"سلاماً أيها الطفل الذي أعطى الكثير من الحب والإيمان بالذات وبشرف الانتماء إلى أمة مجيدة"، بهذه العبارة يختتم طلال سلمان، مقدمة"ديوان بهاجيجو"الذي يضم مسيرة ستين سنة من أعمال بهجت عثمان وقد صدر عن"دار المستقبل العربي"القاهرة، وپ"السفير"بيروت. والكتاب من إعداد محيي الدين اللباد في مشاركة الفنان سعد حاجو. بعد بهجاتوس وپ"بهجت"، جاء"ديوان بهاجيجو"حاملاً التسمية الأقرب إلى قلب عثمان."بهاجيجو"، الاسم الذي طالما ناداه به ابنه هشام. يؤرّخ"الديوان"لحياة فنان، من خلال استعراض سيرته الذاتية عبر الصّور والرسوم والكلمات، ويبرز أعمال فنان عاش متأملاً في مستقبل العالم العربي. الكتاب تحية الى بهجت عثمان، الذي توفي في حزيران عام 2001، بعدما انتقد أنظمة عربية عدة ساخراً من الذات، ثائراً على الحاضر، وهازئاً من الثورات المجيدة، التي لا تساوي الا مزيداً من الضحكات. يضم"ديوان بهاجيجو"اعمالاً لعثمان سبق أن صدرت في:"الديكتاتورية للمبتدئين بهجاتوس رئيس بهجاتيا العظمى"1989،"حكومة وأهالي... وخلافه"1987،"مختارات من رسوم كاريكاتيرية"بين عامي 1958 و1963 في مجلتي"صباح الخير"وپ"المصور"، و"ضحكات مجنونة جداً"2000. يحمل"الديوان"في طيّاته تاريخ فنّان عاش يحلم بپ"غد أفضل"، وقضى مراهناً على ما"بعد غدٍ أفضل"، فبهجت عثمان كما وصفه طلال سلمان"لم يكن مجرد شاهد على عصره، بل حاول حتى النفس الأخير أن يغير في الجيل الآتي". وسيرة عثمان، دليل صارخ على انسان حاول الثورة والتغيير بالمزاج الشعبي، وبالجهد والعمل من خلال ابداعات محرّضة للكبار، ومحاولة ولوج عوالم الأطفال في سبيل بناء غد أو بعد غد أو بعد بعد غد أفضل... قضى بهجت عثمان باحثاً عن تحقيق"أحلامه الصغيرة". وعبّر في أكثر من مناسبة عن يأسه والألم الذي يعتصر قلبه من تشرذم الأمة العربية. وظل بريق الأمل يلوح في حياته لاقتناعه بأن رسامي الكاريكاتير العرب استطاعوا ان يحققوا وحدة متخطين الحدود والسدود. ومن الأمثلة التي طالما استخدمها بهجت عثمان للتعبير عن الواقع حصول الفنان رشيد قاسي في اختتام مهرجان دولي للكاريكاتير في الجزائر، على الجائزة الأولى للكاريكاتير الوطني، عن أحد كتبه. ويقول بهجت عن هذه الواقعة:"سعدت له جداً، فهو يستحقها عن جدارة… وفوجئت بأن هناك جائزة أخرى للكاريكاتير الأجنبي قرروا منحها لي". ويستدرك:"ساعتها اغرورقت عيناي ولم تكن دموع فرح، بل حسرة لأنهم اعتبروني أجنبياً وأنا في وطني. وبسرعة فهم رشيد ما أحسسته وقال لي على الفور ضاحكاً: فلنتبادل الجائزتين". شعار"أمة عربية واحدة من المحيط إلى المحيط"لم يكن السراب الوحيد في حياة بهجت عثمان. ولم يشكّل استحالة تحقيق حلم"الوطن الواحد"النكسة الوحيدة في حياته، فقد اكتشف أن الديكتاتور الحقيقي فاق ما تصور، وأنه عندما نظر إلى"بهجاتوس"بعين محايدة وقارنه بهذا الديكتاتور، وجده"كاريكاتير الرئيس بهجاتوس المسكين". "ديوان بهاجيجو"، إحياء لذكرى انسان عاش الحياة بكل تفاصيلها، عاشها واعياً متيقظاً للهموم الانسانية والوطنية، مسخراً همه وريشته وخبرته لإسقاط القشور، وازاحة الموانع التي تعترض الحقيقة. انسان فجّر الضحكات في الرسوم، والسخرية اللاذعة من الواقع الذي يعيشه المواطن. تلخص الرسوم، بالكثير من الدلالة، إنسانية هذا الفنان، الذي حمل هموم كل ما يحيط به من بشر وأشياء، طوال ما يزيد على سبعين سنة، متمسّكاً بابتسامة تخفي خلفها حزناً دفيناً، وعبّر عنه مع انتقاله الى عالم الأطفال، منذ عام 1993. قال وقتذاك:"لو قدر لي أن اعود الى الوراء من جديد، لن أرسم الا للأطفال لأن عالم الطفل أوسع وأجمل وأنقى من عالم الكبار البشع". وقال الروائي الراحل عبدالرحمن منيف في مقدمة"ديوان بهاجيجو":"يصعب الحديث عن بهجت عثمان باستعمال صيغة الماضي، لأن كثافة حضور الانسان تطغى على كل شيء". وخلص الى القول:"بهجت اليوم أكثر حضوراً من الأمس، وسيكون في الغد أكثر تأثيراً، شرط أن نعرف كيف نكتشفه مرة أخرى، وكيف نقدّمه من جديد".