تمارس القوات المسلحة التركية ارهاب الدولة في شمال كردستان. فعلى رغم النداءات المتكررة للمسؤولين الأكراد المطالبة بتهيئة الأجواء لفتح الحوار مع الجهات الحاكمة للتوصل الى حل سلمي وعادل للقضية الكردية في تركيا، يستمر النظام التركي في سياسة انكار الحقوق القومية للشعب الكردي في تركيا. ان الايديولوجية الرسمية للدولة التركية، مبنية أساساً على مبدأ انكار القوميات غير التركية المتواجدة ضمن حدود الدولة. فكل من سكن ضمن الحدود التركية يتوجب عليه -حسب العقيدة الرسمية - أن يدّعي أنه تركي مهما كانت انتماءاته القومية البيولوجية أو التاريخية. وبذلك فإن الشرعية المبنية على هذه الايديولوجية تقتضي تكييف الواقع الديموغرافي التعددي وفق العقلية الخيالية الافتراضية لقادة الدولة التركية التي تريد تحويل كل سكان الدولة الى أتراك بكل الوسائل، واذا ما فشلت الوسائل السلمية، فالإخلاص للايديولجية يقتضي اللجوء الى تطبيقها بالعنف والارهاب. اذ لايمكن من دون استخدام العنف اقامة نظام مبني على ايديولوجية قوموية وعنصرية في دولة متعددة القوميات. ومن المعروف بأن الايديولوجية الرسمية للدولة التركية منذ اعلان ما تسمى بالجمهورية التركية هي الطورانية التي تستمد جذورها النظرية من منظري العنصرية منذ نهايات العهد العثماني. وهي مبنية على فكرة اعادة بناء امبراطورية يسودها العنصر التركي حصراَ. لقد استطاع ... الأتراك، بفضل الظروف الداخلية والدولية المناسبة، أن يضعوا موضع التطبيق أفكارهم العنصرية الى حد كبير في ما يخص الشعب الأرمني. ولم يترددوا عبر التاريخ في اتباع كل وسائل التذويب القومي واقتراف المجازر بحق الشعب الكردي. لكن بقيت الأم الكردية حاملة وناقلة بوفاء للثقافة الكردية الحيّة و المتجذرة في أعماق التاريخ. وكلّما حاول المستعمر محو الهوية الكردية، وكلّما تعرض الكردي للاضطهاد والقمع أشتدت لديه الروح القومية المبنية على أمل السلام والتحرر. ومن المفارقات أن هذه السلطات التركية، تدّعي في المحافل الدولية أنها هي التي تتعرض لأعمال ارهابية. وكلما تمت ادانة سياسة هذه السلطات في المحافل الدولية تتهم الأكراد وقادتهم بالخيانة وبالتعامل مع الأجنبي. ان السلطات التركية التي تنفي الوجود القومي الكردي ضمن حدود الدولة التركية، ولا تقبل الوصول الى أي حل سلمي عادل، وترفض اقامة نظام سياسي يشترك في ادارته المركزية الكرد الى جانب الترك والعرب وغيرهم، تزعم انها هي المدافعة عن الدولة وشرعيتها، في حين أنها هي التي تستمر في رفضها اقامة السلم الداخلي وهي التي تنكر على الأكراد وجودهم القومي وحقهم في المشاركة المتكافئة في السلطة المركزية للدولة، وبذلك تفقد السلطات التركية أية شرعية في سياساتها تجاه الشعب الكردي. ان السلطات التركية التي تقوم بقتل شباب الأكراد وأطفالهم، تدّعي بأن الأكراد ارهابيون وتطالب الدول الأخرى باتباع سياستها و بتطبيق المعايير التركية في الديموقراطية. فالديموقراطية التركية الرسمية هي انكار وجود غير الاتراك حتى ان تطلب الأمر تصفيتهم. لقد كانت السلطات التركية ولا تزال رمزاً للنفاق السياسي. فهي تدّعي أمام الغربيين بأنها دولة علمانية ولذلك فإنها غير مرغوبة في الأوساط الاسلامية. وأمام المسلمين تدّعي بأن الأوروبيين لا يريدون قبولها لأنها عضو فعّال في منظمة المؤتمر الاسلامي. وتسوّق موقعها الجغرافي - السياسي عند الأميركيين تارة والأوروبيين تارة وعند الاسرائيليين تارة اخرى. وتسوّق مواقفها العدائية تجاه الأكراد عند السلطات الايرانية والسورية وغيرهما. ان المنطق يؤيد الطرح السلمي والعادل والعملي لحل المسألة الكردية في تركيا، وأكدت القيادة الكردية مراراً استعدادها، بل مطالبتها، بالحل السلمي. و حل من هذا القبيل يمكن تلخيصه بضرورة وقف أعمال العنف فوراً واخلاء سبيل كل المعتقلين الكرد بمن فيهم الزعيم عبد الله أوج آلان، ومباشرة الحوار بين ممثلي السلطة المركزية والقيادة الكردية لايجادة صيغة سياسية ترفع الغبن عن الشعب الكردي وتمكّنه من المشاركة المتكافئة في مقدرات البلاد، والتمهيد لعهد يسوده السلم والاحترام المتبادل بين جميع شعوب المنطقة. خالد عيسى - بريد الكتروني