غاب قبل ايام الفنان بهجت عثمان احد ابرز رسّامي الكاريكاتور في مصر والعالم العربي عن 70 عاماً. وهو كان طوال حياته الأشد حدة وسخرية، وازدادت تلك الحدة مع السنوات وتحولت نقداً عنيفاً للمجتع من دون أن يتخلى الفنان عن جماليات وابتكارات ارتبطت به مباشرة. فهو اخترع شخصية "بهجاتوس" الزعيم الديكتاتوري وسلالة عائلته المهيبة من الجد القرصان إلى الأب اللص... وهكذا. ربما تنبأ أصدقاؤه بقرب رحيله، ليس لأن السرطان داهمه قبل ثلاثة أشهر، وإنما منذ السنة ما قبل الماضية عندما رحلت رفيقة عمره بدر حمادة مصممة العرائس. ورفض بهجت، الذي صدم في وفاتها بشدة، تلقي العزاء فيها من أي شخص. وبهجت عثمان المولود في القاهرة في حي شعبي بولاق أبو العلا في 27 أيلول سبتمبر عام 1931. تخرج في كلية الفنون الجميلة قسم النحت عام 1952 وعمل في التدريس للأطفال مدة عامين وارتبط بالصحافة مبكراً. واعتبر واحداً من "إهداءات" أحمد بهاء الدين واكتشافاته الصحافية في "روزاليوسف" ثم "صباح الخير" حيث زامل جاهين والبهجوري وحجازي واللباد والليثي وزهير وعبد السميع. وانتقل مع بهاء إلى مجلة "المصور" دار الهلال عام 1964. وأمد صحفاً مصرية وعربية عدة برسومه إلى أن انتقل إلى العمل في جريدة "الأهالي" الناطقة بلسان حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي. وارتبط أخيراً بالكتابة والرسم في صحيفة "الحياة". وكان بهجت في الخمسينات والستينات في مرحلته الحماسية الطاغية، إلى جوار والمصلحين، وكان وثيق الصلة بالأفكار التي يطرحها جمال عبد الناصر. وفي السبعينات كان له موقف ضد أنور السادات ازداد حدة عقب زيارة السادات القدس وإبرام معاهدة سلام مع إسرائيل، واتخذ موقفاً عنيفاً ضد المروّجين والمطبّعين مع إسرائيل. ومن ذلك رفضه دخول الجمعية المصرية لرسامي الكاريكاتور لأن مجلة الجمعية نشرت رسوماً لرعنان لوري. وظل يرسم طوال الثمانينات في صحيفة "الأهالي" رسومه الشهيرة ب"حكومة وأهالي" والتي صدرت في كتاب فيما بعد أضيف الى كتبه الأخرى مثل: "الديكتاتورية للمبتدئين" و"بهجاتوس رئيس بهجاتيا العظمى" و"رفاق سلاح" و"صداقة بلا حدود" و"الوصفة العجيبة وأخواتها".. ثم توقف عن رسم الكاريكاتور في السنوات الأخيرة واتجه إلى رسوم الأطفال "لأن ما يجري في الساحة على امتداد الوطن العربي كله يفوق قدرة أي فنان على رسم الصورة الكاريكاتورية"، كما قال بهجت بنفسه وقد التفت الى الأطفال لأنهم "المضطهدون والمحرمون من الحلم سواء في البيت أو المدرسة أو المجتمع". ارتبط بهجت بصداقات عميقة في الحياة الصحافية والأدبية ورسم أغلفة كتب الكثير من اصدقائه، إلا أن أشهر مجموعة أصدقاء ارتبط بها كانت "شلة الحرافيش" التي يتراجع عدد افرادها مع الزمن ولم يبق فيها الآن سوى ثلاثة أطال الله في أعمارهم: الروائي نجيب محفوظ، الفنان أحمد مظهر، والمخرج توفيق صالح، بينما هاجر عادل كامل صاحب "مليم الأكبر" نهائياً إلى الولاياتالمتحدة الاميركية. وكان بهجت التحق بالشلة - التي تأسست في الأربعينات - في بداية السبعينات، بناء على طلب من محفوظ الذي أعجب برسومه.