في إطار نشاطها الثقافي المكثف احتفلت مكتبة الإسكندرية خلال شهر آذار مارس الفائت باليوبيل الماسي 75 سنة لمولد الفنان شادي عبدالسلام. وافتتحت المكتبة للمناسبة قاعة"عالم شادي عبدالسلام". تضم القاعة مجموعة كبيرة من اللوحات الخاصة بتصميمات الديكور والملابس التي قدمها المخرج الراحل في العديد من الأعمال السينمائية مثل"وا إسلاماه"،"عنترة بن شداد"،"المظ وعبده الحامولي"،"أمير الدهاء"، إضافة إلى مكتبته الشخصية التي تضم نحو 1300 كتاب ومجلد منتقاة في مواضيع مختلفة أبرزها عن الحضارة المصرية القديمة والحضارة الإسلامية والفنون والعمارة وتاريخ مصر والسينما والمسرح والحضارة الأفريقية والأدب. ويحتوي المتحف أيضاً بعض المقتنيات الخاصة بالفنان من قطع موبيليا،أوان نحاسية، ميداليات وجوائز وشهادات حصل عليها شادي عبدالسلام خلال حياته وبعد وفاته. وجهزت القاعة بدار سينما صغيرة آفاق لتعرض كل أسبوع بصفة مستمرة مجموعة الأفلام التي أخرجها شادي عبدالسلام أو صمم الديكور والملابس لها, إضافة إلى بعض التسجيلات الخاصة لأحاديث الفنان. تعد القاعة إحدى الإضافات الجديدة والجميلة في مكتبة الإسكندرية, باعتبارها تطلق الحوار العام حول فكر شادي عبدالسلام, وبخاصة نظريته أو عقيدته, بتعذر قيام نهضة حقيقية لمصر الحديثة في كل دروب الحياة, ما لم يُعِد المصريون اكتشاف تراثهم القديم وتقويمه واستلهامه. وقد أسهمت المكتبة في إبراز ذلك الفكر لابن الإسكندرية الذي ولد فيها في 15 آذار مارس 1930, وتخرج في كلية الفنون الجميلة - قسم العمارة 1954, ودرس فن الدراما في لندن عام 1956, ثم اشتهر كمصمم ملابس وديكور في العديد من الأفلام التاريخية المصرية. عمل شادي عبدالسلام أيضاً مساعداً للإخراج مع كبار المخرجين أمثال بركات، حلمي حليم وصلاح أبو سيف. درّس في المعهد العالي للسينما حتى عام 1974, ثم تولى إدارة مركز الفيلم التجريبي عام 1968, واختير عضواً في لجان التحكيم في مهرجاني طهران ونيودلهي عام 1974, وحصل على العديد من الجوائز في المهرجانات المحلية والعالمية. وتوفي في 8 تشرين الأول أكتوبر عام 1986 مخلفاً وراءه فكراً وتراثاً فنياً رائعاً. ساهم شادي عبدالسلام في وضع السينما المصرية على خريطة السينما العالمية من خلال فيلمه الروائي الطويل الوحيد"المومياء". وعندما عرض هذا الفيلم للمرة الأولى في نهاية ستينات القرن الماضي، قيل إنه"فيلم يسدل الستار على مرحلة كاملة لكي يفتح بجرأة شديدة مرحلة جديدة". وتكمن أهمية فيلم"المومياء"في منهجه السينمائي الجديد ورؤيته وطبيعة الفكر السينمائي الذي تضمنه واللغة السينمائية المتطورة, ولا يجد مشاهده صعوبة في رصد القيمة التشكيلية التي شهدت أول محاولة لتأصيلها في الفيلم المصري الذي أهمل في الغالب الأعم منه هذا الجانب. وهو في"المومياء"ارتبط بمضمون الفيلم الذي تحدده طبيعة الشخصيات ولون الأحداث, وأسباب أخرى جعلت الفيلم ومخرجه علامتين بارزتين في مسيرة الفيلم العربي التي ما زالت بحاجة إلى الكثير من الفحص والدراسة. وكان لشادي عبدالسلام في مجال تصميم الملابس والمناظر بصمة خاصة وواضحة تماماً, هذا على رغم أن تصميمه للملابس انصب في معظمه على أفلام تاريخية, أي أن الملابس فيها تقيدت بعصر زمني معين مما كان من شأنه أن يكون عذراً لتتشابه ملابس الفيلم مع ملابس بقية الأفلام التاريخية التي تناولت الفترة نفسها, وهو ما لم يحدث، فعبدالسلام استطاع بيسر أن يحفر طريقاً مميزاً له في هذا المجال بالتحديد وذلك عبر خطوطه وألوانه الرائعة. وأهم ما يميز أعمال الفنان شادي عبدالسلام هو الفكر والمغزى والرسالة التي ينطوي عليها عمله. الذي كان يرى أن"معاملتنا كشعب وأمة وحضارة للتراث المصري القديم, لا تختلف كثيراً في مضمونها عن سلوك لصوص المقابر, أي أننا انتهكنا حرمة هذه الحضارة, فنهبنا كنوزها, وبنينا على أطلالها, ثم حولنا رفاتها إلى مزار للسياح, طمعاً في المادة. ذلك لأنها في مخيلتنا لا تعدو أن تكون سلعة شاءت الأقدار الجغرافية أن تهبها لنا, كما وهبت البترول أو غيره من الثروات لغيرنا". ومن هنا كانت رسالته الفنية والفكرية المهمة. لذا أسست مكتبة الإسكندرية قاعة تحمل اسمه وستصبح بالتأكيد مزاراً مهماً في عالم مكتبة الإسكندرية.