تعيش عشرات الاسر العراقية التي لم يعد لها مأوى منذ نهاية الحرب في سجن عسكري قديم شمال بغداد حيث تسعى الى التكيف وسط الانقاض والزنزانات الضيقة. وعلى مدخل المبنى الذي قصف احد اجنحته خلال الحرب، وضعت عبارة "مجمع الحرية" مكان صورة صدام حسين. واوضح قادر حسين احد ممثلي 170 اسرة تقيم في السجن السابق "انه الاسم الذي اخترناه لمسكننا الجديد". ومعظم افراد هذه الاسر المعوزة من سكان "مدينة الصدر" مدينة صدام سابقا الذين طردهم اصحاب المنازل التي يسكنونها. اذ استغل المالكون سقوط النظام لرفع قيمة الايجار فما عادوا قادرين على دفعها. وحلت هذه الاسر التي لا موارد رزق لديها ولا مأوى، على التوالي في السجن السابق ونظمت نفسها في مجتمع صغير، واقام كل منها في قسم من المبنى، ساعية الى اعادة تأهيله لتتمكن من العيش فيه. ويقيم قاسم محمد واسرته المكونة من زوجته وثلاثة اطفال في الطابق الاول حيث زنزانات السجن. وابواب المكان ونوافذه مسيجة، فيما لا يزال بعض الزنزانات مقفلاً. غير انه تم هدم بعض الجدران لتوسيع المكان. ويعيش قاسم في غرفة يبلغ اتساعها 30 متراً مربعاً. ويستخدم زنزانة مجاورة مساحتها ثلاثة امتار مربعة حماماً. وزينت الحيطان المتسخة ساعات من النوع الرديء وصور الاسرة وصور مراجع شيعية. وقال قاسم مبتسما "أليس من سخرية القدر ان يصبح السجن سكنا لنا"، قبل ان يضيف ان معتقلا سابقا امضى 10 سنين في هذا السجن، جاء الى المكان وطلب منا ان ندمر كل شيء. وفي جناح اخر من السجن، اقامت اسرة كمال في ما كان قاعة مناوبة الحراس. وقدم لنا احمد كمال وهو يحمل بيديه ابنته الشاحبة التي لا يتجاوز عمرها عشرة اشهر، ابناءه الثلاثة الآخرين. وبدا أحدهم وقد غطت جسمه لسعات الحشرات. وبدا المكان غير صحي وخطرا تماماً، وتندر فيه المياه اذ لم يبق إلا أنبوب ماء واحد يعمل في المجمع الذي ترتفع فيه درجات الحرارة وتنعدم الكهرباء. ومد بعضهم اسلاكا كهربائية من مبان مجاورة ما اضاف الى مخاطر الموقع خطرا جديدا. وأقام آخرون مسكناً لهم في زوايا سقفها مهدد بالانهيار في كل لحظة بسبب اصابته بالقصف اثناء الحرب. وتشكل الذخائر والاسلحة التي لا تزال متناثرة في الموقع خطرا اضافيا. فقد اصيبت الفتاة نورس هاشم 13 سنة بجروح قبل بضعة ايام بسبب انفجار قنبلة يدوية كانت مطمورة في ساحة السجن. وقال والد نورس "طلبنا من الاميركيين جمع الاسلحة" مشيرا الى نسخة من رسالة بعث بها الى العسكريين الاميركيين. واخرج بعض سكان السجن من جيوبهم نسخا من رسائل وجهوها الى المنظمات الانسانية طلبا للمساعدة ولائحة بكل سكان السجن، ووثيقة من الاممالمتحدة تؤكد سكن عائلات في السجن السابق. وبدوا متعلقين بهذه الاوراق التي تمثل دليلا هشا على وجودهم الاداري. غير ان الواقع يشير الى ان احدا لا يهتم بأمرهم. ولا يفكر أحد منهم بمغادرة السجن ويحلمون بمستقبل افضل. وقال احدهم: "على الاقل لسنا في الشارع. ولا نأمل إلا ببعض المساعدة لاعادة اعمار المكان والعيش بأمان".