بإمكان سكان بعض القرى الحدودية في محافظة الحسكة شرق شمالي سورية ان يحدثوا جيرانهم العراقيين من دون استخدام مكبرات الصوت. التلاحم الجغرافي والتشابك الاجتماعي لم يحولا دون انقطاع العلاقات بين البلدين لأكثر من عقدين: وزاد الطين بلة ترسيم الحدود اواخر عام 2001، إذ اصبحت بعض البيوت نصفها في العراق ونصفها الثاني في سورية، ما اضطر اللجنة المعنية بالترسيم الى مراعاة الوضع فأخذت جزءاً من هنا وجزءاً من هناك من دون المساس بالجوهر. الأسبوع الماضي زرت الحدود السورية - العراقية وطلبت من صديقي العراقي ان نقوم بجولة على طول الحدود الشمالية. بدأنا التحرك صباحاً من القرى الكردية واتجهنا جنوباً باتجاه جبل سنجار الذي عبرناه الى منطقة الجزيرة حيث تنشط عمليات التهريب. السوريون يجدون صعوبة في المحافظة على الحدود في ظل غياب حرس الحدود العراقيين وفي تداخل القرى والمزارع. تكثر في مناطق العبور في الجزيرة قطعان الحمير، وسألت صديقي عن السر فقال: "ان هذه الحمير تستخدم في التهريب وهي تلقى عناية فائقة من أصحابها، وأسعارها ارتفعت بشكل ملحوظ في الآونة الاخيرة". قلت ولكن ما السر في ان جميع القطعان من الإناث؟، هناك فرق بين ذكر الحمار وانثاه في التهريب؟، قال صديقي: "نعم، الحمار الذكر يمكن ان ينهق بصوت عال في اي وقت من الليل وبالتالي تكتشف الدوريات الامنية وجود المهرب والبضاعة بينما أنثى الحمار الآتان لا تنهق أبداً". وعلمت ان المهربين يدربون الحمير على عبور الساتر الترابي ومن ثم يحملونها بالمحروقات او الملابس، وبعد ان يثبتوها على ظهر الحماره بشكل جيد يرسلونها الى الجهة المعنية حيث يكون في انتظارها شخص في الطرف الآخر. وعلى رغم ان التهريب يقتصر على مواد مثل المحروقات والملابس والتمور واطارات السيارات وبعض قطع الغيار، الا ان التشديد الأمني السوري على الحدود وعدم وجود ضوابط للتبادل التجاري لعدم جهوزية الحكومة العراقية، اضطر المهربين الى ابتكار طرق قانونية لتهريب المحروقات الى سورية. لم يعد غريباً ان تجد صبياً في احدى القرى الحدودية يبيع البنزين المهرب من العراق بفارق سبع ليرات عن السعر الرسمي في سورية، وقال لي احد الباعة ان البنزين سوري، سألته كيف ذلك؟ فقال: "ان الحكومة السورية تصدره الى العراق بأسعار تشجيعية، وان تجار المحروقات العراقيين يعيدون تصديره الى سورية"، مشيراً الى ان هناك عراقيين لديهم حق الدخول الى سورية لنقل البضائع والركاب وانهم حولوا المقاعد الخلفية لسياراتهم الى خزانات تتسع لمئات اللترات من البنزين يفرغونها لدى اقرب موزع محروقات سوري. وعلى رغم الجهود التي يبذلها المسؤولون السوريون للحد من التهريب، يبقى الوضع عصياً على السيطرة بسبب طول الحدود اولاً نحو 700 كيلومتر وتداخل القرى والمزارع ثانياً، وتبقى مسألة تهريب المواشي الأخطر على ارواح حراس الحدود، لأن المهربين محترفون لا يتوانون عن استخدام السلاح اذا انكشف امرهم.