محافظ محايل يزور مستشفى المداواة ويطّلع على مشاريع التطوير والتوسعة الجديدة    البرازيل تمدد محادثاتها بشأن قضايا خلافية في قمة المناخ    المنتخبات السعودية ترفع رصيدها إلى 22 ميدالية في دورة ألعاب التضامن الإسلامي    تحذير فلسطيني من تهجير قسري في قلنديا ينتهك القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف    تراجع أسعار الذهب 0.1 %    عقد شراكة بين فرع الهلال الأحمر السعودي وبيت الثقافة بمنطقة نجران    المصلون يؤدون صلاة الاستسقاء في جميع مناطق المملكة    ورشة استراتيجية مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة 2026–2030    كمبوديا وتايلاند تتبادلان الاتهامات بالتسبب بمواجهات حدودية جديدة    محافظ القطيف يرعى انطلاق فعالية «منتجون» للأسر المنتجة    الرياض تحتفي بانطلاق البطولة العربية للجولف للرجال والرواد    كريستيانو رونالدو: المونديال القادم هو الأخير لي    رئيس برشلونة ينفي تقارير عودة ميسي    100 ألف وظيفة تستحدثها بوابة الاستثمار في المدن    صندوق الفعاليات الاستثماري يعزز قطاعات الرياضة والثقافة والسياحة والترفيه في المملكة    المرور يستعرض أحدث التقنيات في إدارة الحركة المرورية بمؤتمر ومعرض الحج    «أفواج جازان» تقبض على مخالفَيْن لنظام أمن الحدود    ستة معايير سعودية تقود عملية تطوير مؤسسات التعليم العالي عربيًا    ذاكرة الحرمين    الشلهوب: الرسائل المؤثرة.. لغة وزارة الداخلية التي تصل إلى وجدان العالم    وفد رفيع المستوى يزور نيودلهي.. السعودية والهند تعززان الشراكة الاستثمارية    الصادرات السعودية في معرض جاكرتا    وزير الخارجية يستعرض مع نظرائه الأمريكي والهندي والألماني المستجدات    في دور ال 32 لكأس العالم للناشئين.. مواجهات صعبة للمنتخبات العربية    في الميركاتو الشتوي المقبل.. الأهلي يخطط لضم الألماني«ساني»    وسط مجاعة وألغام على الطرق.. مأساة إنسانية على طريق الفارين من الفاشر    وسط جدل سياسي واسع.. الرئيس الإسرائيلي يرفض العفو عن نتنياهو    أوروبا وكندا تدعوان لتنفيذ اتفاق غزة    الوكالة الذرية تفقد القدرة على التحقق من مخزون اليورانيوم الحساس    خادم الحرمين يدعو لإقامة صلاة الاستسقاء اليوم    يجتاز اختبار القيادة النظري بعد 75 محاولة    شهدت تفاعلاً واسعاً منذ إطلاقها.. البلديات: 13 ألف مسجل في مبادرة «الراصد المعتمد»    تجربة الأسلحة النووية مرة أخرى    تعزز مكانة السعودية في الإبداع والابتكار.. إطلاق أكاديمية آفاق للفنون والثقافة    «مغن ذكي» يتصدر مبيعات موسيقى الكانتري    160 ألف زائر للمعرض.. الربيعة: تعاقدات لمليون حاج قبل ستة أشهر من الموسم    نوّه بدعم القيادة لتمكين الاستثمارات.. أمير الشرقية يدشن أكبر مصنع لأغشية تحلية المياه    القيادة تعزي رئيس تركيا في ضحايا تحطم طائرة عسكرية    نفذتها "أشرقت" بمؤتمر الحج.. وكيل وزارة الحج يدشن مبادرة تمكين العاملين في خدمة ضيوف الرحمن    القيادة تعزي الرئيس التركي    فيصل بن فرحان ووزيرة خارجية كندا يستعرضان العلاقات وسبل تعزيزها    تعزيز التعاون الإعلامي بين كدانة وهيئة الصحفيين بمكة    فرحة الإنجاز التي لا تخبو    أمير جازان يشهد انطلاق أعمال ورشة الخطة التنفيذية لمنظومة الصحة 2026    "تنظيم الإعلام" تقدم مبادرة "التصريح الإعلامي المبكر" ضمن مشاركتها في مؤتمر ومعرض الحج    وزيرا الثقافة والتعليم يدشنان أكاديمية آفاق للفنون والثقافة    جلسة حوارية حول "الاتصال الثقافي بين السعودية والصين" في قسم الإعلام بجامعة الملك سعود    خادم الحرمين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء بجميع أنحاء المملكة يوم غدٍ الخميس    وزير الصحة السعودي: الاستطاعة الصحية شرط الحصول على تأشيرة الحج    تحسين متوسط العمر في ضوء رؤية 2030    المفتي يحث المسلمين على أداء صلاة الاستسقاء غداً    «محمية الإمام» تطلق تجربة المنطاد    دراسة: فيروس شائع يحفز سرطان الجلد مباشرة    بدء التسجيل لجائزة سلامة المرضى    أمير نجران يستعرض تقرير "التجارة"    أمير المدينة يتفقد محافظة المهد    علاج جيني واحد يخفض الكوليسترول    أقراص تطيل العمر 150 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إن كانت الديموقراطية سلعة أميركية ، فأحسنوا ، أيها الأميركان ، طرق تسويقها
نشر في الحياة يوم 13 - 08 - 2012

في 1997 ساهمت في مؤتمر عقد في نيودلهي لتأسيس"المنبر العالمي للديموقراطية". كان اختيار نيودلهي مكانا لعقد المؤتمرموفقا لعدة أسباب. فالهند التي تضم سدس سكان الكرة الأرضية أكبر ديموقراطية في العالم وتجربتها الديموقراطية المستقرة منذ نهاية أربعينات القرن الماضي تفنّد خرافة ينادي بها بعض أنصار وخصوم الديموقراطية تزعم أن الأخيرة بنت الحضارة المسيحية أو الأوروبية الأثينية، لا تستقيم إلا بالترابط معهما.
ولعل أهم ما في المؤتمر الذي تحول إلى كرنفال سياسي فيما بعد المحاضرة التي افتتح بها أمارتيا سن، حامل جائزة نوبل للإقتصاد، أعماله وكان عنوانها"الديموقراطية كقيمة كونية"، وفيها يبرز سن مساهمة الحضارات المختلفة في نشوء فكرة الديموقراطية وسيرورتها وينتقد بشدة الأفكار التي تدعو إلى تأجيلها إلى ما بعد مرحلة إشباع البطون.
جاءت محاضرة سن أشبه برد، غير مقصود، على ماسبقها. فلإضفاء هالة من الأهمية على الفعالية، حرص المنظمون على حشد أكبر عدد من رسائل التحية من رؤساء دول العالم غربا وشرقا، وكلها قُرئت بالنيابة بالطبع، حتى جاء دور رسالة الرئيس الأميركي بيل كلنتون، الذي كان لابد وأن يميز رسالته بأن ظهر علينا على شاشة فيديو كبيرة يقرأ رسالته.
لم يكن كل هذا مهما، ولا الجو الطقوسي المفتعل الذي يذكّر بمؤتمرات الحزب الشيوعي السوفياتي. الأمر المميز، أن الرئيس الأميركي لم يكتف بتحية المؤتمرين، أو الحديث عن الديموقراطية، بل شكرنا على التزامنا بالديموقراطية ودفاعنا عنها!
تذكّرت ماسبق وأنا أتابع تصريحات كوندوليزا رايس عن ولادة الشرق الأوسط الجديد من بين جثث الأطفال والمدنيين اللبنانيين والفلسطينيين والعراقيين، وتساءلت: أيدركون في تبشيرهم بالديموقراطية، أية إساءة كبرى يلحقون بها؟
أن يشكر الرئيس الأميركي الديموقراطيين يعني أنهم قدموا له خدمة وانه يعترف لهم بهذا الجميل، ناقضا بذلك صراعات إنسانية مديدة من بشر قد لا يعرفون مايجري في أميركا، من أجل تحسين شروط حياتهم واستعادة كراماتهم المهدورة، ليحيل ذلك كله إلى بشر مشكورين لشرائهم وتسويقهم سلعة أميركية اسمها الديموقراطية. وما صورة الديموقراطية والحداثة إذا اقترنت في أذهان الناس العاديين بكل هذا الدم المراق والخراب والدمار؟
ليس مطلوبا تزوير التاريخ والوقائع بالإدعاء بأن ولادة النظم السياسية الجديدة، ومنها النظم الديموقراطية، تمت وتتم من دون صراعات كانت دموية في معظم الأحيان. ولكن شتّان بين صورة الجماهير التي نزلت إلى الشوارع لتسقط طاغية مثل تشاوتشيسكو في عملية دموية وبين أطفال قتلى تلوّح كوندوليزا رايس بأنهم ثمن الديموقراطية التي لم يختاروها.
منطقان متشابهان: منطق أميركي يقول بقبول الدمار لأنه ثمن ما نريد تحقيقه لكم، ومنطق السيد نصرالله الذي يدعو اللبنانيين إلى الترحيب بالدمار لأنه يحقق ما يريده لهم. وفي كلتا الحالتين لا أحد يستشير اللبنانيين أو الفلسطينيين أو العراقيين في ما يختارون أو يريدون.
لا تخفي الإدارة الأميركية أن اندفاعها المحموم لإشاعة ما تعتقد أنه ديموقراطية في الشرق الأوسط لا يعود إلى اهتمامها بتطلعات الشعوب، بل إلى ان النظم الديموقراطية تقضي على الأسس المولدة للإرهاب الذي يهدد الأمن القومي لأميركا والغرب.
إن صحت هذه الفكرة، ولا يبدو أن نمو خلايا الإرهاب في بريطانيا وأندونيسيا تدعمها بالكامل، فسنعود إلى السؤال القديم الجديد والسقيم عن تصدير الثورة وتصدير الديموقراطية قبل أن تتوافر شروطها المحلية في مجتمع ما. إذ غالبا ما يتكىء أنصار الدقرطة الفورية على أن عصر العولمة والإعلام الكوني السريع يضع الصورة والخبر وإنجازات الشعوب في متناول الفرد الأفغاني والأميركي في وقت واحد، جاعلا من العالم، على حد تعبيرهم، قرية صغيرة موحدة. لكن ما يغفل عنه القائلون بذلك أن توحيد العالم لا يعادل البتة التكافؤ في الوصول إلى مصادر المعلومات بل تشابه دلالة المعلومة لدى المتلقين من خلفيات قومية وحضارية واجتماعية متباينة.
أسامة بن لادن وجورج بوش وملايين الناس كانوا يعرفون مركز التجارة العالمي في نيويورك بفضل التواصل الإعلامي، لكن هذا المركز كان يمثل رمز امبراطورية الشر لدى الأول ورمز الرخاء والقوة الأميركية لدى الثاني، ومعلما سياحيا لدى آخرين ومصدر عيش لعشرات ألوف الموظفين والعمال هناك.
لعل تسارع الضخ الإعلامي وانتشاره الكوني معلمان للعولمة، لكن هذا يشي بمخاطر تحملها العولمة إذ يطّلع الناس على الفجوات الهائلة في مستويات الرفاه التي تفصل بين الشعوب مثيرةً نزعات الإنتقام ممن يتمتعون بما لا يتاح لغيرهم. وإن كان التسارع في الضخ الإعلامي من مظاهر العولمة، فإن الضخ الإعلامي واستقباله المتفاوت، بل المتناقض، ليس ابن العصر الحديث. منذ نهاية الحرب الثانية كانت إذاعات أوروبا الحرة وصوت أميركا مكرسة لتأليب شعوب بلدان الكتلة السوفياتية والبلدان التي اتخذت أنظمتها مواقف معادية للولايات المتحدة ضد أنظمتها الشمولية والحديث عن محاسن الديموقراطية والحرية التي يتمتع بها الغربيون. كانت الدعايات الفجة لصوت أميركا منذ الأربعينات حتى السبعينات واحدة في الجوهر.
فلماذا لم تكن تلك الدعايات مؤثرة جماهيريا خلال الخمسينات والستينات، في حين أخذت مفردات الديموقراطية وحقوق الإنسان تنتشر على الألسنة منذ نهاية السبعينات على الأقل؟ لا يكمن الجواب في تغير الدعاية، أو في عدم معرفة البشر بالقيم المبشّر بها، بل في أن موجة التفاؤل التي صاحبت نهوض التحرر الوطني والتطور الإقتصادي للبلدان الإشتراكية خلال الخمسينات كانت توحي بأن العدو يحاول القضاء على النجاحات المتحققة باستخدام شعارات تخديرية كالديموقراطية.
حين انقضت موجة التفاؤل، لم يكن الخيار الديموقراطي هو البديل التلقائي الذي تصدّر العمل للتغيير الإجتماعي والسياسي في منطقتنا، كما بات واضحا، بل البديل الذي يعد الناس بالعودة إلى ماض مجيد متخيل. ولم تكن الوسائل المفضلة المطروحة لتحقيق هذا التغيير تكمن في الحركات الجماهيرية السلمية بل اللجوء إلى السلاح. هكذا انتقلنا من هيمنة حركات"علمانية"شبه معسكرة، بل شبه فاشية، إلى حركات لا ترى العلة في الوسائل الفاشية بل في العلمانية.
بدهي أن فكرة الشرعية"النابعة من فوهة البندقية"ليست أو بتعبير أدق، لم تكن حكرا على منطقتنا، بل لم تبدأ عندنا. فالشعار الذي صاغه ماو تسي تونغ اكتسح العالم في الستينات. لكن ما تجاوزه العالم بعد عقدين من الزمن على أكثر تقدير، ظل معشعشا في مجتمعاتنا. الرئيس البرازيلي سيلفيو دي لولا يشرح الأمر في مقابلة مع صحيفة"الفايننشيال تايمز"اللندنية:"منذ 1990، شرعنا بتعزيز فكرة أن الديموقراطية أفضل سبيل أمام القطاعات المبعدة اجتماعيا عن السياسة لكسب السلطة، بعد أن كانت مختلف مجموعات اليسار ترى الكفاح المسلح الوسيلة الوحيدة للوصول إلى السلطة".
ليت السيدة رايس تتعلم درساً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.