انطلاق معرض إنترسك السعودية بنسخته ال (7) في الرياض    الحقيل: برامج لدعم الأسر محدودة الدخل وإعلان مستحقي الأراضي نوفمبر المقبل    إحصائية مميزة تُزين انطلاقة هيرنانديز المثالية مع الهلال    الشورى لبنك التنمية الاجتماعية: استثمروا في التمويل الجماعي    7 موضوعات ملهمة تعزز الوعي والتحصين بجازان    81 مليار ريال استثمارات السعودية في البنية التحتية الثقافية    بحضور الأمراء.. نائب أمير مكة يشارك في صلاة الميت على الأميرة عبطا بنت عبدالعزيز    وزير الصناعة والثروة المعدنية يبحث تعزيز التعاون الصناعي مع نظيره الفيتنامي    جمعية رعاية ا الأيتام بنجران تحتفل مع أبنائها الأيتام في برنامج عناية باليوم الوطني 95    تنظيف شاطئ النخيل    لا للتهجير أو الاحتلال.. البيت الأبيض ينشر خطة ترمب لإنهاء الحرب في غزة    فضيلة المستشار الشرعي بجازان يلقي كلمة ضمن برنامج تماسك في الكلية التقنية بصامطة    طريق الأمير محمد بن سلمان يحقق الانسيابية المرورية ويعزز المشهد الحضري    نائب أمير تبوك يستقبل القنصل العام لجمهورية السودان    232 مليار ريال استثمارات تجعل المملكة نموذجًا عالميًا في استدامة المياه    الاتحاد يرد على تقارير رحيل بنزيما    معرض الرياض الدولي للكتاب.. من فعالية ثقافية إلى محطة محورية لعشاق النشر والقراءة    الهلال يتفوق على ناساف في الأسيوية    إجازة لستة أيام ومباراة ودية للفتح خلال فترة التوقف الدولي    محافظ صبيا يكرم مدير مكتب التعليم بمناسبة انتهاء فترة عمله    قاعدة الملك عبدالعزيز الجوية بالظهران تنظم معرضًا أرضيًا للطائرات    طالب الطب الصعيري يكتشف خطاً علمياً في أحد أبرز المراجع الطبية العالمية بتخصص الجراحة    نائب أمير الشرقية يستقبل قائد المنطقة الشرقية بمناسبة تكليفه    بلدية الظهران تطلق مبادرة "ظلهم علينا" بالتعاون مع جمعية هداية    "سعود الطبية" تنظّم ملتقى "صوت المستفيد يقود التغيير"    أمير الرياض يستقبل نائب وزير الحرس الوطني    مفردات من قلب الجنوب 22    الهيئة السعودية للتخصصات السعودية تعتمد برنامج طب التخدير في تجمع تبوك الصحي    أوروبا تشهد ارتفاعا في درجات الحرارة أسرع مرتين من بقية العالم    فعد الغامدي إنجاز غير مسبوق لأول سعودي يحصد تصنيف "الإيكاو" الدولي    محافظة الفرشة بتهامة قحطان تحتفل باليوم الوطني 95 وسط حضور جماهيري واسع    وزارة الرياضة تصدر بيانًا حول أحداث مباراة العروبة والقادسية في كأس الملك    الديوان الملكي: وفاة عبطا بنت عبدالعزيز    «هيئة الشورى» تحيل 20 موضوعاً للجان المتخصصة    خلال مشاركته في المؤتمر السعودي للقانون.. وزير العدل: التشريع في المملكة يرتكز على الوضوح والمشاركة المجتمعية    أكد التزامها بالتنمية المستدامة.. وزير الخارجية: السعودية تترجم مبادئ ميثاق الأمم المتحدة لواقع ملموس    قبل لقائه المرتقب مع نتنياهو.. ترمب: فرصة تاريخية للإنجاز في الشرق الأوسط    حائل تستضيف كأس الاتحاد السعودي للهجن للمرة الأولى    محطماً رقم رونالدو وهالاند.. كين أسرع لاعب يصل للمئوية    عسير: فرع هيئة الصحفيين ينظّم ندوة "الخطاب الإعلامي للوطن؛ بين ترسيخ الهوية وتعزيز القيم"    أحمد السقا ينجو من الموت بمعجزة    الدوري الإنجليزي.. آرسنال ينتزع فوزاً قاتلاً من نيوكاسل    طهران توعدت برد حازم ومناسب.. إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران يشعل التوتر    5.5 مليار ريال فائض تجاري    أول محمية ملكية سعودية ضمن برنامج اليونسكو    صالات النوادي والروائح المزعجة    ورقة إخلاء الطرف.. هل حياة المريض بلا قيمة؟    السودان: 14 مليار دولار خسائر القطاع الصحي بسبب الحرب    ترمب يجتمع بكبار القادة العسكريين    أكثر من 53 مليون قاصد للحرمين خلال ربيع الأول    نائب أمير الرياض يستقبل وزير الشؤون الإسلامية    "الشؤون الإسلامية" تواصل جهودها التوعوية في الجعرانة    المتطوعون يشاركون في احتفالات أمانة الشرقية باليوم الوطني    السلامة الغذائية    تقنية البنات بالأحساء تطلق المسابقة الوطنية للأمن السيبراني    مزاد نادي الصقور السعودي 2025.. خدمات متكاملة تعزز الموروث وتدعم الطواريح    التحالف الإسلامي يطلق دورة تدريبية لتعزيز قدرات الكوادر اليمنية في مجال محاربة تمويل الإرهاب    الاهتمام بتطوير التجربة الإيمانية لضيوف الرحمن.. «الحج» : التنسيق مع ممثلي 60 دولة للموسم القادم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هوامش للكتابة - عاصفة التكفير - 2
نشر في الحياة يوم 15 - 11 - 2006

لم يترك المتعصبون من المتطرفين الدينيين المدافعين عن إعادة طبع"أولاد حارتنا"في مصر آمنين، فقد وجهت إليهم أصابع الاتهام بأبشع التهم، وذلك كي تدفع بهم إلى الصمت وعدم الدفاع عن الرواية التي أصبح الدفاع عنها نوعاً من الإثم، أو المشاركة في جريمة الكفر. وتعددت أساليب الإرهاب والقمع عبر صحافة جماعات الإسلام السياسي التي آزرت ما نشرته جريدة"النور"في صدر صفحتها الأخيرة عدد 1 / 2 / 1989 من أن"رابطة العالم الإسلامي في مكة تنضم الى الأزهر الشريف وتعلن في مجلتها الرسمية أن"أولاد حارتنا"هرطقة وقحة وكفر بواح".
ولم تنفع محاولات نجيب محفوظ في تأكيد أنه يحترم رأي الأزهر وعلماء الدين الإسلامي في قرار مصادرة الرواية. وأضاف فيما تنقل"النور"في 23 / 11 / 1988 أنه لم يقصد بالرواية الخروج على الإسلام،"فهي عمل رمزي تختلف حوله التفسيرات". ونقلت عنه الجريدة نفسها أنه يساري وليس شيوعياً، وأنه بلغة الإسلام مع المستضعفين في الأرض ومع العدالة الاجتماعية والمساواة... وأضاف أنه الكاتب الوحيد الذي ترجم كفاح الإخوان المسلمين وتأثيرهم في الشارع المصري في رواياته، وأن هذا لا يعني أنه من الإخوان المسلمين. واختتم بأنه لو كتب أولاد حارتنا في الوقت الحالي، فإنها ستختلف نظراً للمتغيرات التاريخية والاجتماعية. ولكن كل هذه التصريحات لم تفلح في تهدئة العاصفة التي تزايدت حدتها، وأخذت تنذر بالمخاطر، وهي المخاطر التي أكدها فضيلة الشيخ محمد الغزالي في رده على المدافعين عن محفوظ، بقوله "النور"في 1 / 2 / 1989:"كنت أظن أن المؤلف - وهو في العقد الثامن من عمره - يجب أن يترك الرواية في مرقدها، وعلى أي حال نحن نقبل التحدي، وستكون نتائجه وخيمة". وكان الشيخ محمد الغزالي ينطق باسم فريق لا يستهان بقدرته على الإيذاء على نحو ما اتضح بعد ذلك بسنوات قليلة في قضية اغتيال فودة التي سبقت محاولة اغتيال نجيب محفوظ بعامين. وهو تهديد تصاعدت أصواته الهادرة إلى الدرجة التي دفعت بالكاتب المستنير خالد محمد خالد إلى أن يكتب لنجيب محفوظ، رسالة يحذره فيها من الموافقة على طبع الرواية الذي لن يجلب سوى عواقب وخيمة. وبالفعل يطلب نجيب محفوظ من اتحاد الكتاب "النور"في 7 / 12 / 1988 التدخل لدى الصحف لمنع نشر روايته... واستجابت على الفور جريدة"المساء"بعدما كانت أعدّت الرواية للنشر على حلقات، ونشرت بالفعل الحلقة الأولى.
ولعب مصطفى عدنان - من أبرز كتاب جريدة"النور"قبل أن يتوفاه الله - الدور الأبرز في الكتابة ضد"أولاد حارتنا"وضد نوبل التي أشارت إليها في حيثيات منحها. ولم يتردد في أن يتهم نجيب محفوظ بالانتهازية التي جعلته يمالئ الديكتاتورية الناصرية ويظهر تعاطفه مع أفكارها الشيوعية بانحلالها وإلحادها ويوالي العلمانية المعادية للدين حتى يشق طريقه ويصل إلى ما وصل إليه من شهرة ومكانة. ولا أجد أكثر تمثيلاً للقمع الفكري والإرهاب الديني الذي وصل بين مجموعات الإسلام السياسي، في تعددها وتنوعها وتباينها من مقالات مصطفى عدنان في"النور"على موقف الإخوان المسلمين من الناصرية بوجه عام، وموقف جماعات الإسلام المتزمتة والمتطرفة من حرية الفكر بوجه خاص.
ولا أعرف هل كان مصطفى عدنان يكتب عن أمانيه وأحلامه أم يكتب عن أحداث واقعية وصل إليه خبرها؟ فهو يكتب مقالاً في"النور"بتاريخ 30 / 11 / 1988 يبدأ بمرافعة موجهة إلى الرئيس مبارك، طالباً عدم انتهاك الدستور والقوانين والعقيدة بالسماح بنشر الرواية التي اجتمعت على منعها مشيخة الأزهر ودار الإفتاء ومجمع البحوث الإسلامية ولجنة الشؤون الدينية في مجلس الشعب والحزب الوطني. ويذهب الكاتب في مقاله"إلى أن مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة، بعد مناقشة تفصيلية لاعتبارات مصادرة الرواية، انتهى إلى أن الموضوع أسيء عرضه على الرئيس مبارك، وأنه يجب إعادة عرضه عليه، وفوّض المجلس رئيس مجلس الوزراء الدكتور عاطف صدقي أن يقوم بهذه المهمة، وأن ينقل إلى الرئيس التوصية باعتماد قرار مجلس وزراء مصر التالي:"منع طبع هذه الرواية في مصر، ومنع دخولها إلى مصر إذا طبعت في بلد آخر، ومنع تداولها". ويعلق الكاتب على هذا القرار بقوله:"اللهم أجز مجلس وزراء مصر خير الجزاء على هذا القرار، وأجز رئيس الجمهورية... ويبقى الآن أن تلبي كل الدول العربية والمسيحية واليهودية نداءنا لإصدار مثل هذا القرار"، ولا يفوت الكاتب تحذير"دار الآداب"لنشرها الرواية،"فقد آن لها أن تتوب، وكفى الله ما لحق ببلادها من غضب الله وسخطه". انتهى كلام الكاتب الذي لم أقتنع بجملة واحدة قالها. ولكن - على سبيل الحذر المنهجي الذي تعلمته من الجامعة - سألت فاروق حسني وزير الثقافة الذي كان من الحاضرين بالتأكيد لهذا المجلس المزعوم، لو صحت الرواية الوهمية، وأكد لي وزير الثقافة أن هذا الاجتماع لم يحدث قط، ولم يناقش مجلس الوزراء مسألة طبع الرواية التي لم يصدر قرار رسمي من الدولة بمنع طبعها رسمياً إلى اليوم، اللهم فيما عدا نصيحة حسن صبري الخولي لنجيب محفوظ، سنة 1959، بعدم طبع الرواية في مصر وطبعها في الخارج، فانتهزت"دار الآداب"الفرصة وتولت طباعتها في طبعات متكررة.
ولم تتوقف الحملة على مقالات جرائد الإسلام السياسي ومجلاته في مصر، بل جاوزتها إلى المجموعات الموازية والحليفة على امتداد العالم العربي والإسلامي. وهي المجموعات التي لم تتوقف عن تكفير محفوظ حتى بعد وفاته.
وكان من المتوقع أن تمتد الحملة من نجيب محفوظ إلى ما رأته أصل جرثومة الفساد في عقله. أعني سلامة موسى 1887 -1958 الذي أكدّ نجيب محفوظ تأثيره فيه، فقد وجهه إلى شيئين مهمين، هما العلم والاشتراكية"ومنذ دخلا مخي لم يخرجا منه إلى الآن". وهي عبارات فسرها المتعصبون بأنه يقصد بالاشتراكية والعلم، في هذا السياق"الاشتراكية العلمية"أو"الماركسية العلمانية"المناقضة لكل الأديان، الأمر الذي يعني أن بذرة الإلحاد قديمة، وأنها كامنة في عقل نجيب محفوظ كالدودة في أصل الشجرة. وبديهي أن يجد المنقبون في ما يتخيلونه جذور الفساد وأصوله تشابهاً بين الأستاذ والتلميذ في الاهتمام بفكرة"الله"، فالأول كتب ما كتب عن الموضوع من منطلق إلحاده وعلمانيته التي لا تلين لها قناة، بدليل الكتاب الذي نشره بعنوان"نشوء فكرة الله"سنة 1912. وليس من المصادفة - في ما يقول أحد هؤلاء - أن يكون من أوائل ما كتب التلميذ النجيب المخلص لفكر سلامة موسى والمتأثر به بحث من مقالات عدة عن فكرة الله وتطورها. ويمضي القياس الفاسد على سوء تأثير سلامة في نجيب محفوظ الشاب بالإشارة إلى أن محفوظ في هذا التصريح سها عن ذكر العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم وغيرهم. ويستدل المنقِّب نفسه على أصل الفساد واستمرار آثاره بذكر نجيب محفوظ لتأثير الأفكار الفلسفية في"أولاد حارتنا"قائلاً:"إنها من الممكن أن تعتبر رواية فلسفية، فالذين وصفوها بذلك رأوا أنها محاولة لإقامة الاشتراكية والعلم على أساس لا يخلو من صوفية". ولا يغفل المتعصبون من رأوهم استمراراً لسلامة موسى من المدافعين الجدد عن نجيب محفوظ من منظور حرية الفكر أو حق المبدع في التجريب، وبخاصة لويس عوض وتلميذه غالي شكري اللذين هما امتداد لجذور الشر نفسها. ولا يتردد هؤلاء في غمزهم واتهامهم بما ينال من ديانتهما المسيحية، وبما يخلط الأدبي بالديني خلطاً بالغ الخطورة. ووصل الأمر ببعض هؤلاء"المكفراتية"إلى زيادة تهمة إلى التهم السابقة، وهي أن محفوظ - لسوء طويته - ابتدأ رواياته بالروايات الفرعونية، وذلك من منظور تغليب النزعة الفرعونية التي تحمس لها الأقباط من الأدباء على الرابطة الإسلامية التي تظل أعلى من الرابطة الوطنية حتى في ذروة ثورتها 1919 التي كان شعارها"وحدة الهلال مع الصليب"وپ"الدين لله والوطن للجميع". وكلاهما شعار يعادي الإسلام من منظور"الصحوة الإسلامية"التي تعلو على القوميات، وتسمو على الشعور الوطني، غارسة بقصد أو من دون قصد، بذور الفتنة الطائفية بين عناصر الأمة.
ولا تتوقف حملات التكفير عند دعاة تكفير نجيب محفوظ بمحاولته الدفاع عن الرواية بأنها مرحلة انتهت، وأنه لو كتبها من جديد لكتبها بطريقة مخالفة، بل وصل الأمر به إلى القول"إن رواية أولاد حارتنا هي ابن غير شرعي لي... ولكنني لا أستطيع أن أتبرأ منه"، ويضيف محفوظ إلى هذا التصريح عتاباً هؤلاء الذين يريدون النظر فقط إلى البقعة السوداء في الثوب الأبيض، مؤكداً أن مرحلة"أولاد حارتنا"انتهت منذ ثلاثين عاماً، وأنه تغير بعدها، لأنه لا يمكن أن يوجد كاتب مبدع يستمر على منواله الفكري منذ شبابه وحتى الآن، فالتغيير هو طبيعة الحياة. ولم يفلح هذا الكلام الذي سيق في قالب اعتذاري، الدافع إليه عنف القمع التكفيري المنصبّ على نجيب محفوظ من كل اتجاه، من تخفيف عنف الهجوم القمعي، فالثأر المكبوت وجد ما يفجّر قنبلته القديمة، فتدافعت حملات التكفير ووجدت ما يدعمها من عشرات كتّاب مجموعات الإسلام السياسي والمتعاطفين معهم. أعني أولئك الذين أصروا على تهمة التكفير وألحوا عليها، وجعلوا من الإشارة إلى الرواية في حيثيات نوبل دليلاً على الكفر الذي تشجعه مؤسسة كافرة يدعمها اليهود، ولا يحصل عليها إلا من يرضى عنه اليهود. ولذلك أكد أنور الجندي أن"جائزة نوبل في تقديرنا جميعاً تمثل الفكر الغربي، ولا تعطى إلا لأصحاب الولاء لهذا الفكر". وهي عبارات دالة في العداء لكل ما يمثله الغرب من دون تمييز، ومن امتداد الحكم الكاره للغرب إلى كل ما يتصل به أو يأتي منه من دون تمييز. ولا تختلف عبارات أنور الجندي عن عبارات قرينه الدكتور أحمد نور الدين الذي يتخذ موقف العداء المطلق من الغرب، وذلك بما يعادي أي إمكان للحوار بين الثقافات أو الحضارات. أو حتى التمييز بين التيارات المتنوعة، بل المتصارعة في ثقافة الغرب نفسه، ومنها تيارات قدّم علماؤها أجلَّ الخدمات للتراث الإسلامي نفسه، تحقيقاً ونشراً ودرساً، على نحو لم يقم به واحد أو فريق من المعادين لهذا الغرب على إطلاقه، واختزاله في صورة العدو الكافر الذي تتجمع فيه كل الشرور والآثام. ولذلك لا يتردد الدكتور أحمد نور الدين في اتهام كل الذين يريدون الإفراج عن"أولاد حارتنا"ويسأل الله"أن يوفّق نجيب محفوظ للتوبة والبراءة من هذه الرواية وأمثالها". ويلحق الدكتور عبدالعظيم المطعني بالركب، داعياً نجيب محفوظ إلى أن يتبرأ من روايته.
ولم يعرف هؤلاء الذين وصل بهم التعصب إلى درجة التكفير، ولعلهم تجاهلوا عامدين، تقاليد تراثهم الأدبي التي تمايز بين الحقيقة والخيال ولا تطابق بينهما مهما بلغت درجة المقاربة التمثيلية، واستبدلوا تقاليد التعصب بالتسامح في تراثهم الديني الذي ذهب أقطابه إلى أنه لو صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مئة وجه، والإيمان من وجه واحد، حمل على الإيمان ولم يحمل على الكفر. وتعمد هؤلاء - في الوقت نفسه - تجاهل بقية أعمال نجيب محفوظ، ناهيك عن بقية الأعمال الأربعة التي أشارت إليها حيثيات نوبل، فلم يزنوا"أولاد حارتنا"بعشرات غيرها من الأعمال التي لا يمكن أي منصف تجاهل الجانب الروحي الإسلامي فيها. ومنهم محمد حسن عبدالله الذي بدأ يكتب عن الإسلامية والروحية في"أولاد حارتنا"مستهلاً تفسيره السمح المغاير لأدب نجيب محفوظ كله. وكانت النتيجة كتابه الذي حمل العنوان نفسه، قاصداً به إلى أن يقدم تفسيراً إسلامياً رحباً في مقابل التفسيرات الضيقة عند أهل اليمين أو أهل اليسار، ومنهم الإسرائيلي ساصون صوميخ في كتابه المكتوب بالإنكليزية عن أدب محفوظ بعنوان"الإيقاع المتغير"الذي نشرته دار بريل - ليدن الشهيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.