الأردن يرحب بإدانة إسرائيل في تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن جرائم غزة    المرور: استخدام الهاتف أثناء القيادة من أبرز مسببات الحوادث المرورية    رخصة السكن الجماعي شرط إلزامي عبر «بلدي»    "إثراء" يتصدّر المشهد الثقافي بحصوله على جائزة الملك عبدالعزيز للتواصل الحضاري    مختص ل ( الرياض ) السكينة ليست خدعة ولا استراحة مشبوهة بل حق إنساني    رئيس الوزراء في جمهورية باكستان الإسلامية يصل للرياض وفي مقدمة مستقبليه نائب أمير المنطقة    بيئة جازان تعالج 25 بئرًا مهجوراً ومكشوفًا    مكتب الوزارة بصبيا ينفذ مبادرة تشجير بمساجد محافظة ضمد    لا تخاطر..بادر بالتحول الاستباقي إلى أجهزة Windows 11 Pro الجديدة مع اقتراب نهاية دعم Windows 10    استقرار أسعار النفط مع ترقب قرار المركزي الأمريكي بشأن أسعار الفائدة    علماء يبتكرون طريقة ذكية لتفعيل أدوية السرطان داخل الورم    قطر تدين بأشد العبارات العملية البرية الواسعة التي بدأها الاحتلال الإسرائيلي للسيطرة على غزة    وزير الشؤون الإسلامية يبدأ زيارة تفقدية لقطاعات الوزارة وتدشين مشروعات جديدة بالمدينة المنورة    إطلاق اسم الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز على طريق المطار في المدينة المنورة    ضبط مواطنًا مخالفًا للائحة الأمن والسلامة في ضباء    أمانة تبوك تضبط منزلًا لتخزين لحوم مجهولة المصدر    وزير الاقتصاد والتخطيط يلتقي الرئيس التنفيذي للجمعية الدولية لمنتجي النفط والغاز    بريطانيا تدين الهجوم الإسرائيلي على غزة    الإنجازات الأمنية على طاولة نائب أمير الرياض    المياه الوطنية وصندوق الشهداء يوقعان اتفاقية تعاون    «أليانتس أرينا» يعيد التاريخ بين بايرن والبلوز    بناء صورة جديدة للمملكة    الصناعة تتوج بجائزة التميز    مشاركات فاعلة في صون الطبيعة وحماية البيئة.. السعودية رائد عالمي في الحفاظ على «طبقة الأوزون»    قطر: نتنياهو لن يفلت من تبعات خرق القانون    الحكومة السورية ملتزمة بمحاكمة مرتكبي الجرائم.. خارطة طريق لاستقرار السويداء    أدان بأشد العبارات اعتداءات سلطة الاحتلال بالمنطقة.. مجلس الوزراء: نتضامن مع قطر وندعمها لحماية أمنها وسيادتها    نزاع على تصميم ينتهي ب«التعويض والسحب»    مجلس الوزراء يوافق على وثيقة مشروع تخصيص مصنع الملابس والتجهيزات العسكرية    وفاة 5 أشخاص وإصابة 2 آخرين إثر حادث انقلاب مركبة في جازان    موجز    «فبراير الأسود» يعيد القصبي للدراما    سفاسف (الظهور)..!    «العرضة» على شاشة الثقافية اليوم الأربعاء    في ختام الجولة الأولى بنخبة آسيا.. الهلال يقلب الطاولة على الدحيل القطري    وجهة نظر في فلاتر التواصل    خطبة الجمعة المقبلة.. وحدة الصف ونعمة الأمن والرخاء ورغد العيش    في بداية مشواره بدوري أبطال آسيا الثاني.. النصر يستضيف الاستقلال الطاجيكي    أولويات آسيوية تمنح الأهلي سجلاً تاريخياً من ذهب    قطرات عين ثورية بديلة عن النظارات    %44 من شركات إنتاج الروبوتات يابانية    يوم النخيل العربي    انتظر في حسرتي لين الغياب    ماكل هرج نسمعه نستمع له ولا كل من وصِي على الطيب طابي    Guinness توثق أكبر طبق جولوف    اللصقات الهرمونية أنسب لمرضى السكري    وجبة دهون واحدة تضعف الذاكرة    الهلال يتغلب على الدحيل بثنائية في النخبة الآسيوية    الهلال يبدأ مشواره في دوري أبطال أسيا للنخبة بالفوز على الدحيل    خطى ثابتة لمستقبل واعد    محافظ الأحساء يكرّم مواطنًا تبرع بكليته لأخيه    إطلاق مبادرة تصحيح أوضاع الصقور بالسعودية    الإسراف وإنفاق ما لا نملك    متقن    أمير القصيم يزور محافظة البدائع ويلتقي المواطنين ويطلع على مشاريع تنموية تفوق 100 مليون ريال    جامعة الملك سعود تُنظّم الندوة العالمية لدراسات تاريخ الجزيرة العربية    المواطن أولا رؤية وطن تتجدد حتى 2030    نائب أمير تبوك يستقبل مدير عام فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لبنان بلداً للمفارقات والاحتمالات الكثيرة ...
نشر في الحياة يوم 08 - 05 - 2005

لاحظ المراقبون ان لبنان عندما كان تحت الوصاية السورية، المقبولة دولياً اميركيا واوروبياً، كان الثقل الوازن فيه يعود لطائفتي الشيعة والسنة مع المحافظة على حصة الدروز وتهميش المسيحيين الموارنة. اما في لبنان الجديد المنبثق من القرار 1559 اي الواقع تحت الوصاية الدولية الاميركية الفرنسية، المقبولة عربياً، فسيكون الثقل الوازن لطائفتي الموارنة والمسلمين السنة، مع حفظ لحصة الدروز وسعي لتهميش المسلمين الشيعة وربما المسيحيين الارثوذكس. والتهميش، كما التسييد، له مداخل ومخارج عدة وفيه الكثير من المسالك المطروقة بين الاجتماع الطائفي والقرار الاقليمي والدولي.
في الحالة الاولى الوصاية السورية تم تهميش الموارنة من خلال واقعتين: سحب بعض صلاحيات رئيس الجمهورية الماروني الذي كانت تصفه الدوائر المسلمة، قبل حروب 1975 وما تلاها، بانه ملك بغير تاج. وقد تم نقل بعض صلاحياته الى مجلس الوزراء الذي اصبح مجتمعاً يمثل السلطة التنفيذية. وفي مجلس الوزراء يتحول رئيس البلاد الى عضو بين حوالى ثلاثين آخرين، له حق النقاش والتصويت فيما القرارات تؤخذ بالأكثرية، وبالتالي اصبح رئيس الحكومة معادلاً له داخل مجلس الوزراء بل متفوقاً عليه أحياناً. وقد اصبح هناك رئيسان داخل مجلس الوزراء. ولا شك ان السنوات الاخيرة شهدت فصولا ًمن الصراع بينهما. والأهم انه في برلمان ينقسم مناصفة بين المسلمين والمسيحيين يصبح الصوت المسلم مع قلة مسيحية كافياً لاختيار رئيس الجمهورية. وهذا ادى الى ان رئيسي الجمهورية اللذين تعاقبا بعد الطائف كانا منتخبين بالصوت المسلم ومختارين من سلطة الوصاية ولا يتمتعان بشعبية كبيرة داخل المسيحيين.
وادخل دستور الطائف تعديلاً اساسيا عزز دور البرلمان ورئيسه الذي اصبح ينتخب لمرة واحدة طوال مدة المجلس اربع سنوات بعد ان كان قبل الطائف 1989 يعاد انتخابه مرة كل سنة. واللافت هنا وهذا ما اثار حفيظة بعض الاوساط السياسية المسيحية ان رئيسي البرلمان والحكومة يمكن ان يظلا في مراكزهما لمدة غير محددة حيث يمكن تكليف الثاني وانتخاب الاول دون تحديد المدة، فيما لا يجوز لرئيس الجمهورية ان يبقى لاكثر من ست سنوات.
وعلى العموم، كانت السلطتان التشريعية والتنفيذية كالخاتم في اصبع رئيس الجمهورية الماروني. وهكذا فإزاحة الطائفة المارونية عن المركز الأول في الفعالية لم يرتبط فقط بالوكالة العربية الدولية التي فوضت الى سورية معالجة الشأن اللبناني، بل ارتبط ايضا بصعود لدور الطائفة الشيعية من خلال حدثين: الثورة الاسلامية في ايران والمقاومة التي قوبل بها الغزو الاسرائيلي لجنوب لبنان وما ترافق معه من خروج لمنظمة التحرير الفلسطيني. وأساس ذلك أن الطائفة الشيعية تحولت مع الزمن الاكثر عدداً والاكثر حضوراً في لبنان احصاءات غير رسمية تتحدث عن 04 في المئة من مجموع سكانه، فضلاً عن الدور التاريخي الذي لعبته شخصيات كالسيد موسى الصدر ولاحقا نبيه بري، وذلك قبل بروز حزب الله الذي اضفى على العمق الشيعي بعداً جديداً وإقليمياً.
لذلك ليس غريبا ان يكون الصراع بعد اغتيال رفيق الحريري محوره الموقع الذي ستحتله في لبنان الجديد رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس النيابي. وهو صراع طوائفي من جهة لكنه ذو ابعاد تتصل بالمشروع الدستوري للبنان التعددي، او ربما الفيدرالي، والاحتمالان مفتوحان على احتمالات تقسيم نسبي.
فقد عادت المواقف الصادرة عن السياسيين اللبنانيين لتكون مواقف طائفية تتلبسها شعارات لا تعبر سوى عن قشرة رقيقة سطحية سرعان ما تتكسر ليبرز العمق الحقيقيي. ورغم ان لبنان شكل بين الاقطار العربية حيّزاً من الحرية للهويتين الشيعية المسلمة والمارونية المسيحية، وهو ما كان يفترض ان يعزز التقارب اللبناني اللبناني، فالمارونية السياسية اليوم وما بات يسمى الشيعية السياسية تقفان على عتبة جديدة تحكمها عوامل قد تعزز أسباب الصدام. فالمارونية حمت موقع رئاسة الجمهورية واوقفت الحملة التي كانت تدعو الى اقالته او استقالته، فيما استُبعد اللواء جميل السيد الموظف الأبرز في تاريخ الشيعة في لبنان من حيث دوره المحوري وانجازاته المشهود بها في الادارة التي تولاها.
ومن الواضح ان المارونية السياسية تشد بالنظام السياسي الى الوراء بسبب المخاوف والهواجس التي تحكم الوجود المسيحي في المنطقة. فهي ضد نظام انتخابي يقوم على النسبية، ويقال ايضا انها ضد تخفيض سن الاقتراع الى الثامنة عشرة. هذا عدا عن درجة تأثرها بطريقة رسم الدوائر الانتخابية. على العكس من ذلك، فإن من صالح الشيعية السياسية ان يكون لبنان دائرة واحدة او خمس دوائر المحافظات والاقتراع بالنسبية. كما سيكون من صالحها العمل على احداث الدائرة الصغرى اذا ارتبطت باصلاحات جذرية لقانون الانتخابات. والابرز هنا ثلاثة اصلاحات:
الانتخاب على اساس السكن والاقامة وليس على اساس مسقط الرأس والولادة. والنموذج الابرز على ذلك ان خزين الضواحي الشيعية في بيروت يتبدد انتخابيا باعادة توزيعه على الارياف التي جاء منها، ولو كان تاريخ المجيء يعود الى قرن مضى. فابن الضاحية حيث عمله وسكنه وولادته مضطر كي يمارس حقه الانتخابي ان يعود الى قرية نائية لا يعرفها الا في مناسبات نادرة.
الثاني يتعلق بتخفيض سن الاقتراع الى الثامنة عشرة، وهي السن التي اخذ معظم المجتمعات ان لم نقل كلها بها. وهذا التعديل سيبدل بنية الهيئة الانتخابية تبديلا كاملا وستظهر اثاره بصورة اكبر بين المسلمين الشيعة حيث يغلب عنصر الشباب على بنيتهم السكانية.
ثم، جعل الدوائر فردية على اساس صوت واحد لمرشح واحد. ما يعكس البنية الحقيقية للهيئة الانتخابية ويفرز تمثيلا اقرب الى العدالة.
من الواضح ان لبنان الجديد سيكون فيه التجاذب كبيراً بين المارونية السياسية والشيعية السياسية، والشيعية السياسية ستكون الأحرص على وحدة لبنان ونهائية كيانه فيما المارونية السياسية سترفع سيف الفيدرالية او بقاء القوانين العرجاء الذي تأخذ بالشيء وتتركه في الآن نفسه.
وقد يندرج تصعيد الضغط على سلاح حزب الله في إضمار التعطيل لقدرة الحزب على المناورة في شأن المطالب المشار اليها اعلاه، والامر نفسه ينطبق على محاولات هز موقع رئاسة المجلس وحصر جهود حركة أمل في الدفاع عن هذا الموقع.
واللافت هنا ان الصورة الجزئية التي تربط تراجع المارونية السياسية وصعود الشيعية السياسية بالدور السوري في لبنان، واعتبار أن الانسحاب السوري ستكون له كلمته في الظاهرتين... تحاول ان تغطي تحولات أعمق جارية في المنطقة، ما يحمل على الانتباه الى معاني التحالف الشيعي الكردي في العراق. ويبقى السؤال، في آخر المطاف، قائماً عما تريده الوصاية الدولية للبنان التي اعترف بوجودها، بفاصل ساعات قليلة، كل من البطريرك نصر الله صفير ووليد جنبلاط والابرز في معسكر المعارضة المسيحية الاسلامية. فالوضع مفتوح على احتمالات عدة إلا إذا صدق القائلون إن كل ما يجري زوبعة انتخابية قريباً ما تتوقف، فيعود بعض القديم ويتم تمرير القليل القليل من الجديد.
* رئيس تحرير مجلة"النور"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.