تشهد الأوضاع في السودان تطورات متسارعة، وتصعيدا في أكثر من اتجاه، في الشرق بين السلطة والمتمردين وفي الغرب مع الأممالمتحدة بعد منع مساعد الأمين العام للأمم المتحدة يان ايغلاند من زيارة دارفور وتحليق طائرته فوق الإقليم إلى تشاد لتفقد اللاجئين. كما تكرست"الحرب الباردة"في الجنوب بين الشريكين في الحكم، حزب المؤتمر الوطني بزعامة الرئيس عمر البشير و"الحركة الشعبية لتحرير السودان"برئاسة نائبه الأول سلفاكير ميارديت. إذ يتهم الأخير شركاءه بخرق اتفاق السلام وتحريض الفصائل الجنوبية المناوئة لحركته. وتتجه الحكومة أيضا إلى مواجهة مع التحالف المعارض من احزاب الشمال والذي يتزعمه رئيس حزب الأمة الصادق المهدي وحزب المؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور حسن الترابي. وترى أوساط ديبلوماسية أجنبية في الخرطوم تحدثت إلى"الحياة"أمس أن الحكومة السودانية باتت محاصرة بأزمتي دارفور وشرق السودان، وتخشى من مفاجآت غير محسوبة. وكانت تلعب بعنصر الوقت لأن أي تسوية في غرب البلاد أو شرقها ستأتي على حساب الحزب الحاكم الذي يسيطر على 52 في المئة من مقاعد مجلس الوزراء والبرلمان، مما يعني أن أي تنازلات في مجال قسمة السلطة مع المتمردين في الشرق او دارفور ستكون على حسابه، ويحرم نفسه من الغالبية. لكن حزب البشير يواجه ازمة أخطر في حال استمراره في لعبة كسب الوقت، عبر مفاوضات مع المتمردين لا تؤدي الى نتيجة. اذ وضع قرار مجلس السلم والأمن الافريقي ومجلس الأمن الخرطوم أمام خيارات صعبة، وبات شبح التدخل الدولي في دارفور اقرب من أي وقت مضى. وقالت مصادر مطلعة إن الرئيس حسني مبارك الذي زار الخرطوم الثلثاء نصح نظيره السوداني بتسريع المحادثات في ابوجا مع متمردي دارفور. ونقل اليه أن دوائر اميركية وأوروبية ترى أن وفده المفاوض حالياً لا ينال ثقة المتمردين والمراقبين، مما دفع البشير إلى إعلان عزمه تكليف نائبه علي عثمان محمد طه الذي قاد المفاوضات مع"الحركة الشعبية"قيادة فريق ابوجا، كما تحدثت معلومات عن أن الحزب الحاكم اقر خطة سيحملها طه لإقرار اتفاق سريع قبل نهاية الشهر يقطع الطريق أمام التدخل الدولي في دارفور. وفى الوقت الذي تستضيف فيه ابوجا قمة افريقية مصغرة بعد غد السبت، تشارك فيها نيجيريا والكونغو والسودان والاتحاد الافريقي في شأن دارفور، يجري الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان مشاورات مع رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي الفا عمر كوناري ووزير الخارجية السوداني لام أكول، قبل طرح اقتراحات وخيارات على مجلس الأمن في 24 الشهر للتعامل مع أزمة دارفور ونشر قوات دولية في الإقليم. ويعتقد بأن الحكومة تخشى من أن تفويض قوات دولية للانتشار في دارفور، قبل إقرار اتفاق سلام، سيتيح لها ملاحقة المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية الأمر الذي يطاول مسؤولين في السلطة أشار إليهم تقرير المحكمة الجنائية الدولية أو لجنة كلفها مجلس الأمن فرض عقوبات على مسؤولين عن عرقلة السلام في دارفور، ولكنها لا تمانع في نشر قوات سلام كما حدث في جنوب البلاد. وفيما لا تزال أزمة دارفور تتصاعد، خصوصا بعد الموقف اللاودي من مساعد انان، وسعت سلطات ولاية كسلا، في الشرق المتاخمة للحدود الاريترية، من حملة اعتقالاتها في صفوف قيادات مؤتمر البجا المعارض واعتقلت ثلاثة قياديين فيه. واعتبر أمين العلاقات الخارجية في المؤتمر الاعتقالات مسلكاً غير مبرر، قائلاً إنها حملة تتنافى مع القانون والأعراف، وتؤكد سوء نية الحكومة. وأضاف أن السلطات رفضت طلباً لزيارة المعتقلين، محذراً من أن مثل هذه الممارسات تزيد الشكوك في الحكومة بخصوص جديتها في حل قضية الشرق. كما يتوقع أن تدخل الحكومة في مواجهة مع التحالف المعارض اليوم إذ يعتزم عقد ندوة لمناسبة مرور 23 عاماً على الانتفاضة الشعبية التي أطاحت حكم الرئيس السابق جعفر نميري. كما يعد لتظاهرة الأسبوع المقبل تحض السلطة على تسريع حل أزمة دارفور وتحميلها مسؤولية ما يجرى في الإقليم. وتعتقد الحكومة أن المعارضة تريد مواجهة معها وطرح نفسها بديلاً وإرسال إشارات إلى المجتمع الدولي مفادها ان الأوضاع في البلاد متأزمة وان التدخل الدولي والضغط على الخرطوم هما المخرج الوحيد.