الرئيس جورج بوش لا ينام هانئاً. أخبار سيئة لإدارته"الحرب على الإرهاب"، ولسياسة ادارته في ملفات الشرق الأوسط وايران"النووية"، والعراق المترنح على أوتار الحرب الأهلية، والتصفيات المذهبية. أخبار سيئة لبوش الذي لم تجرِ الرياح بما تشتهي سفنه، قبل أسابيع قليلة من انتخابات الكونغرس، تؤرقه فيها مفاجآت من نوع الكوابيس، من نوع فأل شريكه الاستراتيجي، حليفه الأكبر رئيس الوزراء البريطاني توني بلير. وربما كان الحليف الذي يحصي أيامه في 10"داوننغ ستريت"، وراء نصيحة تعيد وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس الى الشرق الأوسط، من دون أمل فعلي بنعي حكومة"حماس"قريباً، على رغم الحصار الأميركي - الدولي. مجرد محاولة لتقطيع الوقت، من دون أن يبدّل ذلك، خارج الحسابات الأميركية الانتخابية، حقيقة أن نهج"الفوضى البناءة"انتهى عملياً الى تعميم الخراب، بدءاً من افغانستان مروراً بالعراق الى الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. بوش يخسر حلفاءه؟... الأصح أنه يفقد كل صدقية لطروحات"الحرب على الإرهاب"التي كانت ساحتها الرئيسية ومنصة انطلاقها افغانستان، والعراق جبهتها المركزية. أحجار الدومينو تتهاوى، وفيما تعجز واشنطن عن وقف حرب الشتائم بين حليفيها الرئيسين برويز مشرف وحميد كارزاي، وتطغى روائح الأفيون في افغانستان مع زحف الانتحاريين من مقاتلي"طالبان"الى معاقل قوات إرساء السلام، تتراجع وعود وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد بالانتصارات، ليتقدم وعيد الرجل الثاني في تنظيم"القاعدة"أيمن الظواهري بمزيد من الضربات لهيبة بوش وأحلامه. واذا كان رامسفيلد غير مؤمن ب"الحبة السحرية"لمعالجة مشكلة الإرهاب المتعولم، لا يصدق أن الحرب على العراق والحروب فيه خرّجت أجيالاً جديدة من"الجهاديين"الذين يطاردون أميركا ونفوذها في العالم، فالوصفة التي يقدمها لهم زعيم"القاعدة"في بلاد الرافدين"أبو حمزة المهاجر"بتحويل معسكرات الأميركيين في العراق"حقلاً لتجارب القنبلة الجرثومية والقذرة"، لا بد أن تمدد أرق بوش، وكوابيس خسارة في انتخابات الكونغرس، مطلع تشرين الثاني نوفمبر. أما الاعترافات المتأخرة للبريطانيين بعبثية خوض حرب على جبهتين، فيهما ارتضوا دور الذيل للأخ الأكبر، فمحاولة للتبرؤ من بلير الذي ركض طويلاً في الخطوط الخلفية الأوروبية، مضحياً باستقلالية القارة لكسب ولاية مديدة لحزبه وتقديم الولاء للأميركي، بإرضاء غروره، لا ارضاء عقل الأوروبي ولا عدله أو تسامحه. أحجار الدومينو تتهاوى، من واشنطن الى لندن، وارتداداتها في كابول وبغداد، واذا كانت الإدارة الأميركية غلّبت في الولاية الثانية لبوش، ديبلوماسية رايس على غطرسة رامسفيلد، فالإصرار على تجاهل المنابع الحقيقية للإرهاب والتطرف، اظهر أن النتيجة واحدة بتجنيد رايس لدى قادة البنتاغون، وانكفاء وزير الدفاع أمام ضجيج المطالبين بإقصائه. والنتيجة الواحدة لواشنطن والمنطقة، هي أخبار سيئة، ما أن تعبر ادارة بوش مرحلة انتخابات الكونغرس. ففي افغانستان وعلى حدودها، يبدو صمود الشراكة القسرية مع باكستان، كأنه يواجه الامتحان الأخير، متأثراً بعجز كارزاي عن وقف طوابير الانتحاريين، ومعالجة شكوكه بنيّات مشرّف. وفي"الجبهة المركزية"العراق، لم تكن قدرة الأميركي منذ الغزو، أضعف مما هي عليه اليوم في لجم مسار تصاعدي باتجاه الكارثة الكبرى التي ما زال بوش يكابر في رفضه الاعتراف بها، مصراً على تجميل الوجه القبيح للحرب والاحتلال، وإنكار فشل حلفائه هناك في إنقاذ البلد من أنانياتهم العرقية والمذهبية. ولعل بوش سمع تقارير"محايدة"عن معدلات التعذيب التي"تجاوزت"ما ارتكبه نظام صدام من جرائم، وربما سمع أن بين العراقيين مَن يطلب إطلاق صدام على رغم ما اقترفه من إبادات. هي إذاً هزيمة كبرى لأيديولوجية المحافظين الجدد، وحروبهم على الديكتاتوريات؟... لا بد بالتالي أن تجدد دماء ديكتاتوريات أخرى، وترجح النفخ في أوردة"القاعدة"لتنقل المنطقة الى فصول أكثر سواداً. فلا أحد يجهل مغزى ألا يفضّل العرب انسحاباً أميركياً مبكراً عمر الاحتلال أكثر من 3 سنوات من العراق، لأن البديل عراق غارق بدماء السنّة والشيعة، العرب والأكراد، وقواعد أميركية ولو"سرّية"تحرس النفط وتراقب المذبحة. لا شيء تبدّل منذ شهور، السيناريو هو هو، والمخيف أن يكسب التطرف رهانه على إنهاك الخصوم، ما أن تتهاوى الأحجار، يغيب أكثر من كارزاي، تعود أميركا الى عزلتها، وينهمك الشرق... بظلامه. لا شيء تبدل منذ بدأ الزحف الأميركي لهدم"سجون الديكتاتوريات"، إلا مشاريع قهر بزيّ اسوأ... حظوظ بوش لن تختلف مع"أبو حمزة"بعد الزرقاوي، وأصابع رايس لا تهدئ غليان المنطقة.