قد يكون الوسط الاقتصادي في مصر محظوظاً لأنه أراح نفسه الأسبوع الماضي من السياسة، لا سيما موضوع الاستفتاء على تعديل الدستور المصري لانتخاب رئيس للجمهورية من بين اكثر من مرشح. ففي وسط هذا المناخ، أعلن خبر شراء مستثمر مصري واحدة من كبريات شركات الاتصالات في أوروبا بقيمة 17.1 بليون يورو، ما أدهش الجميع نظراً إلى ضخامة قيمة الصفقة. لكن الاقتصاديين لم يهدأ بالهم حتى الآن، فالتساؤلات لا تزال تدور حول أسباب شراء المهندس نجيب ساويرس شركة ويند الإيطالية التي تترتب عليها ديون بنحو ثمانية بلايين يورو، وحول أسباب عدم استثمار ساويرس بصورة أكبر في بلاده لتشغيل أكبر عدد ممكن من الشبان، وقدرة ساويرس على تغطية قيمة الصفقة، فيما ثروة العائلة بحسب تقرير صدر في مجلة"فوربس"أخيراً لا تتجاوز 5.3 بليون دولار لتحتل المرتبة ال 91 بين أغنى العائلات العالم. فهل الصفقة مغامرة محسوبة؟ لقد رأى منصفون أن الصفقة خطوة جيدة لساويرس على صعيد إثبات وجوده كمستثمر عالمي، فهو أُتهم أنه لا يعمل إلا مع الأميركيين، وعلى هذا الأساس دخل العراق وباكستان على رغم المشكلات السياسية القائمة، وأنه يقيم مع الأميركيين علاقة تخدم المصالح المشتركة فقط من دون النظر إلى مصالح أخرى، لكنه بصفقة ويند تجاوز هذا الانطباع ليثبت انه يستثمر للاستثمار ويثبت كذلك كفاءته كواحد من أبرز خبراء الاتصالات في العالم في وقت قصير. واللافت في صفقة ويند تعاطي الإعلام المصري معها. فالموضوع عولج على أنه خبر عادي في بلد يئن من مشكلات اقتصادية عدة، باستثناء صحيفة"العالم اليوم"الاقتصادية التي قالت:"رفعنا أول علم مصري في صناعة الاتصالات في أوروبا"، وصحيفة"نهضة مصر"التي قالت:"ساويرس يخطط لغزو أوروبا"، وصحيفة"الأهرام"التي قالت:"شركة مصرية تغزو الأسواق الأوروبية والمتوسطية". ولأن الحدث فرض نفسه التقت"الحياة"نجيب ساويرس، وجاء اللقاء مغايراً تماماً للقاءات سابقة، وما بين مطرقة حرصه على إعطائنا المعلومة الصحيحة وسندان ضيق الوقت لوجوده في القاهرة هذه الأيام، جاء الحوار الذي تم مباشرة في القاهرة وهاتفياً بين فرنسا والولايات المتحدة للوقوف على جديد الأمر. إلى الحوار: صفقة ويند ماذا تمثل لك؟ - أعتبرها معلماً مهماً في قطاع الاتصالات، إذ أن إمكانات الشركة غير المكتشفة بعد وشراكتنا مع إينيل، المالك السابق لويند، ستنتج منها قيمة تظهر من خلال التشغيل الكفي للموارد وتبادل أفضل للخبرات والسياسات المتاحة، ما ينفع كلاً من ويند وأوراسكوم تيليكوم القابضة. وأعتبر أن ويند بداية الطريق للعالمية. هل يعني ذلك أن لا شركاء معكم في الصفقة خارج أوراسكوم تيليكوم؟ - هذا صحيح نحن نملك بالكامل شركة ويذر إنفستمنتس التي اشترت ويند. لكن تردد أن هناك شركاء من فرنسا والولايات المتحدة في الصفقة؟ - ليس صحيحاً، فالصفقة قادها نجيب ساويرس وكل من ألساندرو بنديتي وحسن مصطفى عبده عن ويذر. كيف ستسير الصفقة، كيف ستنفذ؟ - سيتم التنفيذ على مرحلتين، تتضمن الأولى قيام ويذر بالشراء الفوري ل 62.75 في المئة من أسهم ويند، على أن تقدم عائلة ساويرس مساهمتها في ويذر من خلال حصة عينية ممثلة في شهادات إيداع دولية تمثل 50 في المئة زائد سهم واحد من أسهم أوراسكوم تيليكوم القابضة بقيمة 5.05 بلايين يورو. أما المرحلة الثانية التي ستنفذ خلال النصف الأول من 2006 فتتضمن قيام ويذر باستكمال شراء النسبة المتبقية في ويند وقدرها 37.25 في المئة، وبناء عليه يكون إجمالي قيمة الصفقة 17.1 بليون يورو. وكم ستمتلك ويذر من ويند وأوروسكوم؟ - ستمتلك ويذر مئة في المئة من أسهم ويند و50 في المئة زائد سهم واحد في أوراسكوم تيليكوم، وسيظل الهيكل الإداري لأوراسكوم من دون تغيير باستثناء إضافة عضو ممثل لشركة إينيل في مجلس الإدارة. وماذا عن مديونية ويند البالغة 8.9 بليون يورو، وهل ستؤثر في شركتي ويذر وأوراسكوم؟ - المديونية تتضمن 7.15 بليون لإعادة تمويل وهيكلة القروض القائمة حالياً على ويند، إضافة إلى 1.75 بليون في صورة وسائط اقتراض ذات عائد مرتفع، وأؤكد أنه لن يتم الرجوع على أي من شركة ويذر أو أوراسكوم لتحصيل قيمة تلك القروض، ولن تتحمل أوراسكوم أي ديون إضافية من أي نوع، وحصلت ويذر على تمويل ائتماني بمبلغ 1.2 بليون يورو بضمان حصتها في أوراسكوم تيليكوم. مستثمرون عرب وكيف ستتم معالجة هذا الأمر؟ - هناك مفاوضات جارية حالياً ومستمرة مع مستثمرين عرب ومن المنطقة لمساهمتهم باستثمارات قد تصل إلى بليون يورو، وبالطبع سنستعين بذلك لخفض قيمة التمويل إلى 200 مليون يورو علماً أن هذا التمويل 1.2 بليون يورو وسيتم سداده حتى سنة 2008. ولماذا مستثمرون عرب ومن المنطقة؟ أليس هناك إيطاليون أو أميركيون؟ - في الحقيقة هناك مستثمرون عرب على درجة عالية جداً من الكفاءة، وقد شهدت الفترة الأخيرة طفرة غير مسبوقة في الحديث عن كيفية المشاركة بين العرب في مثل هذه المشاريع. وبالفعل أنا أفضل أن يكون معي مثل هذه النوعية من المستثمرين، لكنني لست مقيداً، والمفاوضات جارية. وهل سيقف الأمر عند المساهمة في خفض قيمة التمويل؟ أليست هناك أفكار أخرى ومشاريع مشتركة في مجال آخر؟ - نعم هناك وباستثمارات عالية لكن لم تتبلور الأمور بعد وهذا شيء سابق لأوانه. متى سيتم طرح ويذر إنفستمنتس في البورصة الإيطالية؟ - ندرس كل الخيارات حالياً، لكننا لم نحدد تاريخاً. ما هي المصارف الأجنبية التي استعنتم بها لإتمام الصفقة؟ - استعانت ويذر بكل من"أ ب ن أمرو"، وبانكا آي إم آي، ودويتش بنك، وروتتشيلد كمستشارين ماليين، فيما استعين بالأخير كمستشار للقرض. ونسق كل من"أ ب ن أمرو"ودويتش بنك وساو باولو آي إم آي، وبانكا آي إم آي بينها وجرى التوقيع على القروض اللازمة لتمويل الصفقة، بينما قدمت كابيتال إس أي إي الاستشارات اللازمة لويذر فيما يتصل بهيكلة الصفقة. تردد أن هناك مشكلات داخل العائلة بسبب الصفقة؟ - مشكلات زي إيه؟ يقال إن هناك عدم رضا على الصفقة كونها تجر العائلة إلى مشروع يحتاج إلى مبالغ ضخمة لإنجاحه. - أنا رجل أعمال ومهمتي تحقيق طموحي بما يتفق وأوضاعي، ولا تمانع العائلة في ذلك إطلاقاً، وهناك ثقة في ما أقوم به، ولي الحرية في ذلك. عارض الأب رجل الأعمال ورئيس أوراسكوم القابضة أنس ساويرس من قبل دخولك مجال الاتصالات وقت شرائك صفقة الخلوي الأولى في مصر عام 1998 لأن المجال كان جديداً عليكم. ما رأيه في صفقة ويند؟ - باركها تماماً. فهو يعلم كيف أدير شؤوني، وأعمل بحكمة استمدها من والدي الذي أكن له كل تقدير. البعض يرى أنك دخلت ما يسمى"عش الزنابير"ودائماً تأتي بالأصعب، ففي السابق دخلت أسواقاً مضطربة، كان آخرها العراق وباكستان ودول أخرى. ألست خائفاً من مجهول بعد ويند؟ - ضاحكاً أنا مؤمن في الأساس، والإيمان والخوف لا يجتمعان، وأعمل بالحكمة القائلة:"من كان الله معه فمن عليه؟". الطموح أين يقف طموحك؟ - بعد قليل من التفكير طموحي لا حدود له. نعم أنا أفكر حالياً في صفقة ويند وما بعدها، لكن طموحي لا يتوقف في المستقبل عند ذلك، وفي جعبتي الكثير. لكن كما قلت لك أتحرك بحكمة. مثلاً عندما دخلت العراق حذرني كثيرون لكنني مصمم على الاستمرار على رغم ما يتعرض له العاملون في شركة"عراقنا". على ذكر"عراقنا"، ما زالت هناك انتقادات للشركة وعملها في العراق. ما تعليقك؟ - ألا يعلم المنتقدون أننا الشركة الوحيدة هناك التي تعرض عاملوها للخطف ثلاث مرات متتالية، وتوقفت حياتي 65 يوماً حين قدت بنفسي المفاوضات مع الخاطفين في تشرين الأول أكتوبر الماضي إلى أن أفرج عن العاملين، إضافة إلى أن العمل هناك يتم في ظروف قاسية جداً وتتعرض سياراتنا التي تنقل الأجهزة والمعدات للتخريب والسرقة، وبغداد منطقة تختلف تماماً عن أي منطقة أخرى في العراق لكن مع هذا نحن مستمرون. بشرائك ويند هل سنسمع قريباً عن دخولك أسواقاً أوروبية وحصولك على رخص للخلوي؟ - نعم، لدي نية الاستثمار في اليونان وأسبانيا والبرتغال، وبحسب ما تتاح أسواق أخرى للدخول فيها. ماذا عن توسعات أوراسكوم تيليكوم، وأين ستوجه الاستثمارات الجديدة؟ - ستصل استثمارات أوراسكوم السنة الجارية إلى أكثر من بليون دولار فهناك استثمارات في الجزائر وباكستان ومصر وبنغلادش. وهل هناك توجه لدخول أسواق جديدة؟ - نعم، نخطط للدخول إلى المغرب والإمارات وربما السعودية وأفغانستان وبعض دول أوروبا الشرقية، وتلك الاستثمارات تتجاوز البليوني دولار في حال إتمامها، لكننا ما زلنا ندرس كل الأمور والاحتمالات. بعد بعض التفكير هدفي إنشاء منظومة اتصالات عملاقة يصل حجم المشتركين فيها إلى 150 مليون مشترك، سواء من ويند أو من أوراسكوم، بعد التعاون القائم بينهما، علماً بأن عدد مشتركي أوراسكوم سيصل إلى 25 مليوناً نهاية السنة من ست أسواق رئيسية تعمل بها. سؤال أخير، بعد الصفقة يسألك كثيرون لماذا لا تستثمر الپ17 بليون يورو في مصر؟ - أولا استثمارات مجموعة أوراسكوم في مصر كبيرة جداً وفي كل المجالات."لو فتحت الصنبور ستنزل أوراسكوم كالماء"هذا تعبير قاله بعض الناس نظراً الى تعدد مجالات الاستثمارات التي نعمل بها، وللعلم أي مجال نعمل فيه خارجياً نبدأ به أولاً في بلادنا لنساهم بثقل في تحسين وضع الاقتصاد وتشغيل الشبان وجذب الاستثمار. وأقول لكل مصري نحن ننتمي إلى بلادنا قلباً وقالباً، وأي عمل نقوم به سيعود إليها في النهاية. وبالطبع سنستعين بمصريين للعمل في مشاريعنا الخارجية، إضافة إلى جذب التكنولوجيا الأوروبية الحديثة في مجال الاتصالات ونقل الإدارة الحديثة من خلال تنظيم دورات تدريبية للعمالة المصرية في مراكز التدريب الإيطالية والأوروبية - المتوسطية قريباً ورفع مستوى الخبرة العالمية. نحن مصريون ووطنيون ولسنا في مزايدة مع أي شخص. تاريخ شركة ويند أسست مؤسسة إينيل الإيطالية الحكومية للكهرباء شركة ويند عام 1997 بمشاركة الفرنسية للاتصالات"فرانس تيليكوم"والألمانية للاتصالات"ديوتش تيليكوم"، وكان لكل منهما نسبة 24.5 في المئة من الأسهم. وسرعان ما تنازع الشريكان الفرنسي والألماني وانسحبا من الشركة اعتباراً من عام 2001، تحملت إينيل وحدها العبء لتبدأ المشكلات المالية للشركة ووصلت الديون إلى 7 بلايين يورو. وتشير الإحصاءات الرسمية العام الماضي إلى أن عدد مستخدمي ويند في إيطاليا 31 مليون مستخدم بينهم 2.4 مليون في الهاتف الثابت و12.1 مليون مستخدم للهاتف الخلوي و17.1 مليون مشترك في الإنترنت بينهم 2.8 مليون مشترك نشط. وتعتبر صفقة ساويرس الأكبر في إيطاليا التي تضم أربع شركات، بينها ثلاث لمستثمرين أجانب، هي"أومنيتيل"التي اشترتها فودافون البريطانية، وشركة"ثري"التي تسيطر على أسهمها شركة من هونغ كونغ، و"ويند"المصرية. وتبقى تيليكوم إيطاليا الشركة الحكومية الوحيدة التي تعمل في مجال الاتصالات.
