ليس هناك شك في أن الفائدة من مصادر النفط والغاز تبقى محدودة إذا لم يتمكن المنتجون من نقلها للمستهلكين بسلامة وبطرق اقتصادية. وبما أن خطوط الأنابيب من الوسائل الرئيسية لأنظمة النقل فإنها تكتسب أهمية خاصة على ضوء التطور الحاصل في أنواع الفولاذ والحجم الممكن إنتاجه في معامل الأنابيب. أضف إلى ذلك التقدم الكبير الحاصل في مجالات التصميم والإنشاء والتشغيل والصيانة والفحص الهندسي وكل عمليات التدخل اللازمة للتأكد من تكامل منظومات خطوط الأنابيب والحفاظ عليها. هذه المواضيع وغيرها بحثت في المؤتمر السنوي الخامس لخطوط أنابيب النفط والغاز في الشرق الأوسط الذي عقد في أبو ظبي في 9 أيار مايو الحالي والذي تنظمه مؤسسة"إنرجي إكسجينغ"واتحاد التكرير العالمي، وأصبح يجتذب الكثير من المتخصصين من الحكومات وشركات النفط والمقاولين ومجهزي المعدات. وعلى مدى يومين اطلع المشاركون على آخر التطورات الفنية في هذا المجال إضافة إلى التطورات المحلية والإقليمية في مشاريع خطوط الأنابيب. وفي الخطاب الافتتاحي قال المدير في شركة أبو ظبي الوطنية للنفط محمد جمعة:"إن بعض خطوط الأنابيب في منطقة الخليج العربي مر على اشتغالها أكثر من 40 سنة وان المؤتمر سيتعرض للخبرة المكتسبة ولتطوير طرق فنية واقتصادية تهدف إلى تحسين التصميمات لفترات اشتغال أطول ولتلافي التعرض لأخطار كبيرة أو لفترات توقف مكلفة مستقبلاً". كما أكد على أهمية الفحص الهندسي للتأكد من إدامة تكامل منظومات الأنابيب، وأن أعمال التصليح تهدف إلى تقليل فترات التوقف وتتلافى المخاطر على المشتغلين والسكان. وفي عرض عن خطوط الأنابيب في العراق أكد كاتب هذه السطور أن أطوالها تصل إلى ما يقرب من 11 ألف كيلومتر، 56 في المئة للنفط و20 في المئة للغاز والبقية للمنتجات النفطية. وقال ان ظروف العراق من حرب وحصار واحتلال خلال ال15 سنة الماضية أدت إلى استثمارات محدودة جداً في هذا المجال. وحتى خط الغاز القطري من الجنوب إلى بغداد لم يكتمل بعد مما أدى إلى حرق كميات كبيرة من الغاز في الجنوب. كما أشار إلى حاجة جميع خطوط الأنابيب إلى عمليات جذرية من الفحص والصيانة والتحديث إضافة إلى زيادة طاقات الخزن وتحسين أنظمة الاتصالات والسيطرة. وتوقع أن يكون العراق مستقبلاً لاعباً أساسياً في خطوط الأنابيب في المنطقة بعد انضمامه لاتفاق خط الغاز العربي وخاصة فيما لو أعيد النشاط إلى مشاريع تصدير الغاز إلى الكويت وسورية وتركيا. كما أن خطوط الأنابيب في العراق ستتوسع بموجب الهدف العام لزيادة طاقة إنتاج النفط الخام إلى ستة ملايين برميل في اليوم أو اكثر، ودعا إلى فتح الخطوط المغلقة إلى السعودية وسورية قبل الشروع في مشاريع جديدة مكلفة. وقدم خالد العوضي المدير في شركة"إمارات"عرضاً مفصلاً عن شبكة توزيع الغاز في الإمارات الشمالية من دولة الإمارات العربية المتحدة والتي تتمحور حول حقل الصجعة في إمارة الشارقة بما فيها من محطات كبس و360 كيلومتراً من خطوط الأنابيب المتجهة إلى دبي ورأس الخيمة وأم القيوين والفجيرة لتوصيل الغاز إلى محطات توليد الكهرباء والمستهلكين الصناعيين الآخرين حيث من المتوقع زيادة الطلب بما لا يقل عن 50 في المئة خلال العشرين سنة المقبلة. وبما أن إنتاج حقل الصجعة ينخفض تدريجاً فإن"إمارات"سوف تستمر بتجهيز مستهلكيها بالغاز من عمان منذ 2003 وحقل أم القيوين البحري ابتداء من 2006 ومشروع"دولفين"لنقل الغاز من قطر ابتداء من 2007 إضافة إلى استيراد الغاز من حقل سري الإيراني ابتداء من أواخر 2005 بربطه بخط أنابيب إلى الصجعة. وكانت هناك ورقتان تعرضتا لاقتصادات خطوط الأنابيب الطويلة لنقل الغاز وتطبيقاتها. الورقة الأولى كانت عن اقتصادات نقل الغاز من الخليج العربي إلى أوروبا حيث توقع مقدمها إرنستو سورييا من شركة أي إل إف الألمانية أن واردات أوروبا من الغاز سوف تزداد بما لا يقل عن 270 بليون متر مكعب في السنة بين 2000 و2025 وان الطريقة الوحيدة لسد هذه الفجوة تكمن بالاعتماد على الواردات الحالية من دول الاتحاد السوفياتي سابقاً ومن الشرق الأوسط حيث 40 في المئة من احتياطات الغاز في العالم. وعلى افتراض نقل 30 بليون متر مكعب سنوياً وباستخدام خط طوله 4500 كيلومتر فإن الكلفة الاستثمارية ستكون بحدود 6.6 بليون دولار، وتكون 8.7 بليون دولار إذا كان طول الخط ستة آلاف كيلومتر. وفي هذه الحالة ستكون كلفة نقل الغاز من الخليج العربي إلى أوروبا بحدود دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في الحالة الأولى ودولار وثلاثين سنتاً في الحالة الثانية، وان هذه الكلف تتماشى مع أسعار الغاز المستورد من مصادر أخرى في الوقت الحاضر. وحتى لو سعى المستثمرون للحصول على أرباح أعلى فإن تأثير ذلك على الاقتصادات يبقى مقبولاً. أن هذه الاقتصادات المشجعة ستساعد أوروبا فيما لو تحققت هذه المشاريع على تحسين أمن الإمدادات وتوسيع التجارة العالمية والتعاون الإقليمي وان هذه الفوائد ستكون اكبر عند التقليل من مخاطر المشروع من خلال مزيد من التعاون ومشاركة الحكومات وتعدد الجهات المشاركة بالمشروع. أما الورقة الثانية فقد كانت تطبيقاً لأفكار الورقة السابقة حيث عرض مدير شركة"نابوكو"راينهارد ميتشك لدراسة خطوط الأنابيب التي تروج لخط إلى أوروبا من تركيا مروراً ببلغاريا ورومانيا وهنغاريا وانتهاء بالنمسا. ان الأهمية الاستراتيجية لهذا المشروع تكمن في انه سيفتح ممراً جديداً للغاز من الشرق الأوسط وبحر قزوين إلى أوروبا للمساعدة في أمن الإمدادات والإفادة من الشبكة النمسوية وارتباطاتها بدول أوروبا الأخرى. أن شركات الغاز في دول المرور هي الشركاء الحاليين في المشروع ولكنها تسعى إلى إشراك جهات أخرى في الوقت الذي تعتقد الشركة أنها ستحصل على حصتها في السوق بسبب تنافسية مشروعها قياساً بالمشاريع الأخرى وبسبب حجم الموارد الغازية المتاحة من الشرق الأوسط وبحر قزوين وتوسع الطلب الكبير على الغاز في أوروبا ووجود مستهلكين على طول طريق مرور الخط. ان الخط الذي تروج له الشركة يبدأ من حدود تركياالشرقية مما يعني انه سيعتمد على الغاز من إيران وبحر قزوين، ولكن مقدم الورقة أكد على أن مصادر الغاز من الخليج مروراً بالعراق ومن العراق وحتى مصر من طريق خط الغاز العربي يمكن ربطها بالمشروع. من أهم نتائج هذا المؤتمر، الذي ركز أيضاً على المسائل الفنية البحتة في أوراق أخرى، أن أنظمة خطوط الأنابيب ضرورية ومكلفة جداً وان كل الجهود يجب أن تنصب على تحسين تصميمها وحمايتها لمنع أو تقليل حوادثها التي تؤدي إلى الإضرار بالبيئة أو حياة الإنسان وان هذه الجهود الإضافية ليست إلا كلفة قليلة نسبة إلى الأضرار التي يمكن أن تحدث نتيجة لتعرض خطوط الأنابيب للعطب أو التوقف. خبير نفطي.