هل يحل الرئيس محمود عباس حكومة حماس، أو تحل حكومة اسماعيل هنيّة السلطة الوطنية الفلسطينية؟ كلا الطرفين يملك تفويضاً متقارباً من شعبه تمثله نسبة الفوز بالرئاسة وبالبرلمان. القراران غير شرعيين بموجب الدستور الفلسطيني، وربما كان المخرج القانوني الوحيد هو إجراء استفتاء يحتكم فيه الى الشعب ويسأل فيه المواطن الفلسطيني سؤالاً وحيداً هو: هل تفوّض الرئيس أو الحكومة تمثيلك في الداخل والخارج؟ الفارق معروف حتى لا يحتاج الى سؤال آخر، فأبو مازن يملك برنامجاً منشوراً، وهو ينطلق من الالتزام بالاتفاقات التي عقدتها منظمة التحرير الفلسطينية، ومبادرة السلام العربية. أما حماس فترفض الاعتراف بإسرائيل وترفض التخلي عن سلاحها، وتصر على المقاومة حتى بعد ان اصبحت حكومة. قطر حاولت التوسط بين الطرفين، والشيخ حمد بن جاسم بن جبر كان يملك أوراقاً اضافية لإقناع الطرفين بدخول تجربة حكومة وحدة وطنية، إلا انه واجه مهمة مستحيلة وحماس تصر على ان تكون الحكومة والمعارضة، في آن، وتخذل بلداً نصرها واستضاف قادتها عندما طردوا من دول أخرى. أبو مازن حذّر في كلامه، وعندما رأيته في مقر الأممالمتحدة في نيويورك اكتفى بالقول: الحق على"صاحبك"خالد مشعل. غير ان وفداً فلسطينياً كبيراً رافق الرئيس، وقد تحدثتُ الى مسؤولين اكثر صراحة حمّلوا الأخ خالد المسؤولية عن تعطيل كل خطوة عملية اتفق عليها ابو مازن مع الحكومة. وهم يقولون انه كان وراء خطف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليت لإحباط مفاوضات عباس - هنية، وأنه يستخدم المال للضغط على الداخل، وهو في حلف مع سورية وإيران، وكلاهما يريد ثمناً غير فلسطيني مقابل تنازلات حماس. أبو الوليد يستطيع ان يدافع عن نفسه، وأن يشرح، ولكن في غضون ذلك الوضع الفلسطيني الداخلي هو الأسوأ على ما تعيه ذاكرتي، فالمواجهة بين فتح وحماس هي الأولى من نوعها، وقد كان الاقتتال الفلسطيني خطاً أحمر، وأبو عمار لم يهاجم المعارضين يوماً على رغم ان الغرب، في أوج العملية السلمية في أواسط التسعينات، كان يحرّضه ويعد بمكافأته اذا فعل. واليوم مشكلة أبو مازن انه"آدمي"، حتى لا نقول انه ضعيف، ومشكلة حماس انها لم تتوقع ان تفوز، فلم تعرف كيف تتعامل مع الفوز، ومشكلة فتح انها لم تتوقع ان تخسر، ولا تزال ترفض عملياً النتيجة. النتيجة ان هناك الآن اغتيالات فلسطينية - فلسطينية، لا بد انها تثلج قلب الحكومة الإسرائيلية، وهناك مواجهات غاضبة شبه يومية، وأحياناً مسلحة، ولا يبقى سوى ان يدخل الفلسطينيون بأرجلهم حرباً أهلية لا تفيد سوى اسرائيل. أعرف أن حماس لن تعترف بإسرائيل، ولن تتخلى عن سلاحها، غير ان أبو مازن يقول انه لم يطلب منها يوماً ان تعترف بإسرائيل. هو يطلب الموافقة على برنامجه، وعلى قبول اتفاقات منظمة التحرير الفلسطينية والتزاماتها، وقبول مبادرة السلام العربية. شروط المجموعة الرباعية في المقابل ثلاثة هي الاعتراف بإسرائيل، والتخلي عن العنف والالتزام بالاتفاقات المعقودة. ما سبق من شروط يصب في خانة الاعتراف بإسرائيل، في شكل مباشر أو غير مباشر، وتستطيع حماس ان تناقش كل شرط على حدة أو مجموعها، إلا انني أجد ان موقفها من المبادرة العربية غير مقبول، وأي حجة تقدمها مرفوضة. مبادرة 2002 صدرت بإجماع الدول العربية، بما فيها الكبيرة والصغيرة، يعني لبنان وسورية ايضاً. وحماس كفصيل، أو حكومة، لا تستطيع، ولا يجوز ان تخرج على الإجماع العربي. الفلسطينيون وحدهم لا حول لهم ولا طول، وهم وحدهم سيشردون في زوايا العالم الأربع غداً وينتهي امرهم، فبقاء القضية مرهون بأنها عربية وإسلامية، وإذا كانت الدول العربية كلها وافقت على المبادرة العربية فكيف تستطيع حماس ان تلتزم موقفاً مخالفاً للإجماع، وكيف يمكن ان تزعم انها وحدها مصيبة، وأن 22 دولة، بينها دولة فلسطين، مخطئة. أعرف أن حماس تؤيد العمليات الانتحارية، إلا أنني أجدها في هذا الموقف وقد أقحمت نفسها في عملية انتحارية من دون سبب واضح. المبادرة العربية حزمة اقتراحات، وإسرائيل نفسها لم تقبل بها، ثم تلتقي حماس مع اسرائيل في رفض المبادرة. أرجو ان أكون مخطئاً، ولكن اخشى من متابعتي أخبار الأسابيع الأخيرة ان تكون حماس انتشت بانتصار حزب الله، فخطاب اسماعيل هنية ذكرني بخطب السيد حسن نصر الله، من حجم الحضور، حتى الدعاء، وإلى دفع ثلاثة آلاف دولار لكل من هدم بيته. غير ان حزب الله انتصر، وهو قوي في بلد مستقل وسلاحه كثير وخطير، وحماس لا تملك شيئاً من هذا، بل يكفي مقارنة صواريخ القسام بما يملك حزب الله من انواع الصواريخ لنلاحظ الفارق في القدرة. الفلسطينيون أدخلوا أنفسهم هذه المرة نفقاً مظلماً، ولا يستطيعون ان يلوموا إسرائيل أو الولاياتالمتحدة. وهم قد يضربون بعضهم بعضاً في الظلام، أو يخرجون الى الضوء ويقبلون استفتاء على المستقبل يختار فيه الشعب الفلسطيني طرفاً يتكلم باسمه، ويتبعه الطرف الآخر مساعداً مسانداً منفذاً إرادة شعبه.