فرص عمل المواطنين... اثر البطالة والعولمة"عنوان ندوة مهمة نظمت في البحرين في النصف الثاني من شهر ايلول سبتمبر الماضي بمشاركة وزراء العمل في دول مجلس التعاون، بصفتهم الرسمية، وغرف التجارة والصناعة، كممثلين عن القطاع الخاص الخليجي، إضافة الى الاختصاصيين وبعض الجهات المعنية بعملية التوظيف في دول الخليج. تأتي هذه الندوة للتوصل الى توافق حول التوجهات الرامية الى توظيف مواطني دول مجلس التعاون وتقليص نسبة الأيدي العاملة الأجنبية، حيث يبدو هذا التوجه بارزاً في دول المجلس كافة. كان وزراء العمل اقترحوا في وقت سابق من هذا العام تحديد مدة إقامة الأجانب العاملين في هذه البلدان بست سنوات كحد أعلى، وأبدى حينها القطاع الخاص الخليجي عدم موافقته على هذا الاقتراح، باعتباره غير عملي وسيحمل رجال الأعمال تكاليف إضافية تتعلق بالتدريب والتأهيل والرسوم الخاصة باستقدام الأيدي العاملة. ان موافقة القطاع الخاص على مثل هذه التوجهات مسألة في غاية الأهمية باعتباره الجهة المؤهلة لاستيعاب الخريجين المواطنين من كل التخصصات، وذلك بعد تشبع المؤسسات الرسمية ومحدودية قدراتها على استيعاب أعداد كبيرة من خريجي الجامعات والمعاهد والمدارس الفنية. ملاحظات القطاع الخاص تكتسب بعداً اقتصادياً ومحاسبياً مهماً. فالتوظيف بالنسبة إليه مسألة تكاليف وأرباح، إضافة الى كونه التزاماً وطنياً، في الوقت الذي يحاول وزراء العمل تدارك بعض الصعوبات التي يمكن ان تتمخض عن ازدياد أعداد العاطلين من العمل في المستقبل. مسألة التوافق بين الجهتين مهمة للغاية، إذ من دونها ستبقى الأمور عالقة. فوزراء العمل يملكون قوة إدارية وتنفيذية يستطيعون من خلالها اتخاذ قرارات صارمة، الا ان ذلك لا يكفي لحل هذه الإشكاليات، في حين يملك القطاع الخاص فرص عمل في مجالات كثيرة، ومن دون التعاون والتنسيق معه ستبقى هذه المسائل من دون حلول جذرية. لقد سبق ونجحت توجهات التوطين في بعض المجالات، كالقطاع المصرفي في معظم دول المجلس. الا ان ذلك تم بفضل التدريب والتأهيل من خلال وجود معاهد للتدريب المصرفي في كل دول المجلس تقريباً. هذه النقطة المحورية تدخل في صميم هذا التوجه، إذ من دونها لا يمكن التوصل الى توافق بين توجهات وزراء العمل ومتطلبات القطاع الخاص الخليجي. كما ان أنشطة قطاع الأعمال كثيرة ومتنوعة وتشمل القطاعات الاقتصادية كافة، فيما عدا قطاع النفط، وهي في تطور مستمر بسبب زيادة استثمارات القطاع الخاص المحلي والأجنبي، وهو قادر بالتأكيد على استيعاب أعداد كبيرة من المواطنين الباحثين عن عمل في هذه البلدان. النجاح الذي تحقق في قطاع المصارف تجربة مهمة لا بد من الاستفادة منها، حيث اجتمعت ثلاثة عوامل، ممثلة في التوجهات الرسمية لوزارات العمل، ووجود مؤسسات للتدريب والتأهيل، واستعداد من جانب القطاع الخاص والمؤسسات المصرفية والمالية لتوظيف خريجي معاهد التدريب المصرفي. والتوجهات الحالية التي ستتناولها ندوة متخصصة في البحرين ينقصها العامل الثالث الخاص بالتدريب والتأهيل، خارج معاهد التدريب المصرفي واعداد المعلمين، ولا توجد معاهد متخصصة في مجالات مهمة، كالتدريب الصناعي والمهني والخدمات والاتصالات وادارة مرافق البنية الاساسية. هذه عملية طويلة ومعقدة. فالاقتصادات الخليجية تنمو بمعدلات عالية، خصوصاً بعد ارتفاع اسعار النفط في العامين الماضيين. وفي هذا الجانب تلعب الايدي العاملة الاجنبية دوراً تنموياً كبيراً، كما كان في السابق اثناء طفرتي النفط في منتصف السبعينات وبداية الثمانينات. الحكمة تتطلب الاستفادة من الايدي العاملة الاجنبية المدربة والمؤهلة لتسريع معدلات النمو الاقتصادي، مع العمل على إعداد الايدي العاملة المواطنة وتدريبها وتأهيلها لإحلالها ضمن عملية منهجية يتوافق حولها كل الاطراف ذات العلاقة في دول المجلس مجتمعة. يبقى ان كلمة السر في هذه العملية المنهجية ليست القرارات وحدها او الاستعداد الآني وحده، وانما التدريب والتأهيل ضمن مؤسسات تعليمية وتدريبية متخصصة، وضمن برنامج استثماري طويل المدى خاص بهذه العملية المنهجية ذات الابعاد الاقتصادية والاجتماعية والتنموية المهمة.