أمير جازان يشارك أهالي فرسان "صيد سمك الحريد"    ب10 لاعبين.. الرياض يعود من بعيد ويتعادل مع الفتح ويخطف نقطة ثمينة    «التخصصي» العلامة الصحية الأعلى قيمة في السعودية والشرق الأوسط    رحلة نجاح مستمرة    «مسام» يفكك كميات ضخمة من المتفجرات في قارب مفخخ قرب باب المندب    فيصل بن بندر يرعى حفل تخريج الدفعة ال15 من طلاب جامعة شقراء    «التعليم السعودي».. الطريق إلى المستقبل    « أنت مخلوع »..!    خان يونس.. للموت رائحة    صدور بيان مشترك بشأن التعاون في مجال الطاقة بين السعودية وأوزبكستان    "تمزق العضلة" ينهي موسم طارق حامد مع ضمك    وزير الخارجية يستقبل الأمين العام للمكتب الدولي للمعارض    سلة الهلال تقصي النصر وتتأهل لنهائي كأس وزارة الرياضة لكرة السلة    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    وزير الطاقة يشارك في جلسة حوارية في منتدى طشقند الدولي الثالث للاستثمار    القبض على فلسطيني ومواطن في جدة لترويجهما مادة الحشيش المخدر    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ    الإصابة تهدد مشاركة لوكاس هيرنانديز مع فرنسا في (يورو 2024)    الذهب يستقر برغم توقعات ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية    النفط ينتعش وسط احتمالات تجديد الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي    محافظ بلقرن يرعى اختتام فعاليات مبادرة أجاويد2    "شرح الوصية الصغرى لابن تيمية".. دورة علمية تنفذها إسلامية جازان في المسارحة والحُرّث وجزر فرسان    مباحثات سعودية فرنسية لتوطين التقنيات الدفاعية    المملكة: الاستخدام المفرط ل"الفيتو" فاقم الكارثة بفلسطين    قتل مواطنين خانا الوطن وتبنيّا الإرهاب    هاكاثون "هندس" يطرح حلولاً للمشي اثناء النوم وجهاز مساعد يفصل الإشارات القلبية    مبادرة «يوم لهيئة حقوق الإنسان» في فرع الاعلام بالشرقية    مستشفى خميس مشيط للولادة والأطفال يُنظّم فعالية "التحصينات"    الشرطة الأمريكية تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض الاعتصامات المؤيدة لغزة    السعودية تدعو لتوحيد الجهود العربية لمواجهة التحديات البيئية التي تمر بها المنطقة والعالم    العدل تُعلن عن إقامة المؤتمر الدولي للتدريب القضائي بالرياض    انعقاد أعمال المنتدى العالمي السادس للحوار بين الثقافات والمؤتمر البرلماني المصاحب في أذربيجان    المنتخب السعودي للرياضيات يحصد 6 جوائز عالمية في أولمبياد البلقان للرياضيات 2024    مبادرة لرعاية المواهب الشابة وتعزيز صناعة السينما المحلية    الوسط الثقافي ينعي د.الصمعان    سماء غائمة بالجوف والحدود الشمالية وأمطار غزيرة على معظم المناطق    تيليس: ينتظرنا نهائي صعب أمام الهلال    برئاسة وزير الدفاع.. "الجيومكانية" تستعرض خططها    اَلسِّيَاسَاتُ اَلتَّعْلِيمِيَّةُ.. إِعَادَةُ اَلنَّظَرِ وَأَهَمِّيَّةُ اَلتَّطْوِيرِ    يجيب عن التساؤلات والملاحظات.. وزير التعليم تحت قبة «الشورى»    جميل ولكن..    أمي السبعينية في ذكرى ميلادها    الدراما السعودية.. من التجريب إلى التألق    متحدث التعليم ل«عكاظ»: علّقنا الدراسة.. «الحساب» ينفي !    هذا هو شكل القرش قبل 93 مليون سنة !    هكذا تكون التربية    ما أصبر هؤلاء    «العيسى»: بيان «كبار العلماء» يعالج سلوكيات فردية مؤسفة    سعود عبدالحميد «تخصص جديد» في شباك العميد    حظر استخدام الحيوانات المهددة بالانقراض في التجارب    زيادة لياقة القلب.. تقلل خطر الوفاة    «المظهر.. التزامات العمل.. مستقبل الأسرة والوزن» أكثر مجالات القلق    النصر يتغلب على الخليج بثلاثية ويطير لمقابلة الهلال في نهائي كأس الملك    أشاد بدعم القيادة للتكافل والسلام.. أمير نجران يلتقي وفد الهلال الأحمر و"عطايا الخير"    اطلع على المهام الأمنية والإنسانية.. نائب أمير مكة المكرمة يزور مركز العمليات الموحد    إنستغرام تشعل المنافسة ب «الورقة الصغيرة»    أغلفة الكتب الخضراء الأثرية.. قاتلة    نائب أمير مكة يقف على غرفة المتابعة الأمنية لمحافظات المنطقة والمشاعر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دراما العائلة في امبراطورية الأبناء والأصهار وأبناء العم استعادة لتواريخ سحيقة شهدتها بلاد الرافدين . صورة السلالة التي تمزقت ... فتوزعت مصائر أفرادها بين قتيل وأسير وشريد
نشر في الحياة يوم 24 - 03 - 2004

لم يكن صدام حسين سليل عائلة سياسية او معروفة، فأراد تعويض ذلك بسلالة امبراطورية حاكمة. خلال السبعينات لم يتضح بعد ان وريثاً يمكن ان يرث صدام الذي لم تكن سلطته تعززت سوى كنائب قوي للرئيس. في "استوديو ارشاك" الارمني في شارع الرشيد قرب ساحة القاضي، وفي وقت مبكر بعد تسلم البعث السلطة في تموز يوليو 1968وقف صدام، يرافقه اخوه الاصغر برزان، لالتقاط صورة في الاستوديو الذي اختص بتصوير رؤساء العراق والشخصيات البارزة، ومنها صور الشعراء الزهاوي والرصافي والجواهري والرئيسين عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف. صورة رسمية تدشن صعود العائلة.
جاء صدام بأخيه برزان منذ عام 1970 مديراً لمكتبه الخاص، قبل ان يعيّنه مديراً لجهاز الاستخبارات الحديث التأسيس والذي أحكم قبضة صدام عليه، ومن خلاله أحكم القبضة على العراق. لم يكن اخواه الآخران، وطبان وسبعاوي، ظهرا بعد. كانا منزويين في صالة انتظار ستتسع حين يتولى صدام السلطة وحده.
نسج صدام الشبكة الاولى من ابناء الاعمام والاخوال قبل ان ينتهي الى التقاط صورة العائلة في منتصف الثمانينات التي كانت بمثابة صورة سلالة وصورة امبراطورية مختارة بعناية ومصيرية نهائية كما خطط وفق حساباته الشهيرة التي لم تصح ابداً: يجلس والى جانبه زوجته، ابنة خاله، ساجدة طلفاح، وبينهما ابنتهما الصغرى حلا. ولداه عدي وقصي يقفان حوله مع زوجتيهما، كما يقف حوله صهراه وابنا عمه الاخوان حسين كامل وصدام كامل مع زوجتيهما ابنتي صدام رغد ورنا مع مرافقه آنذاك، ابن خالته وزوج اخته مهرب الاثار الشهير في ما بعد ارشد ياسين.
تم تسويق الصورة كعائلة حاكمة، ومصدر سلالة قادمة. ولم يكن احد يتنبأ بمصير آخر درامي على النحو الذي حدث حتى قبل سقوط بغداد وانهيار النظام والعائلة التي مثلته.
كان عدي الاكثر شهرة في العائلة كوريث مدلل. وراثته المحتملة ودلاله لعبا بمصير الصورة قبل ان يلعب بها صدام حسين نفسه وينهي تأثيرها. لكن رصاصات استقرت في جسمه أواخر عام 1996 عطلته عن الوراثة، فذهب الدور الى قصي. شبح سلالة حاكمة كان يخيم على العراق كما لم يخيم على بلد عربي جمهوري آخر.
لم يكن احد يتصور ان السلالة ستنتهي الى ما انتهت اليه بعد التاسع من نيسان ابريل 2003. فأين اصبحت العائلة؟
عدي صدام حسين: ولد في مرحلة فقر ابيه وتشرده السياسي عام 1964. بعد تسلم ابيه منصب نائب الرئيس كانت كلية بغداد التي تدرس باللغة الانكليزية المرتع الاول لظهور عدي كمراهق مدلل يذهب الى المدرسة تحف به سيارات حماية لا ترحم العراقيين الذين يتأخرون في فسح المجال امام سيارته. بعد تخرجه من كلية الهندسة بامتياز وحصوله على دكتوراه صورية في العلوم السياسية حول السياسة الاميركية تجاه العراق وسيطرته على الصحافة والتلفزيون واتحادات الكتاب والصحافيين وتدخله في السياسة الخارجية للعراق ونقده لطارق عزيز اتضح دوره كوريث لا منازع له. اصبحت له امبراطورية تكاد تكون مستقلة عن ابيه على رغم ملاحقة الاخير لتجاوزات عدي للخطوط الحمر داخلياً وخارجياً.
تزوج ثلاث مرات من دون ان ينجب على رغم اشتهاره بعمليات خطف واغتصاب لفتيات ومتزوجات ربما كانت تعويضاً لعدم قدرته على الانجاب. زوجته الاولى ابنة عزت الدوري نائب صدام. طلقها قبل الدخول بها وطردها الى بيت ابيها. زوجته الثانية ابنة عمه برزان التكريتي طلقها وطردها ايضاً وهي موجودة الآن في جنيف. زوجته الثالثة هبة بنت علي حسن المجيد علي الكيماوي. تزوجها حين كان راقداً في المستشفى اثر محاولة اغتياله. ظل يتنقل سراً خلال الحرب كونه مقعداً وشوهد للمرة الأخيرة في بغداد يوم دخول الاميركيين في مبنى جمعية الاخوان المسلمين في المنصور مع مرافقه قبل ان يغادر في الحادية عشرة ليلاً ولم تعرف أخباره الا بعد قتله في الموصل في 22 تموز من العام الماضي بعد اكثر من ثلاثة اشهر من الهرب والاختفاء.
قصي صدام حسين: صعد وريثاً للحكم بعد اصابة عدي. أنهى دراسته في كلية الادارة والقانون حين كان محمد الدوري آخر سفير لحكم صدام في الامم المتحدة عميداً لها. كان يؤدي الامتحانات في شكل تعسفي حيث يجيب على الاسئلة من قبل آخرين بعد ان يحتل غرفة العمادة من دون ان يدخل عليه احد. تولى المؤسسات الامنية والاجهزة الضاربة والاشراف على الحرس الجمهوري وتولى قيادة منطقة بغداد خلال الحرب وكان تحت امرته وزير الدفاع الفريق سلطان هاشم. كان يجلس الى جانب والده في الاجتماعات المهمة في رسالة واضحة للجميع خصوصاً بعد ما اصبح عضواً في القيادة القطرية لحزب البعث. تزوج من ابنة الفريق ماهر عبدالرشيد التكريتي قائد الفيلق الثالث خلال الحرب العراقية - الايرانية الذي احيل على التقاعد فور انتهاء الحرب بعد شعوره بالتفوق والغطرسة وابقي رهين البيت يتاجر بالجمال والنوق. ولقصي ثلاثة ابناء هم مصطفى الذي قتل معه في الموصل وموج التي تبلغ الثانية عشرة من عمرها وهي مع عماتها في عمان وصدام الذي يبلغ من العمر اربع سنوات وهو الآن في عهدة جده لأمه الفريق ماهر عبدالرشيد في تكريت. قتل في 22 تموز الماضي مع عدي في بيت واحد بعد اكثر من ثلاثة اشهر من الهرب والاختفاء.
علي صدام حسين: قصة علي هي بداية الدراما التي واجهت العائلة. كانت امه سميرة الشاهبندر على علاقة بصدام انتهت بزواج سري، ذهب مرافق صدام ومتذوق طعامه كامل حنا ججو ضحيتها بعدما انهال عليه عدي ضرباً بقضيب من حديد امام زوجة احد الرؤساء العرب في حفل لاتحاد نساء العراق في مطعم في متنزه الزوراء عام 1989، الامر الذي جعل صدام حسين يهرع ببنطلون اسود وقميص ابيض مفتوح الازرار وبنعل بيتي. كان عدي يضرب بفظاظته وقسوته "الوسيط" الذي رتب العلاقة والزواج وليس مرافق الأب، بعدما اوغرت امه ساجدة صدره على "سمسار" ابيه الذي شرخ صورة العائلة. وذهب ابعد من ذلك حين شرخ العائلة نفسها وجعل لها صورتين، واحدة علنية يعرف العراقيون كلهم ان صورة ثانية، سرية، اصبحت توازيها وتنافسها. ظل علي لغزاً حتى الآن. اشاعات سرت في طول بغداد وعرضها آنذاك، قبل اكثر من عشر سنوات، تقول ان صدام يخاف عليه من انتقام عدي او قصي او ساجدة لذلك اخفاه ولم يكن يخرج الا سراً وبحراسة مشددة ولا يعرف احد اين يسكن هو وامه التي طلقها صدام قهراً من زوجها مدير الخطوط الجوية العراقية الذي انجبت منه ابناً هو محمد الذي يعيش في نيوزيلندا منذ سنوات. ولكن لماذا في نيوزيلندا بعدما كان ضابطاً مؤثراً في جهاز الاستخبارات يشغل منصباً في الشعبة الايرانية في الجهاز؟ يروي شاهد عيان ان عدي منعه عام 1996 من دخول فندق الرشيد الذي كان يتردد عليه بعدما طرد صحافيين من جريدة "بابل" التابعة لعدي من الفندق في خطوة انضمت لخطوات لاحقة لتوسيع الشرخ في صورة العائلة. ذهب محمد الى نيوزيلندا بعدما طلق صدام امه قبل الحرب بسنتين في حين ان شقيق الزوجة الذي يعيش في لبنان ينفي الطلاق. ولذلك يؤكد شهود ان سميرة الشاهبندر وابنها علي هم الآن في لبنان، في حين يؤكد آخرون ان علي في نيوزيلندا مع شقيقه محمد.
هذه هي قصة الاولاد. اما قصة البنات فتختلف قليلاً. تظهر البنات في صورة العائلة العلنية سعيدات مفعمات بالغطرسة والامل. رغد ورنا مع زوجيهما حسين كامل وصدام كامل وابنائهما الأبكار الذين سيكبرون ويترعرعون في كنف قصور الرئيس ومزارعه وسلطانه الرهيب من دون ادنى شعور بتقلبات الدهر. ابتسامات الجميع تغطي الصورة بأكملها. صدور الجميع بارزة. عيون الجميع تتطلع نحو الامام. ليس نحو الكاميرا ولكن نحو غد فوق العراقيين الذين لا وجود لهم في الصورة حتى على الحائط الذي شكل الخلفية. كان صدام يجلس في الوسط ليعبر تاريخ عقود من الحكم من خلال ابنائه واحفاده الذين سيحفظون السلالة والحكم والمغامرات التي خاضها ابوهم وجدهم وجدهم الاعلى الذي كون الشجرة العائلية. هل خطر بباله وهو يرى الصورة بعد تحميضها انها ستتمزق بعد سنوات في شكل درامي ومخيف؟
اطلق عدي النار على عمه وطبان وزير الداخلية واصابه في قدمه. صعّد خلافاته مع انسبائه حسين وصدام كامل واراد اخضاعهما ففرا الى الاردن مع زوجتيهما وابنائهما في لحظة اصابت صدام بالذعر اكثر مما اصابته بالمفاجأة. اين المصور الذي التقط الصورة؟ هل يستطيع اعادة اجزائها التي اخذت بالتمزق وعناصرها التي اخذت بالفرار من حدود الصورة؟
بعد اندلاع الانتفاضة عام 1991 جمع صدام عناصر الصورة واخبرهم ان مصيرهم مرتبط بمصيره. هكذا انطلقوا في هبة عائلية وعشائرية ليحفروا المقابر الجماعية لتبقى عائلة حاكمة وتؤسس سلالة امبراطورية. لكن القدر بدأ يحفر قبور العائلة وصورتها. عاد حسين كامل وصدام كامل نادمين في شباط فبراير عام 1996 بعد ثمانية اشهر من فرارهما. كان عدي يترصدهما عند الحدود. اخذ الرجلين، الواقفين في الصورة مبتسمين الى جانب زوجتيهما، الى منزل في السيدية التي سيدخل منها الاميركيون الى بغداد بعد سبع سنوات اخرى ثم جرى قتلهم بالطريقة التي قتلوا خصومهم بها واخرجوا من الصورة الى الابد. تم اكتشاف صدام كامل عام 1979 ليمثل دور صدام حسين في فيلم "الايام الطويلة" الذي يروي في شكل مبالغ فيه قصة صدام حسين وصعوده الحزبي بعد محاولة اغتيال الزعيم عبدالكريم قاسم عام 1959 ثم فراره الى سورية. ومن هذا الدور تحول الى مشرف على حماية الرئيس ثم مشرفاً على قوات الحرس الخاص.
اما حسين كامل فكان نائب عريف في الجيش وعمل في البداية في موكب حماية ساجدة طلفاح زوجة نائب الرئيس آنذاك قبل ان يتقدم لحماية الرئيس في ما بعد، ليصبح على رأس اهم خمس وزارات في العراق ويبدأ الاعتقاد انه الوريث للسلالة، فقاده هذا الاعتقاد الى الموت مذبوحاً.
اما زوجتاهما فأسدل ستار من العتمة عليهما. بعد الحرب ظهرتا في الاردن الى جانب تسعة من ابناء القتيلين: خمسة اولاد واربع بنات في مدارس اميركية وبموافقة الاميركيين مع حماية خاصة واموال كثيرة.
كانت هناك نكتة سوداء ربما كانت شعبة الاشاعات في جهاز الاستخبارات وراءها. نكتة اصابت العراقيين بالغم والقهر وفقدان الامل. تقول النكتة ان شخصاً مات في عهد صدام حسين. لكنه بعث بعد اكثر من سبعين عاماً فظن ان حكم صدام وعائلته انتهى، لكن تظاهرة قدمت امامه يهتف فيها المتظاهرون: هلا. هلا . بابن حلا.
كانت حلا مدللة ابيها صدام حسين و"آخر العنقود". زوّجها ابوها الى الرائد جمال مصطفى التكريتي شقيق الفريق كمال مصطفى التكريتي قائد قوات الحرس الجمهوري الخاص، القوة الضاربة الاولى لصدام لجميع القوى العسكرية الاخرى. زوجها في الاسر الاميركي الان. اما هي فتعيش مع ابنها ذي العام ونصف عام في سورية مع امها ساجدة خير الله طلفاح بموافقة الاميركيين.
صدام لم ير اباه في حياته. لكنه رأى امه التي رأته رئيساً للعراق وربما لم تصدق حتى مماتها في منتصف الثمانينات حيث مشى قادة البعث في جنازتها باعتبارها "ام المعجزة" التي حدثت في العراق بارادة السماء كما كان صدام يحب ان يكتب عنه كتاب سيرته. صبحة طلفاح امه وام اشقائه برزان الذي يقبع الآن في الاسر الاميركي بعد العثور عليه في نيسان من العام الماضي في مزرعة في الرمادي غرب العراق.
زرع برزان صورة الرعب في العراق على رغم انه كان خارج الصورة العائلية التي التقطت. كان في جنيف ينظر الى الوراء حيث انتهى سلم صعوده، الذي بدأ مع اول صورة لصدام في استوديو رسمي، بصعود عدي اليه الذي سيلتحق به بعد مقتل كامل حنا ججو. لم تنفع المصاهرات التي خطط لها صدام بعناية، اذ اهان عدي ابنة برزان التي تزوجها وطلقها وطردها قعيدة بيت والدها. اما محمد ابن برزان الذي كان يأتي الى مدرسة الموسيقى والباليه مطلع السبعينات محاطاً بالحماية فسبق عدي صدام بهذا المشهد. محمد برزان ما يزال في العراق الآن. اما زوجة عدي المطلقة ابنة برزان فتعيش مع اختها في جنيف.
صبحة طلفاح أيضاً هي ام سبعاوي شقيقه الاصغر الذي شغل منصب مدير الامن العام وما يزال طليقاً وورد اسمه في قائمة المطلوبين الخمسة والخمسين على ورق اللعب، اثنان من أبنائه الثلاثة في الاردن هما ياسر الرائد في الحرس الخاص وعمر نائب رئيس الاتحاد الوطني لطلبة العراق، وهما مطلوبان للعدالة، اما الثالث، محمد، فما يزال صغير السن في حين تعيش اربع من بناته في الاردن ايضاً.
شقيقه الآخر وطبان في الاسر، وابنه احمد ما يزال طليقاً في تكريت مع اخيه باسل. اما شقيقاتهما الثلاث، فاثنتان منهن في الاردن والثالثة مع امها قريبة علي الكيماوي تعيشان في العوجة حتى الآن.
لصدام في العائلة وداخل صورة العائلة شخص اشتهر بأنه اكبر مهرب للآثار العراقية في التسعينات. انه يقف في الصورة على رغم انه ربما كان الابعد ضمن المجموعة التي تضمها حدود الصورة. انه مرافقه الاقدم وابن خالته ارشد ياسين. وهو زوج شقيقة صدام، سهام ابراهيم التكريتي. زوجها في الاسر وهي في الاردن. ارشد هو شقيق اسعد الذي يعتقد انه اعترف للأميركيين بعد إلقاء القبض عليه بمكان صدام الذي اعتقل فيه. كان اسعد في خط المرافقين الاول وغادر معه بعد سقوط بغداد وظل مختفياً معه طيلة تلك الاشهر التي ربما لم يفكر صدام خلالها بالصورة التي التقطها للعائلة في منتصف الثمانينات.
اما الشقيقة الثانية لصدام فهي متزوجة من مثنى الناصري التكريتي معاون مدير العمليات في جهاز الاستخبارات وهو مسؤول عن اكبر مقبرة جماعية في بغداد تضم نحو 15 ألفاً وما تزال غير مكتشفة بعد اذ ان شهودها لم يعودوا الى العراق بعد. ومثنى هذا ما يزال هارباً ومختفياً.
كانت الصورة محاطة بالتعاويذ والرقى والطلاسم التي نفث بخورها السام ابناء عمومة صدام: علي حسن المجيد الكيماوي اشهرهم الذي كان خبر مقتله في الناصرية اثناء الحرب طغى على اخبار ذلك اليوم ثم اتضح انه لم يقتل وهو الان في الاسر الاميركي. ثم هاشم علي المجيد محافظ بابل السابق وكامل حسن المجيد الذي قتل مع ولديه حسين وصدام، ثم شبيب سليمان المجيد وعبد القادر سليمان المجيد.
من جانب آخر كانت الصورة محاطة بتعاويذ ورقى من جهة الأم. ابناء خاله طلفاح والي بغداد في السبعينات، اخوال ابناء صدام. عدنان خير الله طلفاح وزير الدفاع الذي قتله صدام وحسين كامل بحادث هليوكوبتر في الموصل عام 1989 ليمهد لصعود الاصهار وابناء الاعمام وينقل الولاء من الام الى الاب. ثم لؤي خير الله طلفاح شريك ابن اخته عدي في مغامراته وتجارته وطيشه وطموحاته وهو معتقل الآن في الاسر الاميركي ايضاً. ثم المقدم معن مدير مكتب اخيه القتيل عدنان، وهو يغادر بغداد الى عمان ويعود منها الى بغداد من دون عقبات، والرائد معد المرافق في خط الحماية الثاني لصدام والذي خرج الى الاردن ثم عاد الى بغداد، وكهلان المختفي في تكريت من دون اثر حتى اليوم.
هؤلاء هم اخوة بطلة دراما العائلة ساجدة خير الله طلفاح، زوجة صدام التي شاعت عنها نكتة في بغداد في نهاية التسعينات، مفادها ان امرأة وقفت على بابها تسألها حاجة لانها ارملة قتيل حرب وام لايتام فردت عليها ساجدة بالقول: انا اتعس منك. لدي ارملتان وتسعة ايتام وابن معوّق...
تشترك ساجدة مع صدام في العودة الى الجد السادس مسلط الذي يُستخدم لقبه من قبل خيرالله طلفاح. ومسلط هذا بحسب وثيقة موقعة من الدولة العثمانية كان قاطع طريق شهير. وهو اسود، طويل، اتقن فنون الفروسية وسيطر على منطقة قوافل بين مدينتي الكوت وتكريت. ومسلط هو ابو عبدالغفور وابو الخطاب اللذين ينبثق منهما فرعا صدام وساجدة حيث ينتهيان عند خيرالله طلفاح من جهة الام وعند حسين المجيد من جهة الاب، وهذان يعودان الى شخص اسمه "عْمّر" بتسكين العين وتشديد الميم الذي خلّف ناصر الذي يلقب صدام وآخرون من خلاله بلقب "الناصري".
صدام مزق صورة كل عائلة عراقية وجمع عائلته لالتقاط صورة سلالة، من دون ان يدرك انه ليس هو الذي يصنع الصورة، وغاب المصور الذي لم يعد مرة اخرى لالتقاط مصائر الذين توزعوا بين القتل والتشرد والاسر، في استعادة لتواريخ سحيقة شهدتها بلاد الرافدين.
* كاتب عراقي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.