التقرير الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري يجب ان يقبل كما هو، ومع محاولة الولاياتالمتحدة وفرنسا تسييس التقرير ضد سورية، فإن التقرير نفسه غير مسيّس، وانما يعرض ما توصل اليه المحققون الدوليون بالامكانات التي توافرت لهم، وكان بعضها اكبر من بعض، او افضل من بعض. أهم نقطة في التقرير، قوله عن نفسه انه ليس فصل المقال في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق، فهو يوضح ان مثل هذه الجريمة بما لها من مضاعفات يحتاج الى اشهر، ان لم يكن سنوات، لارساء ارضية صلبة لمحاكمة محتملة للمتهمين. وجدت ان معارضي التحقيق كله اتخذوا موقفاً مسبقاً خلاصته ان الهدف منه اتهام سورية لتستطيع الولاياتالمتحدة وفرنسا تنفيذ سياستها المشتركة ضدها، وان مؤيدي التقرير اعتبروا صفحاته حكماً قاطعاً بالادانة. غير ان الحقيقة بين الاثنين، والتقرير يقول ان"افتراض البراءة قائم". اذا كان لسورية ان تحصل على البراءة في النهاية، فإن على السلطات فيها ان تتعاون مع المحققين الدوليين بشكل افضل مما فعلت حتى الآن. والتقرير الذي امتدح جهد الاجهزة اللبنانية المختصة في مساعدة التحقيق الدولي انتقد بصراحة في اماكن عدة منه الموقف السوري، فقال ان دمشق لم تتعاون جيداً، وعرقلت التحقيق وصعبت ملاحقة خيوط من مصادر مختلفة. المحققون الدوليون يريدون اجراء مقابلات مع المشتبه بهم خارج سورية، ومن دون وجود مسؤولين سوريين، أو مراقبين، اثناء الاستجواب. أرجو ان تتعاون الحكومة السورية لانها لن تنفي التهمة عنها بمجرد النفي واعلان البراءة، فمثل هذا الموقف سيعزز التهمة في عقول الناس، التهمة تنفى اذا تعاونت سورية الى اقصى حد، والبراءة او الادانة ليست في التحقيق، وانما في قرار محكمة أطلب كمواطن ان تكون دولية ليطمئن قلبي. قلت في اليوم الاول بعد اغتيال الرئيس الحريري انني لا أدين احداً ولا أبرئ احداً، وانما انتظر نتائج التحقيق، وقد جاءت النتائج الاولية وهي تشير الى رؤساء اجهزة امنية لبنانية وسورية، وهي تهمة معقولة يبقى ان تثبت او تدحض فأعلق حكمي الشخصي في انتظار اكتمال التحقيق والمحاكمة والحكم. قلت ايضاً في اليوم الاول بعد الاغتيال ان الجريمة كبيرة، بل من مستوى دولي، وسيعرف حتماً من خطط ونفذ وتستر، ولا أزال عند هذا الرأي. وقد جاء التقرير الدولي ليعزز قناعة اخرى عندي فبعد اغتيال الرئيس الحريري كتبت انه اذا ثبت ان الاجهزة الامنية اللبنانية والسورية وراء الاغتيال، فسيكون رفيق الحريري ادى خدمة في وفاته للبنان وسورية لم يستطع ان يقدمها في حياته، لأن هذه الاجهزة ستدفع الثمن وسينتهي نفوذها غير الشرعي في البلدين. يبدو من تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلة ان الشبهة تسير في هذا الاتجاه، فلعل الايام القاتمة التي تبعت رحيل الشهيد رفيق الحريري تنتهي ببصيص امل للبنانيين والسوريين معاً. لا أعتقد ان هناك خياراً امام السلطات السورية غير التعاون، مع انني لا استبعد انفجاراً أمنياً في هذا البلد او ذاك، او معركة مفتعلة، لفرض معطيات جديدة يجرى التفاوض على اساسها. غير ان مثل هذه المحاولة ستفشل في النهاية، والذين حفروا لأنفسهم حفرة عميقة لن يخرجوا منها بمعارك جانبية، فهذه لن تفعل سوى زيادة عمق الحفرة. أعرف يقيناً ان الولاياتالمتحدة وفرنسا تريدان تسييس التقرير، وأعرف انهما اتخذتا معاً موقفاً مسبقاً منه، بل أزعم انني اعرف الاسباب فالادارة الاميركية تريد حمل سورية على تنفيذ طلبات سبقت الاغتيال بسنوات، منها وقف التسلل الى العراق، وطرد المنظمات الفلسطينية الرافضة من سورية، وتجريد حزب الله من سلاحه طلب الانسحاب من لبنان تحقق. وفرنسا"باعت"سورية للأميركيين بهدف تخفيف حدة التوتر بين البلدين مع معارضة باريس كل سياسة اميركية اخرى، اضافة الى الموقف الخاص للرئيس شيراك من لبنان ورفيق الحريري. ما سبق صحيح في مجمله، الا انه لا يتبع انني اتهم الولاياتالمتحدة وفرنسا، بل اتهم الاجهزة السورية والمسؤولين عنها الذين سهلوا مهمة اميركا وفرنسا ضد بلادهم. وكنت سألت الرئيس بشار الأسد سؤالاً مباشراً هو هل يمكن لجهاز سوري او مسؤول ان يقرر اغتيال رفيق الحريري من وراء ظهره، وهو رد ان مثل هذا العمل خيانة عظمى عقوبتها الاعدام. أرجو ان يحزم الرئيس السوري أمره، وينظر في الموضوع من جديد، في ضوء التقرير الدولي لأنه سيتهم بالتبعية اذا لم يعاقب المسؤول السوري عن هذه الجريمة، اذا ثبتت التهمة، كائناً من كان. المجرم يستحق ان يصلب والكلمة مجازاً على احدى بوابات دمشق التاريخية مرتين، مرة لأنه قتل رفيق الحريري، ومرة لأنه ساعد اعداء بلده على تنفيذ مخططات معروفة ضد هذا البلد. الخطوة المقبلة يجب ان تأتي من الرئيس بشار الأسد.