنع في مصر بالكامل.. جامعة القاهرة تعلن حصول أول جهاز تنفس صناعي على الترخيص التجاري    المملكة تستعرض تجربتها في بناء منظومة الذكاء الاصطناعي    د عبد الله الاحمري مساعد وزير الصناعة: قيمة الثروات المعدنية في منطقة نجران ارتفعت إلى 227 مليار ريال    رحلات جوية مباشرة تربط هايكو جنوبي الصين بجدة السعودية    بعثة الهلال تصل أورلاندو تحضيرًا لمواجهة مانشستر ستي في دور ال16 من كأس العالم للأندية    ترحيب خليجي باتفاق السلام بين رواندا والكونغو الديمقراطية    "رونالدو": الدوري السعودي من الأقوى بالعالم وستنظم أجمل مونديال    في دور ال 16 من كأس العالم للأندية.. سان جيرمان يصطدم بميسي.. وبايرن ميونيخ يواجه فلامنغو    فاز بمنصب النائب الأول لرئيس البرلمان العربي.. العتيبي: مبادرات القيادة رائدة لدعم مسيرة العمل المشترك    متمسكة بمشروعها التوسعي.. إسرائيل تشترط الاحتفاظ بالجولان للتطبيع مع سوريا    أكدت أهمية التحقق من صلاحية السيارة.. المرور: ضبط"2027″ مركبة لوقوفها في أماكن ذوي الإعاقة    1587 حالة ضبط في المنافذ الجمركية خلال أسبوع    الثلاثاء.. بدء التطبيق الإلزامي لخدمة "تصريح التوصيل المنزلي"    بوتين: مستعدون لجولة مفاوضات جديدة مع كييف    موجز    انطلاقة عام 1447    بتخريج 63 متدربًا من برامج الدبلوم العالي بأكاديمية الأمير نايف بن عبدالعزيز    مشيداً بجهود الحكومة وتسارع النمو..صندوق النقد: الاقتصاد السعودي واجه الصدمات العالمية بمرونة عالية وتنوع الاستثمارات    «درجة الغليان» بين منة شلبي وعمرو سعد    فنربخشه وجهته المقبلة.. " دوران" يقترب من مغادرة النصر    استمرار المسار الإثرائي الذكي لتعزيز التجربة .. السديس: الخطة التشغيلية لموسم العمرة تستغرق 8 أشهر    جون سينا يحافظ على بطولة "WWE" بعد فوزه على بانك    وزير الدفاع يتلقى اتصالًا هاتفيًا من رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية    «السجون» تحتفل بالاعتماد الأكاديمي العسكري    المملكة تحارب السموم.. وطن بلا مخدرات    «الملك سعود» و«المنتجين».. تعاون فني وثقافي    تدريب منتسبي الجهات الحكومية والخاصة على الإنعاش والإسعافات الأولية    الاكتتابات في السوق المالية بين تضخم الأسعار وتخمة المعروض    تخريج 63 متدربًا من أكاديمية نايف بن عبدالعزيز لمكافحة المخدرات    الترويج للطلاق.. جريمة أمنية    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالتخصصي ينهي معاناة «ثلاثينية» مع نوبات صرع يومية بجراحة نادرة ودقيقة    تجديد اعتماد «سباهي» لمركزي المربع وشبرا    إطلاق مبادرة «توازن وعطاء» في بيئة العمل    وكالة الشؤون النسائية بالمسجد النبوي تُطلق فرصًا تطوعية لتعزيز تجربة الزائرات    في ثالث أيامه.. معرض حرس الحدود التوعوي يواصل فعالياته في عسير    الحج نجاح تاريخي للمملكة    ولي العهد صانع المجد وافي الوعد    تكليف الدكتور مشعل الجريبي مديرًا لمستشفى الملك فهد المركزي بجازان    بلدية فرسان تكرم الاعلامي "الحُمق"    نائب أمير جازان يستقبل رئيس محكمة الاستئناف بالمنطقة    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي، ويناقش تحسين الخدمات والمشاريع التنموية    ترامب يحث الكونغرس على "قتل" إذاعة (صوت أمريكا)    وزير الداخلية يعزي الشريف في وفاة والدته    استشاري: المورينجا لا تعالج الضغط ولا الكوليسترول    أقوى كاميرا تكتشف الكون    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مأزق "حزب الله" ومأزق المنطقة
نشر في الحياة يوم 14 - 08 - 2012

تدور رحى حرب الشرق الأوسط الجديدة على جبهتها العربية تحت راية"حزب الله"، وفي ذلك دلالات أكثر من رمزية، الحرب الأولى دارت تحت رايات الأنظمة العربية والحربان اللتان تلتاها دارتا تحت راية القومية العربية بطبعتيها الناصرية والبعثية، ثم دارت حرب أخرى تحت راية ياسر عرفات التي اصطفت وراءها التيارات التي أفرزتها مرحلة انكسار المشروع القومي.
أما هذه الحرب فقد كان طبيعيا، في زمن المد الأصولي، أن تخاض تحت راية"حزب الله"، مما يطرح سؤالا عما إذا كانت دائرة الصراع الآن قد استكملت دورتها حول كل الرايات السياسية والعقائدية المرفوعة في عالمنا العربي منذ أكثر من ستين عاما، مما يفتح باب التكهنات واسعا ليس حول مستقبل هذا الصراع القاسي والمرير فقط، بل عن مستقبل المنطقة برمتها، في ما إذا أثبت واقعها المزري أنه أكثر حضورا من التوقعات، من نوع اعتبار"حزب الله"، أنه يخوض"آخر حروب إسرائيل"، والمعنى هنا واضح.
تتطلب الإجابة عن هذا السؤال ومحاولة استكشاف التوقعات الناتجة عن هذه الحرب العودة إلى شيء من تاريخ الصراع، خصوصاً ذلك الجزء الذي عايشته الأجيال العربية الحالية، وبالخصوص تلك التي تمتلك القدرة على أن تنظر إليه الآن متجردة من الافتتنان المفرط في أساطيره ومن عادة التحديق النرجسي في الصورة القومية، وكذلك من خلال الرغبة في التعلم من تجارب الماضي الأليمة بهدف إعادة اكتشاف الذات، على اعتبار أن القراءة النقدية للتاريخ هي من الضروريات الأساسية للخروج من نفق التراجيديا الكبرى الذي دخلت فيه المنطقة منذ أكثر من ستين عاماً. فالمشكلة الحقيقية في ما يحدث الآن هي أن التاريخ يعيد نفسه، كما ظل يفعل منذ ذلك الحين، بينما يغيب النقاش الجوهري باسم الضرورات المختلفة، وكأن تاريخ الصراع الطويل هو مجرد قصة من قصص النوم التي تروى للأطفال، وليس وعاء للذاكرة القومية وعملية تعلم ضرورية، يتحمل المنخرطون فيها مسؤوليتهم تجاه الحاضر والمستقبل.
لا يجادل أحد أن العرب منذ عام 1948 هم ضحايا أكبر عملية افتئات جرت في التاريخ البشري الحديث، وأن إسرائيل - مهما حاول المرء أن يزين هذه الحقيقة بدعاوى أخرى - تصرفت منذ ذلك الحين بأسلوب المنتصر، الذي يحاول أن يقهر ضحيته ويسحق كل محاولة لديها للنهوض والتحدي. غير أن الحقيقة هي أيضا أن الكارثة التي حلت على العرب يومئذ، والمستمرة لحد الآن، كانت نتيجة سلسلة من الإخفاقات والعجز والتخبط والسياسات العشوائية والتناحر وكذلك التبريرات التي تحاول أن تعفي العرب من أية مسؤولية وتلقي بتبعات هزيمتهم التاريخية على عدوهم.
ملخص القراءة المتفحصة لتاريخ الصراع منذ فوزي القاوقجي وعزالدين القسام وأمين الحسيني مروراً بنوري السعيد والملك عبدالله الاول والملك فاروق وجمال عبدالناصر وأنور السادات وصدام حسين، حتى خالد مشعل وحسن نصرالله وسائر قادة المواجهة الحاضرة، هو افتقاد العرب لرؤية واستراتيجية موحدة، الأمر الذي يعني أنهم بغض النظر عن الرواية المتداولة، لم يكونوا يحاربون إسرائيل على جبهات مختلفة، بل ومتناقضة، فقط، بل كانوا فعليا يحاربون بعضهم بعضاً.
فالحقيقة المرة أنه ومنذ الحرب الأولى والأنظمة والجماعات العربية، كانت تخوض الحروب مع إسرائيل، أو تدفع نحوها، باسم الأهداف القومية الكبرى، إلا أن الوقائع التاريخية تشير، بعد أن يجري تمحيصها وإزالة الشوائب عنها، إلى أن هذه الأنظمة والحركات كانت غالبا مدفوعة في مسعاها ذلك بمصالح خاصة وغايات قطرية أو ذاتية ضيقة، والأمر كان دائما يتعلق بالبحث عن أو ترسيخ شرعية مفقودة أو مهزوزة أو تعزيز أدوار تخبو ويعفو عليها الزمن. هذا ما حصل في الحروب الخمس الأولى على رغم كل الشعارات القومية التي غلفت الخطابات الرسمية والنخبوية السائدة يومها، والتي أنتجت بعدها سلسلة من الانقلابات العسكرية والسياسية، جاءت بالأنظمة المتتالية التي جاهدت كي تحافظ على التوازن بين متطلبات الكفاح المشترك ضد العدو الواحد، اسميا، وبين حاجات ومتطلبات البقاء، عمليا.
بعمليته التي أطلقت شرارة الحرب فإن"حزب الله"جاء يحاول القضاء على الحالة الراهنة أو كما قال قادته تدمير قواعد اللعبة التي بنيت خلال ستين عاماً من إدارة الصراع مع إسرائيل. فالحزب، من وجهة النظر هذه، هو مجرد حركة سياسية تسعى للحفاظ على شرعية ودور اكتسبته في مرحلة غابت فيها الدولة اللبنانية عن مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وكان ذلك مقبولا ما دام الأمر لا يتناقض مع الشرعية التي اكتسبها النظام الرسمي العربي ولا يتحدى أسلوب إدارته للصراع. إلا أن إطلاق"حزب الله"لهذه الحرب السادسة كان أكثر من محاولة لاختبار قدرة النظام العربي على التورط في حرب جديدة لم يكن مستعدا لها، بل اعتبر ما قام به مسعى لاختطاف قرار دولة عضو في هذا النظام، مما اعتبر محاولة تدمير نهائي للمنجز التاريخي الأكبر لهذا النظام.
غير أن الأمر لم يقتصر على هذا فحسب، بل إن عملية"حزب الله"هددت بتدمير النظام العربي نفسه من خلال ثلاث قضايا أساسية ارتبطت بما قام به، وهي:
1- اعتبار الحرب التي شنها حربا بالوكالة نيابة عن أطراف بعضها غير عربي، وربما تحمل أجندات مغايرة أو حتى معادية للنظام العربي. 2- أنه حزب أصولي سيسمح انتصاره في هذه الحرب بيقظة أصولية تهدف أساسا الى تحطيم هذا النظام. 3- الحزب حركة شيعية قريبة من ايران وسيخلخل انتصاره، بأي شكل من الأشكال، حالة التوازن الهشة القائمة في المنطقة وينمي جملة الهواجس والمخاوف المذهبية الناتجة أساسا عن تجليات الوضع في العراق.
من هنا يأتي هذا الأحساس بأن"حزب الله"أساء في تقديراته التي قام على أساسها بتأجيج الحرب الأخيرة من دون تحليل صائب للوضع اللبناني والاقليمي والدولي الذي يقوم على حسابات سياسية واستراتيجية أعقد كثيرا من حسابات البازار وعقلية الدكاكين والثنائيات المبسطة. لم يكدر"حزب الله"الوضع الراهن ولا حاول توريط العرب بحرب جديدة فقط، بل كان خطؤه الأكبر أنه وضع العالم العربي الذي يمر بمرحلة قلقة أمام تحديات ناتجة هذه المرة عن موقف صعب يتعلق باعتبارات مذهبية ذات طبيعة جيوسياسية تمس توازنات إقليمية فائقة الحساسية. ومن الطبيعي أن تكون هناك إرادة في الصمود والمقاومة والكفاح من أجل الحقوق طالما هناك إحساس شديد بالظلم الناتج عن الاحتلال الغاشم وقهره، ومن المؤكد كذلك أن النظام العربي أثبت فشلا ذريعا في مواجهة التحدي الاسرائيلي، لكن التخبط والخطوات الأحادية وانعدام الجدية في التعامل مع الواقع وخلط الأمور تؤدي إلى المزيد من التشوهات في القضية وتعقد طرق حلها.
لقد كشفت كل حرب عربية - إسرائيلية منذ عام 1948 عن علل الأنظمة العربية الكثيرة التي كانت وراء إخفاقاتها وهزائمها، بل إنها كشفت أيضا عن العيوب التي تمتاز بها الشعوب العربية وعلى رأسها الضعف والاتكالية والاستسلام أمام الأمر الواقع، والتي جعلت من هزائمهم معا شمولية عميقة الأثر. غير أن ما يميز الحرب الجديدة هو أنها سلطت الأضواء على واحدة من أخطر العلل التي يعاني منها الجسد العربي، وهي الانقسامات المذهبية التي ظلت بعيدة عن مجرى الصراع مع إسرائيل حتى أطلت برأسها الآن بسبب التفاعلات في المنطقة الناتجة عما أصبح يعرف في الأدبيات السياسية بنمو النفوذ الشيعي نتيجة تطورات الحرب في العراق.
هناك أسئلة جوهرية لا بد من طرحها ضمن إطار تحليلي لمستقبل المنطقة والتحديات الأمنية والسياسية التي تواجهها إذا نجح"حزب الله"فعلاً في تغيير قواعد اللعبة فيها. ما هي القواعد الجديدة التي ينوي"حزب الله"فرضها وهل يسعى ان يكون هو فيها لاعباً رئيسياً وبالطريقة نفسها التي يدير بها قواعد لعبته في لبنان، أي اختطاف قرار الدولة، والانفراد باتخاذ القرار الاستراتيجي، والهيمنة على باقي القوى السياسية في البلاد؟ ما هو مستقبل علاقة"حزب الله"الاستراتيجية مع إيران في الوقت الذي ترى فيه بعض الدول العربية أن إيران التي تسعى لاستخدام أزمتها النووية مع الغرب لتعزيز موقعها الإقليمي تشكل أيضا تهديداً خطيراً للأمن القومي العربي؟
لقد كان على"حزب الله"أن يدرك الإشارات العديدة التي أطلقها قادة في المنطقة منذ الحرب الأميركية على العراق عام 2003 حول الدور الشيعي المتصاعد والمخاوف من تنامي العلاقات بين الشيعة العرب وإيران وفي ظل الطموحات الإيرانية المتصاعدة في المنطقة. كان عليه ان يدرك أيضا أنه في ظل الدعوات المتجددة لبناء شرق أوسط جديد فان لبنان بتجربته التاريخية، ورغم عثراتها، لا يزال يقدم نموذجا جيدا للتعايش بين المذاهب والطوائف والأديان، وهي تجربة لا ينبغي تدميرها بل صقلها وتنميتها لكي تقدم لباقي دول المنطقة. لقد كان على"حزب الله"أن يدرك كذلك أن العمل، في هذه المرحلة البالغة الخطورة، على إعادة تأصيل التشيع العربي، كعنصر تاريخي وروحي وثقافي أساسي في المنطقة هو أهم بكثير من تحقيق أهداف جزئية في مجرى الصراع الجاري في المنطقة وعليها.
ها هو تاريخ المنطقة إذن يعيد نفسه، ولكنه يعيده، كما في كل مرة، تراجيديا، وبغض النظر عن الرايات التي تخفق فوقها. قد يكون"حزب الله"في مأزق، نتيجة رد الفعل غير المتوقع لإسرائيل، كما أقر قادته، ولكن المنطقة كلها في مأزق دائم. هل هناك ديناميكية خفية، كما كان يسأل إدوارد سعيد، نقوم من خلالها بتكرار أخطائنا وكوارثنا من دون أن نتعلم من ماضينا أو حتى نتذكره؟ لقد انتجت حرب ال1948 خريطة جديدة للمنطقة، وها هي حرب ال2006 تبشر بشرق أوسط جديد. إننا دائما، حسب سعيد، عند نقطة البداية نبحث عن حل"الآن"، حتى لو كان هذا"الآن"يحمل كل علامات ضعفنا التاريخي ومعاناتنا الإنسانية.
* كاتب عراقي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.