يعيش علي عبد الحسن في المكان الذي رأى فيه للمرة الأخيرة أولاده الخمسة احياء، بعدما اعتقلهم جهاز الاستخبارات العراقي التابع لنظام صدام حسين. اليوم، اصبحت مقار النظام وأقبيته وسجونه المنهارة، وبعد سنتين على سقوط نظام صدام، مساكن لأسر مهجرة ومشردة، لا مأوى لها. ويقول عبد الحسن:"كنا نشعر بالرعب في زمن النظام السابق، حتى من النظر أو الإشارة باصبعنا باتجاه هذا المقر، لكنه اليوم اصبح مسكناً ومأوى لنا".ووسط الدمار، يتقاسم عبد الحسن العاطل عن العمل في الخمسينات من عمره مع ثلاثة عشر من أفراد عائلته، إحدى غرف المكان. وهو فقد خمسة من أولاده بعدما دخلوا المبنى الذي يقيم فيه الآن، وذلك عام 1981 عندما كانت الحرب العراقية - الايرانية في أوجها. كان ابناؤه أعضاء في"حزب الدعوى الاسلامية"الذي كان قائده ابراهيم الجعفري مطلوباً، واصبح الآن رئيساً للحكومة. ويزور كثيرون من العراقيين اليوم المبنى سيئ السمعة الذي كانت تشغله استخبارات النظام السابق. مئات من الأسر التي تشعر بأنها ضحية حروب، تعيش في هذا المبنى في أماكن كبيرة، لا أثاث فيها، يشغلها الرجال والنساء والاطفال، يجلسون ويأكلون وينامون على حصائر صلبة، في أجواء ملوثة وكئيبة. كل عائلة تسكن المبنى، بنت مكاناً خاصاً لها للطبخ، لكن المراحيض مشتركى يتقاسمها الجميع. واصبحت البراميل الحديد والبلاستيك بديلاً منها في بعض الاحيان. أمام المبنى أطفال حفاة شبه عراة، يلعبون قرب تمثال لصدام في حديقة المجمع. وعلى بعد امتار أماكن سكن مبنية حديثاً، تخضع لحراسة مشددة. وتمنع الأسلاك الشائكة الأطفال من الوصول الى مسلحين يتولون الحراسة من أبراج مراقبة عالية. تقول حسنة سرحان 49 سنة وهي أرملة:"أسكن مع أطفالي الخمسة في غرفة، لا كهرباء ولا ماء صالحاً للشرب فيها، ولا استطيع تحمل أعباء ارسال أطفالي الى المدارس، لذلك يبقون هنا طوال النهار". وتأمل حسنة التي فقدت زوجها أثناء الغزو الاميركي للعراق في آذار مارس 2003، كغيرها من الأسر التي تسكن في المجمع، بمستقبل افضل بعد سقوط صدام الذي حكم البلد بقبضة من حديد. ولكن، بعد مرور سنتين على عمليات"حرية العراق"يبدو ان الاحلام الجميلة لمعظم العراقيين تبخرت، بسبب قسوة"المتمردين"والسيارات المفخخة اليومية، والمكامن وعمليات الخطف، والقتال داخل المدن. وتقول حسنة:"كل ما نريده هو العيش مثل البشر... لدينا حلم بمستقبل أفضل، لكنه يخفت يوماً بعد يوم". زينب لطيف 10 سنوات تحمل شقيقها الذي يبلغ من العمر سنتين، تشكو بمرارة:"نحن فقراء، لا أحد يمكن ان يساعدنا، وما نحتاجه هو الذهاب الى المدرسة وشراء ملابس ولعب. نعثر دائماً على لعب قديمة بين القمامة، أو يحضرها الينا بعض الناس، لكننا لا نستطيع شراء واحدة أبداً".