لم تكن آليات الجيش اللبناني ولا عناصره منتشرين أول من امس، كما اعتادوا في مناسبات سابقة تحسباً لما قد يعقب كل حدث يتحول الى استفزازات بين الشياح وعين الرمانة، فجاء حادث ليل أول من امس دموياً وأكثر استدعاء لمظاهر حرب ولّت. تعددت روايات شرارة الاشتباك الذي سقط ضحيته شاب ونحو 14 جريحاً، اذ بدأ عصراً باطلاق شباب"القوات اللبنانية"المفرقعات ابتهاجاً بتصديق البرلمان على قانون العفو عن قائدهم سمير جعجع، وقيل ان بعض الشباب الذين كانوا على طرق عين الرمانة المتفرعة من خط صيدا القديم وجه أسهمه في اتجاه الخط المذكور الذي تقع على ضفته المقابلة منطقة الشياح التي سبق ان احتفلت بفوز رئيس المجلس النيابي رئيس حركة"أمل"نبيه بري بدورة رابعة لرئاسة المجلس قبل أسابيع قليلة. وقيل ايضاً ان شاباً على دراجة نارية انتقل من الشياح الى عين الرمانة لحظة احتفال شبابها مما شكل استفزازاً لهم. وما حصل لاحقاً وكانت"الحياة"شاهدة عليه ان عشرات الشبان تجمعوا في شارع عبدالكريم الخليل الشياح المطل على خط صيدا القديم وتجمع مقابله عشرات من الشبان في الشارع المقابل عين الرمانة حاملين رايات"القوات"، وراحت الجموع تتراشق الشتائم والتهديدات، بعدما حضر الى المكان من مخفر الشياح القريب عناصر من قوى الامن الداخلي مع سيارتي جيب وعملوا على فصل المجموعتين، كما حضر عناصر من بلدية الشياح. لكن الاستفزازات التي راحت تنطق بها ألسنة شبان لم يتجاوزوا العشرينات اتخذت منحى آخر فتقدم عدد من شبان"القوات"مع رايتهم الى حيث جموع عبدالكريم الخليل ولحق بهم عناصر قوى الامن وأعادوهم الى"مواقعهم". وحاولت الجموع المقابلة التقدم وأعادها عناصر الامن وكان لكل فريق مسؤول عنه حضر الى المكان للتهدئة لكن صوتهما لم يكن مسموعاً لدى الشباب المتوترين. وكان المارة يسألون عن الجيش ويأتي الجواب ان عناصره ينتظرون أمراً من قيادتهم. وتمكن شاب"قواتي"من الإفلات من حصار قوى الامن وتقدم في اتجاه عبدالكريم الخليل وراح يستفز احدهم وعاد راكضاً فما كان من عشرات شبان الشياح ان ركضوا خلفه ودخلوا عين الرمانة واشتبكوا مع الشبان بالعصي والحجارة بعدما عجز عناصر الامن عن ردهم، وأُطلق في تلك اللحظة عيار ناري مصدره تقاطع عبدالكريم الخليل، وساد هرج ومرج ووصل عناصر من الجيش اللبناني الى المكان وتجدد اطلاق الرصاص وفرغت الطرق من السيارات المارة فيما راح الشبان من الجانبين يتراشقون بالحجارة والقناني الزجاجية وأحضرت حواجز حديدية دُفع بها الى تقاطع الطرق، وامتزج اطلاق النار مع المفرقعات التي صارت تستهدف شارع عبدالكريم الخليل، وارتفع صراخ المصابين وبينهم اصحاب مطاعم وأفران في المحلة. وراح بعض الشبان يتهجمون على الجيش لعدم وقوفه الى جانب فريق ضد الآخر. في الشوارع الخلفية لپ"خط التماس"نزلت الأمهات ينادين على ابنائهن وسط عتمة فرضها انقطاع التيار الكهربائي وثمة شبان كانوا يركضون وهم مصابون في صدورهم وظهورهم. كانت الساعة تجاوزت العاشرة والنصف ليلاً حين أحكم الجيش الطوق على المكان وأوقف عدداً من المشاركين في الشغب. فيما فر الشبان الى الشوارع الضيقة مخلفين"ساحة حرب"وعلامات استفهام عن هشاشة الامن ومصدر كل هذا الحقد الذي يغذيه اكثر من مصدر. الشاب بلال سيف الدين 21 عاماً الذي سقط نتيجة ما حصل لم يكن على علاقة بأي من الطرفين، وكان اهله رفضوا امس دفنه قبل جلاء الحقيقة عبر فتح تحقيق جدي بالحادث، وأسفر تدخل الرئيس بري عن موافقة ذويه على دفنه في مأتم حزين في مسقطه النبي عثمان، فيما يصارع شاب آخر هو بلال خميس الموت نتيجة اصابة في بطنه. "أهالي الشياح"أصدروا بياناً طالبوا فيه بتحديد المسؤوليات ومعاقبة الجناة، معتبرين ان"طرفاً واحداً"تسبب بسقوط الضحايا، فيما حذر النائب السابق صلاح الحركة من استمرار"انقسام لبنان الى دوائر طائفية ومذهبية متناحرة"، محذراً"من ان يتولى غيرنا ادارة أمننا اذا عجزنا عن ذلك بأنفسنا". ودعت بلدية الشياح الجميع الى"اقصى درجات ضبط النفس"مطالبة القوى الامنية"بالإمساك بزمام الامور"، وأكدت انها"ليست في أي شكل من الاشكال مع طرف دون آخر" .