كانت الفضائيات الرسمية تبث ما تريد، وكان المشاهد ينظر متحسراً: لو أن البرنامج التالي تضمّن بعض الأغنيات العاطفية، بدلاً من تلك السياسية المحتقنة. ولو أن نشرة الأخبار كانت موجهة بدرجة أقل. لو أن أمامي محطة تلفزيونية أخرى. تحقق الحلم الآن، للمشاهد الذي كان يتذمّر، وانبجس الفضاء عن محطات ومحطات ومحطات تلفزيونية، جعلته ينسى أيام"الحكم التلفزيوني الأرضي". دام هذا لبضع سنين، وغرق المشاهد في بحر من الكلام الموجه إليه شخصياً. أغنيات متواصلة إن كنت تريد، ومباريات كرة قدم لا تخلو من الأهداف والإصابات، وأفلام سينمائية كان يحلم كثيرون بمشاهدتها في البيت، وبرامج خفيفة وأخرى سياسية وحوارية. باختصار، وجد المشاهد كل ما يريد على التلفزيون، إلا أمراً واحداً كان يتمنى لو كان متوافراً. فلا وجود لمحطة تلفزيونية، مهما ابتعدت من السياسة وغنت لها، لا تملك أجندة واضحة المعالم تسير بموجبها، وتجعل المرء يشعر بأنه أمام شاشة لا تملك حساً كافياً من الديموقراطية. كانت أمام المشاهد شاشة أو اثنتان، تبثان أرضياً، فيما الآن مئات منها يبث عبر الفضاء. لم تتغير الأجندة، ومحاولة الوصول إلى النتيجة سلفاً، لكن الموضوع قد يكون مختلفا: فبدلاً من أن تقتصر الأجندة على السياسة، ها هي تنتقل إلى زوايا أخرى. فللفن أجندة تريدها تلك المحطة تختلف عن تلك التي تريدها المحطة التالية. بالمناسبة: هل هذا نوع من الديموقراطية؟ إلى أي مدى يمكن أن يعيش التلفزيون من دون أجندة؟ وكيف له أن يحصل على المال اللازم ليعبئ وقوده وينطلق إلى الأمام، من جديد؟ إن كان المشاهد، قبلاً، أيام"الحكم التلفزيوني الأرضي"، مستاءً من أجندة التلفزيون"الحاكم"، فإنه الآن أمام باقة من التلفزيونات"الحاكمة"التي تمشي وفق أجندة لا تحيد عنها: هل نحن أمام مشهد جديد ينقلب فيه السحر على الساحر؟ وهل كان الأمر قبلاً أفضل، أم أنه هكذا الآن في حلة أبهى وأزهى؟ وكيف يمكن للمشاهد أن يحظى بشاشة تلفزيونية أكثر سماحة وديموقراطية لا تتبع أجندة ما؟ هل الحل أن يتابع كل مشاهد المحطة التي تمشي على هواه، وبحسب الأجندة التي توافق أهواءه؟ واخيراً، ماذا عن المشاهد الباحث عن شاشة لا تتدخل في المضمون تماماً، وتتمتع بشيء من الاستقلالية؟